نداء عاجل، أتوجه به مخلصا إلى السيد رئيس الجمهورية، إنقاذا لبلادنا من خطر داهم، واضطراب عظيم.. فإن القرار القاضي بمنح كل فرد من أفراد الشعب 14 جنيها على بطاقة التموين خلال شهر رمضان، له تداعياته الكارثية، وآثاره الخطيرة على سلوك الشعب، وعاداته الشرائية، وتنافسه على المظاهر، وتخليه عن العمل الجاد المتواصل، وصولا إلى حالة الكسل والبطر والكبر والاعتياد على الراحة والرفاهية. إن بلادنا تمر بمنعطف خطير، ومنح كل فرد 14 جنيها سينعكس على النسيج الاجتماعي، وسيدخل المواطنين في سعار شرائي، وتسابق محموم على الاستهلاك، واقتناء سلع غير ضرورية.. وقد يتطور الأمر إلى انحرافات سلوكية، وجرائم تهدد سلامة المجتمع.. إننا نحيا بين الناس، ونشعر بنبض الشارع، وقد سمعت بعض الموظفين يخططون لشراء 10 بيضات دفعة واحدة، لتناولها متفرقة في وجبات السحور خلال الشهر الكريم.. ومع المخاطر السلوكية والجنائية، لا يمكن أن ننسى المخاطر الصحية، فالغالبية الساحقة من المواطنين لم تذق طعم البيض منذ قرار تعويم الجنيه، وكسر هذه الحالة يحتاج إلى تدريج حتى لا تتعرض المعدة لمتاعب كبيرة. سيدي الرئيس، دعك من قصار النظر، فالأمر جد خطير، وإن أسرة مكونة من 5 أفراد، سيتلقى كل واحد منهم 14 جنيها، مما يعني أنهم سيجمعون 70 جنيها، وهو رقم قد ييسر لبعض الأسر شراء نصف كيلو من اللحم البلدي الكندوز، مما يؤدي إلى أن تعرف قطاعات واسعة من الشعب طعم اللحمة والشوربة، وهو ما سيؤدي حتما، وربما بعد انقضاء رمضان إلى رفع تطلعات ملايين الأسر، واشتهائهم للحوم الحمراء، ومطالبة الدولة بتوفيرها دوريا، أو اعتبارها حقا معتادا لا نقاش فيه، ولا يخفى على سيادتكم تداعيات ومخاطر هذه السلوكيات المنحرفة، وما تفضي إليه من بطر وتكبر، وسخط دائم، وعدم شكر نعمة الله التي نحيا فيها بفضل سياساتكم الرشيدة.. ولو أن المواطن يتعلم من حكمتكم، لأخذ ال 14 جنيها، ووضعها في البنك الأهلي، وستعود عليه بعد عام ب 280 قرشا، يمكن أن تكون زيادة مؤثرة في الدخل تقترب من 15 قرشا شهريا، إذا خلصت النوايا، وسادت قيم المواطنة.. وإن كل عاقل يعلم أن الزيادة الدائمة وإن قلت، أفضل من زيادة طارئة منقطعة. لقد حكى لي صديق يسكن في منطقة شعبية، أن أسرتين متجاورتين نظمتا اجتماعا سريا لأفرادهما، واتفق الحضور على الاشتراك في شراء لفة قمر الدين، وتقسيمها بين الأسرتين.. لست متأكدا من الواقعة، لكنها إن صحت تشير إلى تطور كبير وخطير في طرائق تفكير الطبقات المتوسطة، وتنبئ أن أفراد هذه الطبقة لم يعودوا يعيرون ظروف البلد الاقتصادية أي اهتمام، وأنهم قرروا الاستمتاع بحياتهم، وغض الطرف عن نداءات الحكومة المتكررة بالتقشف وضبط الإنفاق، والاكتفاء بالضروريات.. إنني أكتب إليك يا سيادة الرئيس، وأنا أتمنى ألا تكون هذه الواقعة صحيحة، وأسأل الله أن يلطف بمصر وشعبها. سيادة الرئيس، إن شعور المواطن بأن الفلوس جريت في إيده، شعور ضار مضر، تنعكس آثاره على مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فستقل ساعات العمل، ويكثر الازدحام أمام المحال التجارية، وبالتالي تزيد المشاجرات، فيزيد الضغط على قوى الأمن وأقسام الشرطة، كما ترتفع نسب إشغال المستشفيات، واستهلاك الأدوية والأدوات الطبية.. ولا ريب أن الاحتياج إلى الشراء سيدفع كثيرين إلى الخروج من المنزل، فيزيد الطلب على المواصلات من مترو وتاكسي وميكروباص وتوكتوك، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار النقل والمواصلات، ووقتها سينسى المواطن أنه السبب في هذه الزيادة، وسيتهم الحكومة بالمسؤولية عن ارتفاع السعر، فيزيد السخط العام وترتفع الأصوات بالنقد اللاذع والاتهام بالفشل. ونفسيا، تؤدي هذه الزيادة إلى تفاعل سلبي، إذ سيصاب الحاصلون عليها بالكبر والاستعلاء تجاه من لم ينل مثلها، وسينظر أصحاب البطاقات التموينية نظرة دونية إلى من لا يمتلك بطاقة، وبسبب المعايرة، ستهدم أسر، ويكثر الطلاق، وتفسخ خطوبات، وتنفض شراكات، وستتعمق الفوارق الطبقية، وتزيد الفجوة الاجتماعية، ويعيش المجتمع مفككا بعد أن فقد المودة والتآلف والسكينة والسلام النفسي، وكل هذا مآله إلى خراب ودمار، وصدق الله تعالى إذ يقول: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا".. نسأل الله السلامة. سيادة الرئيس، نحن نعلم جيدا إنك "حلو" بس اللي حواليك هما اللي "وحشين"، لذا نأمل منكم في تدخل سريع، لإلغاء هذه الزيادة الكبيرة والخطيرة والمضرة، وأن تعود الأوضاع في البلاد إلى ما قبل قرار زيادة ال 14 جنيها، فقد بدأت مظاهر الفساد بمجرد الإعلان عن القرار، وقبل أن يحصل المواطن على الزيادة، فكيف إذا وصلته السلع المدعومة، ووفرت له مبلغ 14 جنيها دفعة واحدة. وإننا نرجو ألا يلتفت الرئيس إلى بطانة السوء، وألا يستمع إلى أصواتهم المنادية بهذه الزيادة، فهؤلاء الوزراء ليسوا منا ولسنا منهم، ولم يعرفوا يوما معنى الاغتناء الفوري بعد الفقر والحاجة، وما يحدثه من انقلاب مجتمعي، وتبدل بين الطبقات، وتحول في العادات والأخلاق.. وكلها مخاطر تستلزم تدخلا رئاسيا سريعا.. سيادة الرئيس.. أصدر فورا قرار بإلغاء ال 14 جنيه.. فمصر فوق الجميع.