مازالت الإدارة الأمريكية تواصل الاستخفاف بعقول الشعوب العربية والإسلامية وتوحي بأنها تعمل من أجل تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني، رغم أن إسرائيل رفضت صراحةً المبادرة العربية المقدمة منذ عام 2002، كما أنها وضعت حل الدولتين في أدراج مكاتبها العتيقة، بالإضافة إلى أن الوافد الجديد للبيت الأبيض يعتبر حركات المقاومة ضد الكيان الصهيوني منظمات "إرهابية"، في ظل صمت 54 من رؤساء وممثلي الدول العربية في القمة الإسلامية الأمريكية الأخيرة. ترامب في فلسطينالمحتلة الحلول الجذرية للقضية الفلسطينية لا تشغل بال الرئيس الأمريكي، فهي لديه أقرب للأمنيات من أي شيء آخر، فتصريحات ترامب التي حملت تفاؤلا حيال القضية الفلسطينية لم تتطرق لتفاصيل حلول أو مبادرات عن كيفية إحلال السلام، واكتفى فقط بالإعلان عن لقاء ثلاثي "أمريكي-إسرائيلي-فلسطيني" سيحدد موعده لاحقًا. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قد استقبل صباح اليوم، نظيره الأمريكي، في بيت لحم بالضفة الغربية، حيث وصل الوفد الأمريكي من إسرائيل في زيارة قصيرة تستغرق نحو ساعة، ومن المفترض أن يعقد الرئيسان مؤتمرا صحفيا للحديث عن نتائج اللقاء، الذي من المتوقع أن يركز على آفاق استئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. التماهي الأمريكي الإسرائيلي في السياسات قديم، ولكن ترامب مُصر على أن يضفي عليه لمساته الخاصة، فبعد زيارته إلى بيت لحم، سيعود ترامب إلى إسرائيل، حيث سيزور مؤسسة "ياد فاشيم" لتخليد ذكرى الهولوكوست، وسيلقي كلمة في متحف إسرائيل، قبل مغادرته البلاد في الساعة الرابعة بعد الظهر، وفي الأمس صلى ترامب برفقة زوجته ميلانيا، وابنته إيفانكا، وصهره اليهودي جاريد كوشنير، ووزير خارجيته ريكس تيلرسون، أمام حائط البراق (حائط المبكى) في القدس، في إشارة رمزية إلى يهودية القدس. وهنا نجد أن القمة الإسلامية الأمريكية التي أنهت أعمالها الأحد الماضي، كانت بوابة علنية لبدء المشروع "العلني" للتطبيع مع العدو الإسرائيلي من دون مواربة أو تسويف، وهو الأمر الذي لفتت إليه زيارة ترامب أمس للأراضي المحتلة، حيث قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أمس، إنه يتطلع إلى اليوم الذي يزور فيه العاصمة السعودية الرياض بدون عوائق. الرئيس الأمريكي ألقى بدوره كلمة قصيرة، أمس الإثنين، أكد فيها عمق الروابط بين بلاده وإسرائيل، ودعا إلى تحقيق سلام شامل في المنطقة، وقال إنه التقى مع الملك سلمان وقادة الدول في العالمين العربي والإسلامي، وتوصلوا إلى اتفاق تاريخي. الاتفاق التاريخي قد يتمحور الاهتمام الإسرائيلي به حول نقطتين هما العداء لإيران، ووصف حركات المقاومة بالإرهاب، وهو الأمر الذي يخدم السياسات الإسرائيلية، فالجمهورية الإسلامية داعم قوي لحماس وحزب الله، وسكوت العرب على وصف ترامب لحركات المقاومة العربية بالإرهابية أمر لم تكن تحلم به تل أبيب في صراعها الدموي مع العرب، والذي تشهد عليه الذكرى 69 للنكبة العربية التي تزامنت مع القمة الإسلامية الأمريكية التي شكلت إضافة جديدة لمسلسل النكبات العربية مع العدو الإسرائيلي، خاصة أنها تنعقد على آهات الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الأكل والشرب، في الوقت الذي ينعم فيه داعم إسرائيل "ترامب" بأموال وموائد العرب. إسرائيل وقمة الرياض تلقفت إسرائيل وبترحيب كبير ما تمخضت عنه زيارة ترامب إلى السعودية وخطابه أمام الزعماء العرب في ظل الحديث في تل أبيب عن تطابق المصالح بينها وبين دول عربية فيما يخص وضع أسس عملية لمبادرة إقليمية تجمع إسرائيل ودولا عربية، وتشكيل جبهة موحدة ضد إيران. رئيس المعسكر الصهيوني، اسحاق هرتسوغ، قال "ترامب وضع الأساس لمسار إقليمي متسارع. توجد اليوم بنية تحتية أمنية ومصالح إقليمية مشتركة من أجل إنشاء تحالف المعتدلين". وزير السياحة الصهيوني ياريف ليفين، كان أكثر وضوحًا من هرتسوغ عندما أكد أن ما يجمع إسرائيل مع السعودية أكثر مما يفرقهما بكثير، وأضاف أن التحدي الأكبر هو ترجمة ذلك ليس فقط إلى تعاون وثيق تحت الطاولة، وإنما إلى ما هو أكثر أهمية وفوق الطاولة. وزير الاستخبارات الصهيونية يسرائيل كاتز، رأى أن زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط ستعزز المعسكر المعادي لإيران في المنطقة، كما دعا إلى إنشاء تحالف إقليمي بقيادة أمريكية لصد إيران ودفعها إلى التراجع. مصدر إسرائيلي رفيع المستوى قال لصحيفة يديعوت أحرونت العبرية، إن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من زيارة ترامب للرياض وخطابه فيها، فهو خلق جبهة ضد إيران، وعقد صفقات عسكرية ب110 مليارات دولار لتسليح الرياض ستدفع بشكل فوري، وأضاف المصدر "على إسرائيل أن لا تقلق من صفقة السلاح مع السعودية، إنه سلاح ضد إيران لا ضدنا". وعن القلق الإسرائيلي حول صفقة الأسلحة الأمريكية السعودية يرى مراقبون أن صمت الحكومة الإسرائيلية إزاء الصفقة العسكرية الأكبر نابع من سبب أساسي هو المصالح المشتركة للسعودية مع الكيان الصهيوني ضد إيران، حيث قال رئيس شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي سابقًا، غيورا أيلند، إن الصفقة لن تؤثر على إسرائيل على المدى القصير، لسبب بسيط لأن النظام في السعودية لا أهداف عدائية له ضد إسرائيل، من الواضح أنه بحاجة إلى هذا السلاح ضد العدو الأساسي إيران، ولذلك على نحو إجمالي ربما هذا يخدمنا، لأنه مشاركة في الجبهة العملية ضد إيران". في خطابه في الرياض، قدم ترامب لإسرائيل هدايا مهمة منها ضم حماس وحزب الله إلى محور الشر وهو الأمر الذي سيخدم إسرائيل في أي حرب مرتقبة مع حماس في قطاع غزة، كما قدم ترامب لإسرائيل هدية أكبر وهي بلورة تحالف عربي ضد إيران، فالمعركة التي أطلقها ترامب ضد إيران تعد في نظر محللين صهاينة بشرى جيدة. ويرى مراقبون أن القمة الإسلامية الأمريكية أدخلت الوضع العربي في مرحلة خطيرة عن طريق تغييب الوعي العربي عبر المزيد من المتاهات التي تعتمد على قلب الحقائق والمفاهيم وتشويهها، حيث تم تحويل العدو الرئيسي للشعب الفلسطيني والعربي وهو الكيان الصهيوني إلى صديق، وتحويل إيران ببعدها الإسلامي على الأقل وكداعمة لحركات المقاومة الفلسطينية إلى عدو.