انتهى النداء الأخير للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وانتهت حملته الشرسة والمُلحة على الناخبين الأتراك للتصويت ب"نعم" على الاستفتاء الذي من المقرر أن يغير مستقبل تركيا كليًا، ليس فقط على الصعيد السياسي الداخلي، لكنه سيؤثر على السياسة الخارجية للنظام التركي. استفتاء مصيري فتحت مراكز الاقتراع التركية أبوابها أمام الناخبين الأتراك، اليوم الأحد، لتحديد مصير بلادهم، من خلال استفتاء تاريخي من المقرر أن يعود بالدولة التركية إلى أيام السلاطين ونظام الحكم العثماني، وذلك في حال التصويت ب"نعم"، أو يدخلها في معركة سياسية شرسة بين أردوغان وخصومه في حال التصويت ب"لا"، حيث من المفترض أن يصوت حوالى 55.3 مليون ناخب بين الساعة الرابعة والساعة 13.00 بتوقيت جرينتش في شرق تركيا، فيما سيكون من الساعة 5.00 إلى الساعة 14.00 في بقية انحاء البلاد. النداء الأخير انتهى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من ندائه الأخير للناخبين الأتراك أمس السبت، حيث عبر عن ثقته في تحقيق انتصار في الاستفتاء، وقال أردوغان، أمام مسيرة في إسطنبول في اليوم الأخير من حملته: "أعتقد أن ما سيحدث، بإذن الله، أن تمتلئ صناديق الاقتراع بالتصويت ب "نعم"، ستحتفل هذه الدولة بعيدها الخاص مساء غد"، ودعا أردوغان أنصاره إلى التصويت، قائلًا إنه "شرف"، مكررًا أن الجماعات الإرهابية فقط تدعم حملة "لا". محاولات مستميتة هذه التعديلات الدستورية التي تعتبر حاسمة ليس فقط لمستقبل تركيا السياسي ولكن لمصير الرئيس التركي أيضًا، سعى الأخير بكل ما يملك نحو تمريرها وحشد التأييد الداخلي والخارجي لها، حيث نظم حملات تأييد للاستفتاء في الداخل التركي وحتى في الدول الأوروبية التي تؤوي جاليات تركية، وهي الحملات التي أثارت العديد من الخلافات بين أنقرة ودول القارة العجوز وعلى رأسها ألمانيا وهولندا، حيث اتهم "أردوغان" الدولتين ب"الفاشية والنازية" بسبب إلغاء سلطاتهما للتجمعات السياسية المؤيدة للاستفتاء الدستوري التركي. في الوقت نفسه لم يتوانَ الرئيس التركي عن إشهار سلاح الإرهاب والأمن القومي والمؤامرات والتحديات الأمنية والاقتصادية في وجه الناخبين الأتراك، حيث كثيرًا ما استخدم مصطلحات "تهديد الأمن القومي" و"المؤامرات الخارجية على تركيا" للإيحاء بأن قوى الشر في العالم تخطط لأعمال سوف تخل بالأمن القومي التركي وتُعرض البلاد لأزمات وكوارث وحوادث إرهابية، ليكون الإدلاء ب"نعم" في الاستفتاء الدستوري هو المُنقذ الوحيد من هذا المستقبل الغامض الذي يتنظر أنقرة. استطلاعات الرأي تبدو نتائج الاستفتاء محسومة بالنسبة للبعض، حيث رجح الكثير من المراقبين إقرار التعديلات الدستورية نتيجة خروج الاستفتاء بنتيجة "نعم"، حيث يتخوف العديد من الناخبين الأتراك من التهديدات الأمنية والاقتصادية على بلادهم، وهي السلاح الذي نجح أردوغان في استخدامه لإقناع الناخب التركي، وبالنظر إلى الأحزاب المؤيدة والمعارضة للتعديلات نصل إلى نتيجة "نعم" للتعديلات، حيث يؤيد التعديلات الدستورية حزب العدالة والتنمية الذي اقترحها من الأساس، وينتمي إليه "أردوغان"، ويمتلك هذا الحزب أكثرية في البرلمان، بنسبة 49.48% بعدد أعضاء يبلغ 317 عضوًا، كما سيؤيده حزب الحركة القومية الذي يمتلك نسبة برلمانية تبلغ 11.9% بعدد مقاعد يبلغ 59، فيما سيعارضه حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي يمتلك 134 نائبًا بالبرلمان، بالإضافة إلى حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، والذي حصل على 40 مقعدًا. من ناحية أخرى أظهرت استطلاعات الرأي تقدمًا للمؤيدين للتعديلات، حتى ولو بنسبة طفيفة عن المعارضين له، حيث أوضح استطلاع رأي أجرته مؤسسة "أنار" أن نسبة المؤيدين للتعديلات 52%، فيما جاءت نسبة الرافضين 50%، بالإضافة إلى 8% لم يحسموا موقفهم بعد، وأجرت مؤسسة "جزيجي" استطلاعًا آخر، وبلغت نسبة التأييد 53.3% فيما بلغت نسبة الرفض 46.7%. ما هي التعديلات؟ تتعلق التعديلات الدستورية التي يستفتي عليها النظام التركي شعبه اليوم الأحد، ببعض البنود المصيرية والتاريخية في الدستور التركي، ويصب معظمها في خانة تعزيز السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية وسحب الصلاحيات من البرلمان ورئيس الوزراء؛ لمنحها إلى الرئيس، الأمر الذي يعني جنوح البلاد تجاه حكم ديكتاتوري استبدادي يكون فيه الصوت المسموع والمعمول به في الدولة التركية فقط ل"أردوغان"، الذي لن يحتاج إلى وكلاء لتنفيذ قراراته. وفيما يلي توضيح للبنود المقرر تعديلها: أردوغان رئيسًا حتى 2029:ينص التعديل الدستوري على تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة بشكل متزامن في الثالث من نوفمبر عام 2019، وحينها سيتم انتخاب الرئيس لولاية من خمس سنوات يمكن تجديدها مرة واحدة، ولن يكون مرغمًا على قطع علاقاته السياسية مع حزبه. هذا البند من شأنه أن يعزز بقاء "أردوغان" على كرسي السلطة لمدة 12 عام جديدة مقبلة، حيث انتخب أردوغان رئيسًا لتركيا في أغسطس عام 2014، وسيبقى رئيسًا في البلاد حتى الانتخابات المقررة في 2019، وفي حال فوزه لولاية رئاسية جديدة وبدء تطبيق المادة المتعلقة بالعدد الأقصى للولايات الرئاسية، فإن أردوغان قد يبقى في السلطة حتى عام 2029. تعزيز صلاحيات الرئيس:تقضي التعديلات بمنح سلطات تنفيذية معززة ل"إردوغان"، حيث ستمكنه هذه السلطات من تعيين وإقالة الوزراء وكبار الموظفين الحكوميين، كما سيلغى منصب رئيس الوزراء الذي يتولاه حاليًّا بن علي يلديريم، ليعين رئيس الدولة نائبًا أو أكثر له عوضًا عن رئيس الوزراء، كما ستسمح التعديلات للرئيس بالتدخل مباشرة في عمل القضاء، وسيختار بشكل مباشر أو غير مباشر ستة قضاة من بين 13 في أعلى هيئة قضائية للدولة، كما تضم الهيئة أيضًا وزير العدل ونائبه المعينين من الرئيس، فيما يعين البرلمان سبعة أعضاء، كذلك تنص التعديلات على إلغاء المحاكم العسكرية التي سبق أن أدانت ضباطًا، وحكمت على رئيس الوزراء السابق، عدنان مينديريس، بالإعدام إثر انقلاب عام 1960. بهذا البند يكون الرئيس "أردوغان" قد لملم كافة خيوط الدولة التركية ومؤسساتها في يده، حيث أصبح رئيسًا للجمهورية وللوزراء وله كلمة نافذة في القضاء الذي من المفترض أن يكون نزيهًا وبعيدًا عن أي اعتبارات سياسية أو حزبية، كما أنه أمّن نفسه من أي محاكمات عسكرية نتيجة أي انقلاب قادم، وهو البند الذي يشير إلى تخوف أرودغان من تنفيذ المعارضين لحكمه انقلابًا جديدًا على غرار سابقة الذي فشل في منتصف يوليو الماضي. البرلمان:من المقرر أن ترفع التعديلات عدد النواب من 550 إلى 600، وسيتم خفض الحد الأدنى لسنهم من 25 إلى 18 سنة، كما سيتم تنظيم انتخابات تشريعية مرة كل خمس سنوات بدلًا من أربع، لتتزامن مع الاستحقاق الرئاسي، وسيحتفظ البرلمان بسلطة إقرار وتعديل وإلغاء القوانين والتشريعات، وستكون لدى البرلمان صلاحيات الإشراف على أعمال الرئيس، لكن الأخير سيحظى بسلطة إصدار المراسيم الرئاسية حول كل المسائل المتعلقة بسلطاته التنفيذية. حالة الطوارئ:تقضي التعديلات بفرض حالة الطوارئ حصرًا عند وقوع "انتفاضة ضد الوطن" أو "أعمال عنف تهدد بانقسام الأمة"، وسيكون قرار فرض حالة الطوارئ من عدمه في يد "أردوغان"، فيما سيعرضه على البرلمان الذي يحق له اختصار المدة أو تمديدها أو رفعها عندما يرى ذلك مناسبًا، كما ستحدد التعديلات المدة الأولية لحالة الطوارئ بستة أشهر، ويستطيع البرلمان لاحقًا تمديدها بطلب من الرئيس لأربعة أشهر كل مرة.