على مدار سنوات طويلة احتلت الكتاتيب مكانة كبيرة في المجتمع، فقد تخرج منها أبرز النماذج الناجحة، من بينهم رفاعة الطهطاوي وطه حسين، وتعلموا فيها الخط واللغة العربية والقراءة والكتابة ومبادئ الحساب وحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية وأمور الدين وكيفية التعامل مع الآباء والأمهات وحسن معاملة الكبير واحترام الشيوخ والأطفال، فلم تقتصر فقط على حفظ القرآن. يعود تاريخ الكتاتيب إلى العصر الأموي، حين فكر المسلمون في إنشاء أماكن أساسية؛ لكي يتلقى فيها الأطفال العلم وحفظ القرآن، ولكن سبق وجودها في الحضارات السابقة وفقًا للنقوش على المعابد الفرعونية، وسميت ب "مدرسة المعبد"، ويحصل الدارس على شهادة بعد التخرج من مدرسة تسمى "كاتب تلقى المحبرة". وفي العصر المسيحي وقبل نزول القرآن، استمرت الكتاتيب، وكانت تقوم بتعليم الكتاب المقدس والمزامير، ومع دخول الإسلام انتشرت الكتاتيب الملحقة بالمساجد أو المنفصلة عنها، واهتم الحكام بالكتاتيب وتوفير كل السبل لها، فصلاح الدين الأيوبي كمثال أخذ على عاتقه إصلاحها على مدى عشرين عامًا قبيل انتصاراته التاريخية على الصليبيين وتحرير بيت المقدس، فيما التحق خريجو الكتاتيب بالمعاهد الأزهرية، وكانوا هم الوقود الذي بدأ به محمد علي باشا نهضته التعليمية في مصر الحديثة. وتعرض "البديل" عددًا من الصور التي ترصد عصر الكتاتيب. يظهر في الصورة الشكل الأوَّلي للكتاب والأثاث البسيط المكون من البوص والإبريق والحصيرة والمشربية، ونجد التلاميذ يجلسون في دائرة بمنتصف الحجرة حول الشيخ "سيدنا"، الذي يجلس على مقعد مرتفع قليلًا عن الأرض، ويسمى مصطبة، ويمسك في يده الخرزانة، وهي عصا من البوص، لترهيب التلاميذ لاتباع تعليمات سيدنا، كما تظهر الصورة وقوف أحد التلاميذ ممسكًا في يده اللوح الذي يكتب عليه، ويسمِّع ما أخذه أمام زملائه، ووقوف طالب آخر، يبدو أنه معاقب، حيث كان يتم معاقبة التلاميذ الذين لم يذاكروا إما بالمد على القدمين أو التذنيب. وهنا نجد عددًا أكبر من التلاميذ، يجلسون على الأرض في صفوف متتالية، وتظهر الصورة أن الكتاب في فناء واسع ملحق بالمسجد، واحتوت هذه الكتاتيب الكبيرة على عدد أكبر من التلاميذ على عكس الحجرات التي يتم تلقي التعليم بها في بيوت الشيوخ، كما تعكس الصورة جلوس التلاميذ من البنين والبنات، وسيدنا يمر من حولهم، ويشرح الدروس المقررة. توضح هذه الصورة جلوس ثلاثة تلاميذ في منتصف الدائرة وأمامهم الألواح التي يدونون عليها، محمولة على أحد الحوامل المصنوعة من البوص، والتلاميذ يحيطون به في دائرة أوسع، ويجلس الشيخ ينصت إليهم وهم يقرءون ما قاله الشيخ، بينما يردد الآخرون من حولهم، كما يوجد طفل يقف على الحائط بجوار سيدنا، وهذا الشخص كان يقع على عاتقه مساعدته في أوقات الراحة والوقوف على زملائه؛ حتى لا يحدثوا إزعاجًا. يجلس الطلاب بشكل مرتب على مصطبة مستديرة، ويسند كل منهم ظهره على الحائط، ويرتدون الجلباب والطربوش، وينظرون إلى الشيخ في صمت تام، كما يجلس سيدنا على مقعد مرتفع عنهم، وتعكس الصورة مدى الالتزام الذي نفتقده الآن في المدارس والنظام وحسن الاستماع إلى تعليمات المعلم.