تشهد الفترة الراهنة تنسيقا قويا بين القيادتين السورية والعراقية من أجل إحكام السيطرة على الحدود بين البلدين والقضاء على التنظيمات الإرهابية، الأمر الذي انعكس إيجابيا على تحركات القوات العراقية ونظيرتها السورية من أجل إحكام قبضتها على هذه المنطقة الحدودية. الناحية العراقية ما كان في خانة "التوقعات" المستنتجة بات الآن واقعاً معلَناً، بعدما صرّح أبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي، بأن تنسيقاً عالِ المستوى يتم بالفعل مع الجيش العربي السوري بخصوص الحدود العراقية السورية، بعد فترة من الغموض حول مدى "مباشرة" هذا التنسيق ومستواه، وبموازاة الانجاز الهام الأخير باستعادة بلدة القيروان المتاخمة للحدود مع سوريا، وهي أكبر بلدات غرب الموصل وتقع بينها وبين الشريط الحدودي مع العراق، وقال المهندس إن حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة، أصدر توجيهاته للحشد الشعبي بالسيطرة على الحدود العراقية السورية، وإن لدى الحشد خطة للسيطرة على كامل الخط الحدودي. ورداً على سؤال صحفي حول "فيتو" أمريكي على تحركات الحشد وعملياته والتنسيق معه، قال المهندس إنه حدث اعتراض أمريكي سابق بخصوص الفلوجة، لكن الحشد توجه إليها وحررها، وأضاف أنه حال استطاعت قوات الجيش ومكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية السيطرة على كامل الخط الحدودي مع سوريا، فالحشد لن يكون بحاجة إلى الذهاب لتحقيق الخطة، كما أكّد أنه لا يوجد ما يمنع الاشتباك مع القوات الأمريكية في إطار تنفيذ الأمر الحكومي العسكري. في محور العمليات رقم 1، باستعادة القيروان، يكون الحشد الشعبي قطع الشريان الداعشي القادم من شمال سوريا إلى شمال العراق بشكل تام، وبانتهاء الموقف في الموصل حالياً لصالح الجيش العراقي – باستثناء جيوب بالغة الصغر ومحاصَرة – لم يبقَ في محافظة نينوى الحدودية من مرتكز لداعش سوى تل عفر، التي آثر الحشد تأجيل موقفها اطمئناناً لكونها واقعة وسط بحر من قوات الحشد يحاصرها ب360 درجة، على حد قول أبو مهدي المهندس، وتحقيقاً لأولوية عاجلة بالتوجه إلى الشريط الحدودي مع محافظة دير الزور السورية لتنفيذ الأمر العسكري الصادر عن رئيس الوزراء، وانطلاقاً من القيروان سينطلق الحشد إلى بلدة البعاج تمهيداً للوصول إلى الحدود، وتكتسب البعاج أهمية كبرى إذ تشرِف على أول قطاع يسيطر عليه داعش داخل سوريا من ناحية الشمال جنوب قطاع السيطرة الكردي (محافظة الحسكة شمال محافظة دير الزور). من جانب آخر، في جنوب صحراء الأنبار، قطاع صحراء الرطبة ومحيط قضاء الرطبة الحدودي مع الأردنوسوريا، يعمل الحشد الشعبي بصعوبة على طرد داعش من المنطقة الشاسعة ذات الجغرافيا بالغة الصعوبة في محور العمليات رقم 3 بالتكامل مع المحور رقم 2 الذي يستهدف العمل عليه الوصول لمعبر القائم الحدودي مع سوريا أحد النقاط الاستراتيجية والمحاذي لمدينة البوكمال السورية الحدودية التي تسيطر عليها داعش، سعياً منه إلى السيطرة على القطاع الأوسط والجنوبي من الحدود مع سوريا (انظر المحاور الهجومية الثلاثة في الخريطة أسفله). الناحية السورية كثّف السوريون من مجهوداتهم لطرد داعش من الداخل السوري نحو الأطراف في ريف حمص الشرقي وريف حلب الجنوبي الشرقي (انظر الدائرتين C وD في الخريطة أعلاه)، وبقوى مشتركة تضم الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني وحزب الله اللبناني وقوات الحزب السوري القومي الاجتماعي، انطلقت عمليتان كبيرتان في الجنوب السوري نحو الشرق (انظر A وB على الخريطة بالأعلى)، الأولى بالارتكاز على ريف دمشق نحو معبر التنف الذي تسيطر عليه الفصائل الأمريكية، وتضمنت قصفاً أردنياً أمريكياً محدوداً جداً لطليعة القوات السورية المتوجهة للسيطرة على المعبر الواقع على الحدود السورية العراقية، لم يفلح في تعطيل الاندفاعة السورية نحو المعب، بل على العكس انسحبت الفصائل واستطال الذراع السوري أكثر (انظر A على الخريطة بالأعلى)، وإلى جانب تلك الاندفاعة الأقدم جاءت مفاجأة الاندفاعة الثانية الجديدة من ريف السويداء الشرقي (انظر Bعلى الخريطة بالأعلى) للتكامل مع الذراع الشمالي بما يحقق الآتي : – استكمال تأمين محافظة ريف دمشق، البوابة الشرقية للعاصمة دمشق، وإنهاء السعي لابتزاز سوريا سياسياً بتنشيط الفصائل العسكرية الأمريكية على تخوم العاصمة. – إلحاق الذراع الثاني بالأول لإنهاء خطر الوجود الأمريكي في معبر التنف ومحيطه بأقصى سرعة ممكنة، وعملاً على تكتيك التطويق والقضم الذي يعتمده الجيش العربي السوري وحلفاؤه سيتبقى جيب متوسط الاتساع (يسار الدائرة Bعلى الخريطة بالأعلى) ترتبك فيه الفصائل الأمريكية بخطوط إمداد مقطوعة مع الأردن، في ظل سيطرة السوريين على كامل محافظة السويداء. – اعتصار الفصائل الأمريكية بإقامة كماشة مع قوات الحشد الشعبي الضاغطة من ناحية الرطبة في الأراضي العراقية (محور رقم 3 على الخريطة بالأعلى)، ومن هنا لن يكون أمامها سوى الذهاب شمالاً نحو دير الزور التي لم تزل داعش تسيطر عليها بارتكاز كثيف، أي وضعها أمام محاربة داعش ليكسران بعضهما بعضا، أو الذهاب جنوباً نحو السويداء حيث مرتكز للجيش السوري، أو النفاذ نحو الأراضي العراقي من ثغرة قد تخلفها الكماشة، أو الفرار نحو الأراضي الأردنية. باستكمال الطوق الواسع الذي تكوّنه الذراعان السوريان سيتم تطويق معسكر الركبان الأمريكي المحاذي لمعبر التنف، والذي تم تدريب وتسليح الفصائل الأمريكية فيه ويضم قوات أمريكية قد لا يشتبك السوريون معها بشكل مباشر، لكن تحركاتهم نحو الشرق والمصحوبة بغطاء جوي روسي والتي توازيها تحركات الحشد الشعبي العراقي على الناحية الأخرى – العراقية ستضيّق هامش تحرك القوات الأمريكية وتضعها أمام خيارات محدودة جداً، إذ يُعَد الاشتباك البري المباشر مع الجيش العربي السوري وحلفائه في سياق كهذا ومنطقة كتلك خياراً مفصلياً بالغ التعقيد والصعوبة.