استطاعت المقاومة اللبنانية اختراق العدو الصهيوني وتحصيناته عدة مرات، وتنفيذ الكثير من العمليات الفدائية الاستشهادية منذ اجتياح لبنان عام 1982 وحتى اكتمال التحرير مع نهاية شهر مايو عام 2000، الأمر الذي حمله على الانسحاب من لبنان بعدما تكبد خسائر بشرية ومادية بالغة، ويعد ما حدث في بنت جبيل 25 أبريل عام 1995، من أبرز الاختراقات التي نفذتها المقاومة اللبنانية، عندما تم تفجير أحد أهم مقرات الاستخبارات الصهيونية بالبلدة اللبنانيةالمحتلة سالفة الذكر، ومع مرور قافلتين للقوات الإسرائيلية، أقدم الاستشهادي "صلاح غندور" على تنفيذ مهمته التي عزم عليها من قبل؛ انتقامًا لأبناء بلدته الذين تذوقوا الأمرَّين نتيجة انتهاكات الاحتلال واعتداءاته. مع انفجار السيارة المفخخة التي كان يستقلها "غندور"، تفرقت أشلاء جنود الاحتلال، ليؤكد استمرار طريق المقاومة حتى تحرير الأرض، وليعلن أمام قوى العالم المستكبر أن درب الشهداء الذي سار فيه أحمد قصير من قبل، مازال ممهدًا حتى يتحقق النصر المبين وتندحر قوى الظلم والعدوان عن أرض لبنان، لتصدر بعد ذلك المقاومة الإسلامية في لبنان بيانًا تعلن فيه عن تفاصيل العملية الاستشهادية، وتؤكد استمرار المقاومة وعملياتها حتى التحرير. جاءت عملية "غندور" ردًّا على كل النهج الإجرامي الوحشي الذي يمارسه العدو الصهيوني بحق المواطنيين في لبنان وسائر الأراضي العربية، فضلًا عن أنها كانت استحضارًا للغة الشهادة وعطاء الدم الذي لا ينضب، وتأكيدًا على أن الشهادة سر الانتصار ومكمن القوة في دفاع الأمة عن نفسها وصونها لوجودها المستهدف وصنع مستقبلها المنشود. تم تنفيذ العملية الاستشهادية في عصر يوم الثلاثاء 25 أبريل عام 1995، عند الثانية والنصف ظهرًا ببلدة بنت جبيل، حيث استغل "غندور" موعد تبادل خروج ودخول القوافل الصهيونية، فعندما دخلت قوة صهيونية المنطقة الحدودية بين فلسطينالمحتلةولبنان، وبينما كانت قوة أخرى تستعد للرحيل، نفذ الشهيد عمليته عند مدخل مقر 17 الذي يضم مبنى قيادة عمليات اللواء الغربي بجيش الاحتلال ومبنى الإدارة المدنية، فضلًا عن قيادة الاستخبارات الصهيونية، مما تسبب في أضرار جسيمة في المباني الاحتلالية، وتدمير عدد من آليات العدو، فضلًا عن تناثر عشرات الجثث داخل منطقة الانفجار الذي سمع دويه على مسافات شاسعة في المنطقة المحتلة. أحدثت عملية "بنت جبيل" نقلة قوية في مسيرة المقاومة والتحرير، حيث أكدت أنه لا سبيل أمام العدو الصهيوني سوى الاستسلام والرحيل عن لبنان، أضف إلى أنها وجهت رسالة واضحة لعملاء الكيان الصهيوني بالبلاد، بضرورة التوبة والرجوع إلى أبناء وطنهم؛ لمواجهة الاحتلال والدفاع عن لبنان لا التآمر عليها وهدمها، عبر معاونة العدو الإسرائيلي في تنفيذ مخططاته الصهيونية، لاسيما وأن انهيار المبنى الصهيوني على الموجودين في داخله أدى إلى الكثير من الجرحى والقتلى بصفوف العدو الإسرائيلي، حيث نقلت 4 مروحيات صهيونية نحو 10 قتلى وجرحى إلى فلسطينالمحتلة ليتلقوا العلاج هناك، هذا بجانب إصابة نحو 20 لبنانيًّا من الميليشيات المتعاملة مع العدو. بعد تنفيذ هذه العملية البطولية، وجَّه الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" نداء إلى رجال المقاومة الإسلامية الشرفاء، حيا فيه الشعب الأبي في الجنوب والبقاع الغربي وكل شعب لبنانوفلسطين، داعيًا إلى مواصلة الاستنفار الشامل دفعًا واستعدادًا لأي تحد قد يلجأ إليه العدو الصهيوني أمام الهزيمة التي ألحقها الشهيد "صلاح غندور" بقواته والخسائر التي وقعت في مباني الاحتلال، محذرًا من أي خطأ أو عدوان يرتكبه العدو ضد شعب لبنان. وكان لعملية بنت جبيل الاستشهادية تأثيرات كبيرة اكتسبت أهميتها من مجموع أسباب وعوامل لخصها الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" في طبيعة الهدف الذي هو مركز تاريخي لقيادة قوات الاحتلال العسكرية والمخابراتية ومركز الإدارة المدنية، وهو معروف بمركز ال17 وله تاريخ إجرامي واسع، إذ يدير شبكات العملاء والجواسيس في الداخل اللبناني، والمسؤول عن كل العمليات الوحشية التي تتم من قتل واغتيالات وفتن وزرع عبوات، وهو المركز الذي فخخت به الكثير من السيارات الملغومة، التي أرسلت إلى المناطق غير المحتلة، بجانب مكان العملية التي تمت في عمق المنطقة المحتلة، على مقربة مما يسمى الحدود الدولية، أضف إلى هذا الأسلوب الاستشهادي للعملية، وأخيرًا حجم الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي لحقت بقوات العدو الإسرائيلية. وأكد "نصر الله" أن العملية الاستشهادية حملت عدة دلالات أهمها، تاكيد خيار المقاومة بالدم الاستشهادي، ومن خلال العمل الاستشهادي لاستعادة الأرض والمقدسات ومقدرات الأمة، بالإضافة إلى تأكيد قدرة المقاومة أمنيًّا وعسكريًّا؛ للوصول لأي هدف مهما كان مهمًّا حتى في عمق أرضنا المحتلة، وتنفيذ المهمة بدقة متناهية وهذا ما اعترف به العدو، ثالثًا تأكيد حقنا ليس فقط في المقاومة، بل في استخدام كل الوسائل والأساليب والطرق وأشكال العمل المختلفة لاستعادة أرضنا ودحض المزاعم الإسرائيلية بأن زمام المبادرة بات في يد الجيش الصهيوني.