محاولات حثيثة تبذلها الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، لحشد التأييد السياسي والعسكري ضد كوريا الشمالية، حيث بات ملف بيونج يانج القضية الشاغلة للرئيس الأمريكي في المحافل الدولية واللقاءات السياسية، حتى إنه بدأ يتخذ مسارًا تحريضيًّا لتوريط روسيا في نزاع سياسي أو عسكري مع كوريا الشمالية، أو على الأقل لجذب موسكو لصف أمريكا في تشديد العقوبات على بيونج يانج. على عكس الطموحات الأمريكية، أظهر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لهجة ودية في الحديث عن كوريا الشمالية، ففي الوقت الذي أكد فيه أن التجارب النووية والصاروخية في كوريا الشمالية مرفوضة، دعا إلى التحدث مع بيونج يانج بطريقة التفاوض والكف عن تهديدها وتخويفها والبحث عن سبل سلمية لتسوية القضية، وأكد بوتين أن آخر تجربة صاروخية كورية شمالية، والتي أطلقت فيها بوينج يانج صاروخًا باليستيًّا عابرًا للقارات، لم تشكل خطرًا على الأراضي الروسية، وتابع أن وزير الدفاع سيرغي شويغو أبلغه فورًا بما حصل. وربط بوتين التجارب الصاروخية الكورية بسباق التسليح العالمي والأحداث الأخيرة في العالم، في إشارة إلى تحميل أمريكا مسؤولية الأمر، حيث قال الرئيس الروسي: ندرك أن ما شهدناه في العالم مؤخرًا، وتحديدًا الانتهاكات الفظة للقانون الدولي، والتوغل في أراضي دول أخرى، وتغيير الأنظمة الدولية، قد دفع بيونج يانج إلى سباق التسلح هذا، وشدد على ضرورة حل هذه القضية عن طريق تعزيز منظومة الضمانات الدولية اعتمادًا على القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة، وذكّر الرئيس الروسي بأنه سبق أن كانت هناك تجربة إيجابية للحوار مع بيونج يانج، واعتبر أن سبب تعثر المفاوضات السداسية آنذاك هو قلة الصبر. رأى بعض المراقبين في تصريحات الرئيس الروسي ردًّا على محاولات أمريكا توريط موسكو في نزاع سياسي مع كوريا الشمالية، حيث قال البيت الأبيض قبل أيام، إن إطلاق بيونج يانج صاروخًا جديدًا قرب روسيا «لا يمكن أن يسعد موسكو»، وأضاف بيان للبيت الأبيض: «تم إبلاغ الرئيس ترامب بشأن عملية الإطلاق الصاروخية الأخيرة لكوريا الشمالية؛ ونظرًا لأن الإطلاق كان قريبًا جدًّا من الأراضي الروسية، وأقرب إلى روسيا من اليابان، الرئيس لا يمكن أن يتصور أن روسيا راضية عن عملية الإطلاق هذه»، وتابع البيت الأبيض أن كوريا الشمالية تمثل بالفعل تهديدًا واضحًا منذ فترة طويلة جدًّا، ليكن هذا الاستفزاز الأخير نداءً لجميع الدول لفرض عقوبات أكثر صرامة ضد كوريا الشمالية. ودعت الولاياتالمتحدةروسياوالصين، أمس الاثنين، إلى بذل أقصى الممكن للتأثير على كوريا الشمالية مع العقوبات، مؤكدة أن سلوك بيونج يانج يهدد الحلفاء وكذلك الصين والاتحاد الروسي، وقال المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، شون سبايسر: ليس هناك شك في أن كوريا الشمالية مازالت تهدد الولاياتالمتحدة وحليفتينا اليابانوكوريا الجنوبية، وجيرانها بمن فيهم الصينوروسيا، وأضاف سبايسر: نحن نحث الجميع في المنطقة، خاصة الصينوروسيا، على فعل كل ما هو ممكن، فيما يخص العقوبات؛ للمساعدة بذلك في تسوية الوضع في شبه الجزيرة الكورية وعودة الاستقرار لها. يبدو أن الرد الروسي جاء ليعطي رسالة سياسية لأمريكا بأن موسكو لن تنجر إلى نزاع سياسي أو عسكري مع بيونج يانج، كما أن روسيا لن تنتهج الطريقة الأمريكية في التعامل مع الملف الكوري الشمالي، حيث تميل موسكو إلى أسلوب المفاوضات والمحادثات السياسية فيما تميل واشنطن إلى التهديدات والخطوات العسكرية. النهج الروسي قريب بدرجة كبيرة إلى نظيره الصيني والكوري الجنوبي، خاصة بعد انتخاب الرئيس الكوري الجنوبي الجديد مون تشي إن، حيث أعلن السفير الروسي في كوريا الجنوبية، الكسندر تيمونين، أن موسكو تتوقع قفزة في تسوية برنامج كوريا الشمالية النووية مع انتخاب مون، خاصة أنه عبّر مرارًا خلال تصريحاته عن أنه يخطط لتطبيع العلاقات مع كوريا الشمالية، الأمر الذي يحبط الآمال الأمريكية في حشد القوى الدولية الكبرى أمثال اليابانوروسياوكوريا الجنوبيةوالصين؛ للدخول في مواجهة مع كوريا الشمالية. على جانب آخر، فإن العلاقات الروسية الكورية الشمالية تتميز بالودية على عكس علاقات الأخيرة مع أمريكا، حيث تلعب موسكو في قضية كوريا الشمالية دور الوسيط الودود، أو المنحاز بدرجة ما إلى كوريا الشمالية، لكنه انحياز لا يرقى إلى تحالف عسكري، ويمكن الاستدلال على ذلك بالعديد من المؤشرات، ففي الوقت الذي كانت فيه واشنطن تصعّد لهجتها في وجه بيونج يانج الشهر الماضي، دخلت موسكو على خط الوساطة بينهما لتهدئة التوترات وتجنب نشوب نزاعات، حيث أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، حينها استعداد بلاده للوساطة بينهما، وقال، إن موسكو تأمل ألَّا تقوم واشنطن بخطوات أحادية الجانب حيال كوريا الشمالية كما فعلت في سوريا، وأكد الوزير حينها أن تصريحات نائب الرئيس الأمريكي، مايكل بنس، التي هدد فيها ب«انتهاء مرحلة الصبر الاستراتيجي الأمريكي» بالطبع طريق خطر جدًّا. في الإطار ذاته، فإن موسكو عرقلت في 20 أبريل الماضي، تبني بيان في مجلس الأمن الدولي يدين التجربة الصاروخية الكورية الشمالية، رغم دعم الصين حليفة بيونج يانج للنص، وقال دبلوماسيين حينها، إن روسيا كانت ترغب في إضافة عناصر من بيان سابق، يؤكد على ضرورة التوصل إلى حل عبر الحوار، الأمر الذي أظهر دعمًا سياسيًّا روسيًّا لبيونج يانج، ومظلة سياسية لها في المنظمة الدولية. في المقابل، نجد أن مواقف كوريا الشمالية متطابقة إلى حد كبير مع روسيا، ففيما يخص الأزمة السورية، فإن بيونج يانج تدعم الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي يتلقى دعمًا كبيرًا من موسكو أيضًا، كما سبق أن أدانت كوريا الشمالية بشكل كبير الضربات الأمريكية التي استهدفت مطار الشعيرات السوري في مطلع أبريل الماضي، وهو نفس الموقف الذي اتخذته روسيا حينها.