أعلن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، أمس الإثنين، أنه قرر العودة إلى السياسة و"تلطيخ يديه" من أجل التصدي لعملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأوضح، في مقابلة أجراها مع صحيفة "ديلي ميرور"، أنه لا ينوي الترشح لمنصب نيابي في الانتخابات التشريعية المقبلة في 8 يونيو، ولا السعي لاستعادة زعامة العماليين، وأضاف أن عمليه بريكست كانت دافعًا مباشرًا له من أجل الانخراط أكثر في السياسة، مضيفًا: "يجب تلطيخ أيدينا وهذا ما سأفعله". وتابع بلير: "أعرف أنني ما إن أظهر على الساحة حتى أتعرض لسيل من الانتقادات، لكن المسألة تهمني حقًا"، مضيفًا: لا أريد أن أجد نفسي في وضع كهذا.. أن أعيش هذه اللحظة من التاريخ من غير أن أتفوه بكلمة، لأن هذا سيعني أنّني لم أكترث لهذا البلد، وهذا غير صحيح"، وأكد بلير: "لست واثقًا من أن بوسعي إطلاق حركة سياسية، لكني أعتقد أن ثمة مجموعة من الأفكار سوف يؤيدها الكثيرون"، ورغم ذلك حرص بلير على تأكيد أنه لا يعتزم مخالفة قرار البريطانيين الذين أيدوا الخروج من الاتحاد الأوروبي. وأبدى بلير، مخاوفه من عملية "بريكست متشددة" تأتي بعواقب وخيمة على البريطانيين، وقال: ثمة قسم من الحزب المحافظ بزعامة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، مصمم على تحقيق بريكست مهما كان الثمن"، وحذر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق من أن الخروج من السوق الأوروبية الموحدة والسعي إلى عقد اتفاق تبادل حر، مثلما تعتزم تيريزا ماي، القيام به "سيكون بمثابة تخفيض موقعنا من المرتبة الأولى إلى مرتبة ثانوية". بلير، معروف برفضه لفكرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد سبق أن شارك في حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي قبل الاستفتاء الذي جرى في يونيو الماضي، وحث البريطانيين المؤيدين للبقاء في الاتحاد على التحرك لإقناع الناخبين الذين صوتوا لصالح الخروج بتغيير آرائهم. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يشن فيها بلير هجومًا لاذعًا على رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، فقد سبق أن اتهمها بمحاولة إخفاء عواقب الخروج من الاتحاد الأوروبي عن البريطانيين، وقال في حديث سابق لمجلة "دير شبيغل" الألمانية: السيدة ماي بادرت إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، لأنها تسعى لتوسيع سلطاتها قبل أن يفهم المواطنون ماذا سيكلفهم الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ورأى بلير أن هذه الخطوة ستدمر السوق الداخلية إذ ستختفي مئات الآلاف من فرص العمل، ما سيلحق ضررًا كبيرًا بالاقتصاد الوطني. وشن بلير، هجومًا لاذعًا أيضًا على سياسة الحكومة البريطانية، معتبرًا أنها سلمت مسؤولية عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي لمؤيدي خروج صعب من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يصطلح عليه ب"هارد بريكست"، وقال إن هؤلاء لا يريدون فقط خروجًا صعبًا وإنما خروجًا بأي ثمن، ووصف سياسة حكومة تيريزا ماي بشأن البريكست بأنها عبارة عن "خليط من التناقضات". بالتزامن مع إعلانه العودة إلى الحياة السياسية، خرج بلير بتصريحات أشبه باعتراف جديد بخطأ بريطانيا والقوى الغربية في مواقفها حول سوريا، حيث وصف رئيس وزراء بريطانيا السابق، في مقابلة أجرتها مجلة "جي كيو"، ما جرى في سوريا بأنه "لطخة بشعة" في السياسة الخارجية الغربية، وأضاف "عندما بدأ الربيع العربي كان ما قلته لأشخاص معنيين: كونوا أكثر حذرًا لأنكم مررتم بوضع مشابه في العراق وأفغانستان.. أنهيتم الديكتاتورية ولكن بدأت المشاكل لاحقًا، لذا إذا تمكنتم من تطوير انتقال للسلطة، افعلوه، وتابع بلير: وجهة نظري بشأن سوريا وليبيا أنه كان من الأفضل الحصول على عملية انتقالية متفق عليها، مشيرا إلى اعتقاده أنه كان يمكن أن يكون الأسد والقذافي منفتحين لعقد صفقة للتنحي عن السلطة، وأضاف أن المشكلة في سوريا هي الإصرار على رحيل الأسد. على الرغم من استقاله بلير من رئاسة حزب العمال البريطاني بعد خسارته الانتخابات في عام 2007، فإن اسمه لم يغب كثيرًا عن الساحة السياسية، حيث عمل مبعوثًا للجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط لمدة 8 سنوات، قبل أن يتقدم باستقالته في عام 2015، وفي يوليو الماضي خرج بلير ليثير ضجة بتصريحاته التي اعترف خلالها بارتكاب بريطانيا خطأ بمشاركتها في غزو العراق، وقال إنه سيتحمل مسؤولية الأخطاء التي ارتكبت أثناء اشتراك بريطانيا في غزو العراق في عام 2003، وأضاف: سواء اتفق الناس أو اختلفوا مع قراري بالتحرك العسكري ضد صدام حسين، فقد اتخذته بنية خالصة وبما اعتقدت أنه في صالح البلاد. ومع تولي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مهام منصبه في يناير الماضي، برز اسم بلير مجددًا، حيث تواردت أنباء عن استعانة ترامب به للعمل كمبعوث الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط، وهو ما نفاه لاحقًا المكتب السياسي لبلير، الذي قال إنه لم تجر أية مناقشات حول تولي أي منصب لدى الرئيس الأمريكي الجديد، فقد عمل على قضية السلام لمدة 10 سنوات، وهو مستمر في ذلك الدور وسيستمر فيه بأي طريقة ولأي فترة. عودة بلير إلى الحياة السياسية في هذا التوقيت الذي تتوتر فيه الأجواء السياسية بسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي، وإعلان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن انتخابات تشريعية مبكرة، رأى فيه العديد من المراقبين سببًا ليس فقط للتصدي لعملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، بل رجح البعض أن تكون هذه العودة محاولة من بلير لاستغلال الأوضاع وتبييض ورقته المُلطخة بدماء الشعب العراقي وتحسين صورته السياسية، وإظهار نفسه كرجل سياسه حريص على مستقبل بلاده.