أسامة عبد المنعم.. خبير تنمية المشروعات الصحية ل«البديل»: لدينا قرى سياحية ومستشفيات وأماكن طبيعية للعلاج لكن تعمل كجزر منعزلة نحتاج إلى مؤسسة مستقلة بالسياحة العلاجية.. وحصول المستشفيات على شهادات دولية علاقة مصر بالسياحة العلاجية تعود منذ الستينيات.. ونحتاج إلى عشر سنوات لاستعادتها نجحت الأردن في تحقيق أرباح سنوية من السياحة العلاجية تقدر ب3 مليارات دولار سنويًّا، وهو يعكس التفكير خارج الصندوق في بحث الدولة عن مصادر جديدة للدخل، ربما تصبح تجربة تحتذي بها مصر خلال الفترة المقبلة، بعد أن عقدت الدولة مؤتمرًا للنهوض وتنمية السياحة العلاجية بشرم الشيخ، وهو ما أكده الدكتور أسامة عبد المنعم، خبير تنمية المشروعات الصحية في حواره ل«البديل» أن السياحة العلاجية مربحة جدًّا ومصر تمتلك مقوماتها الأساسية من مستشفيات وأماكن طبيعية قادرة على أن تصبح مصدرًا مهمًّا للدخل القومي. ما هي مقومات السياحة العلاجية في مصر في ضوء اهتمام الدولة مؤخرًا بها كأحد مصادر التنمية السياحية؟ علاقة مصر بالسياحة العلاجية ليست حديثة العهد، بل تعود إلى الستينيات، كأن يقصد أشقاؤنا من جميع الدول العربية زيارة مصر لإجراء جراحات طبية أو تلقي العلاج عند زيارة أطباء مشهورين، أي أن أحد المقومات الرئيسة لمصر في هذه السياحة هو البشر أي الأطباء المتخصصين والعاملين بالمجال الصحي، بالإضافة إلى المستشفيات، لكن تراجع مستوى الخدمة الطبية في المستشفيات حتى مطلع الألفية سحب البساط من مصر لجذب هذه الفئة المستهدفة من السياحة العلاجية، وبحثت آنذاك عن دول أخرى متقدمة حدثت بها طفرة طبية لتلقي العلاج. وهل المستشفيات الآن أصبحت أفضل حالًا؟ بعد الألفية الأولى وفترة وزير الصحة الدكتور إسماعيل سلام تطورت المستشفيات مثل معهد ناصر ومستشفى شرم الشيخ والأقصر الدولي والمراكز الطبية المتخصصة ومراكز طب الأسرة وغيرها، وأصبح هناك تجهيز متطور للمستشفيات مع الاستعانة بأستاذة الجامعة للاستفادة بخبراتهم، وعاد دور مصر من جديد في مجال السياحة العلاجية، لكن بشكل محدود، وأصبح العميل أو المريض يأتي من الخليج من أجل الطبيب وليس المستشفى. وما هي أكثر البلدان التي يتوافد منها مرضى بقصد السياحة العلاجية الآن؟ اليمن وتشاد وإفريقيا ونيجيريا والصومال؛ لتراجع الخدمات الصحية في بلادهم، ويقصدون مصر لانخفاض تكاليف العلاج بها. وما هي أكثر الدول العربية نجاحًا في مجال السياحة العلاجية؟ الأردن تعتبر الرائدة في السياحة العلاجية، ويجب أن نتعلم منها باعتبارها نموذجًا ناجحًا طور من خبراته سريعًا، ويصل دخلها القومي من هذه السياحة إلى 3 مليارات دولار سنويًّا. ما هي المشكلات التي تواجه نجاح السياحة العلاجية بمصر؟ لدينا مشكلة في العمل بشكل جماعي، لدينا قرى سياحية ومستشفيات وأماكن طبيعية للعلاج، لكن نعمل كجزر منعزلة، نحتاج إلى مؤسسة غير حكومية مستقلة بالسياحة العلاجية في هيئة شركة مساهمة كبيرة تشارك فيها الحكومة بمستشفياتها والقطاع الخاص بخبرته في السياحة والنقل، وتتكون هذه الهيئة من إدارات تختص كل منها بعملية استقبال المريض من الطائرة إلى المستشفى حتى يتلقى الخدمة الطبية المرجوة، أو تنظيم برامج للسائح إلى الأماكن الطبيعية للاستشفاء، بالإضافة إلى أهمية التسويق لبرامج السياحة العلاجية التي تتميز بها مصر في الخارج، وهذا التسويق أحد أهم مقوماته هو أن المستشفيات المصرية تكون حاصلة على شهادات دولية معترف بها، تؤكد جودة الخدمة الطبية التي تقدمها، وبدون هذا الاعتراف الدولي لن يأتي سائح أو مريض من أوروبا أو أي دولة لتلقي العلاج في مصر. وما الذي تحتاجه القرى السياحية لتقديم خدمة السياحة العلاجية؟ نحتاج إلى عقد تفاهمات مع القرى السياحية لتخصيص أماكن بها لهذا النوع من السياحة، خاصة أن هذه القرى مفيدة في سياحة الاستشفاء مع مرضى التوحد والمسنين، ويجذب هذا القطاع مرضى وسياحًا من دول الخليج، بدلًا من تحملهم نفقات كبيرة لإرسال أبنائهم المرضى نفسيًّا أو كبار السن الذين يعانون من الزهايمر إلى أوروبا للعلاج، فلماذا لا تجذبهم مصر، وهذا يتوقف على التسويق والمكاتب الاستشارية القادرة على تنفيذ هذه البرامج. هل توجد بمصر شركات متخصصة في تنظيم برامج السياحة العلاجية؟ لا، وتوجد شركات تعمل بشكل فردي من خلال استقطاب عدد قليل من المرضى بعدة دول، حيث تتعاون الشركة مع مستشفي وحيدة فقط، لكن لا يوجد حتى الآن أن تتلقى شركات سياحة بمصر طلبات بقدوم وفد من أي دولة لتلقي خدمة طبية أو علاجية بمصر. أين دور هيئة تنشيط السياحة والوزارة؟ للأسف يقف الروتين والبيروقراطية عائقًا في تنفيذ هذه الأفكار الجديدة، ولا أتفاءل أن تتولى الهيئة مشروع السياحة العلاجية؛ لأنها فشلت حتى الآن في تنشيط ما لديها من السياحة الأصلية! عليها أن تترك القطاع الخاص بأدواته المتطورة. هل نفهم أن السياحة العلاجية لم تعد قاصرة على المياه الكبريتية والرمال الساخنة، بل أصبحت تضم المستشفيات؟ بالضبط هناك أنواع عدة منها السياحة بقصد الشفاء من أمراض معينة مثل جراحة قلب أو دواء فيروس سي، وسياحة الاستشفاء مثل ذهاب السياح إلى المناطق الطبيعية للعلاج بالمياه الكبريتية مثلًا، وهناك سياحة الاسترخاء لكنها غير منتشر بمصر، ولكنها سياحة مهمة ولها برامج، ومنتشرة في رومانيا وإيطاليا، ويوجد نوع أخير مثل سياحة النقاهة، ويلجأ إليها المريض بعد العمليات الكبرى، ومصر مؤهلة لتقديم هذه الخدمات. ما الفرق بين السياحة العلاجية في مصر والخارج؟ بالخارج يمتلكون جهازًا تسويقيًّا قويًّا، وبرامج واضحة تروج للسياحة العلاجية في كل الدول، فمثلًا الأردن نجحت لأنها أسست مدينة طبية متكاملة بكل التخصصات تتلقى السائح من الطائرة حتى يعود إلى بلاده معافى، وتقدم الخدمة الطبية على أعلى مستوى، أيضًا إسرائيل تحتل مرتبة متقدمة بالمنطقة في مجال السياحة العلاجية، وتقدم خدمات طبية في تخصصات دقيقة. ما الذي يحتاجه السائح القادم إلى مصر للحصول على خدمة علاجية ناجحة؟ استقبال جيد وغياب الاستغلال والصفقات المسيئة للبلد، والتي يقوم بها البعض تجاه السياح، ويحتاج إلى جهاز مسؤول داخل المستشفى يفهم معنى السياحة العلاجية وخدماتها، حتى يقدم لهذا السائح كل ما يحتاجه بصورة سليمة حتى يعود إلى بلاده. وما أبرز المستشفيات التي تقدم خدمة السياحة العلاجية بنجاح؟ للأسف رقم محرج وقليل، هناك ثلاثة مستشفيات عسكرية فقط، هي المركز الطبي العالمي والمجمع الطبي بكوبري القبة ومستشفي المعادى العسكري، بينما المستشفيات الخاصة لا تزيد عن ثلاثة هي دار الفؤاد، وادي النيل، السعودي الألماني. ولكن وزير الصحة وضع عدة مستشفيات مثل معهد ناصر ودار السلام العام والإسماعيلية العام ورأس سدر العام على أجندة مستشفيات السياحة العلاجية.. إلى أي مدى مؤهلة لتقديم هذه الخدمة؟ البنية الأساسية في هذه المستشفيات جيدة، لكن تعاني من مشكلة الإدارة، وهي أبرز عائق يواجه نجاح السياحة العلاجية بها، لذا نحتاج إلى تدريب لفريق الأطباء والتمريض والعلاقات العامة حول كيفية استقبال سائح يتلقى خدمة طبية بطريقة محترفة وراقية. متى يمكن أن تصبح مصر نموذجًا لدولة ناجحة في السياحة العلاجية؟ نحتاج إلى وقت طويل، من أربع إلى عشر سنوات على الأقل لتصبح مصر من الدول الناجحة في مجال السياحة العلاجية،ومازلنا نحتاج إلى نظام واضح يسهل هذه السياحة، فمثلًا لا يمكن أن تنجح في ظل عراقيل تواجهها بعض الدول من دخول مصر ومشكلات في الفيزا، وهي معوقات تحتاج إلى حلها، مصر تمتلك أطباءً على أعلى مستوى في كل التخصصات، ولن ينجح مشروع السياحة العلاجية بدون دعم سياسي قومي من أعلى سلطة، وتوجه نحو بناء هذه الصناعة المربحة جدًّا لتصبح مصدرًا مهمًّا للدخل القومي.