قصيدة تحظى بمكانة روحية وفكرية كبيرة لدى الكثير من المسلمين في شتى بقاع الأرض، وتعتبر أيقونة للمديح النبوي، وسار على نهجها الكثير من الأدباء والشعراء، حتى أنتجوا لنا روائع المدح. إنها "بردة البوصيري" والتي خطها الإمام البوصيري في القرن السابع الهجري؛ طلبًا لشفاعة النبي، بعد أن شفاه الله من الشلل، وترجمت إلى لغات عدة، وأصبحت مدرسة تتعلم منا أصول المدح. قصته مع الشلل في بلدة أبو صير الواقعة بين الفيوم وبني سويف ظهر في القرن السابع الهجري، الحادي عشر الميلادي مداح صوفي اسمه محمد بن سعيد البوصيري، تعود أصوله إلى قبيلة "صنهاجة" إحدى قبائل البربر، كان دائمًا ما يقرض الشعر في محبة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه. يروى أن الله ابتلاه بالشلل النصفي، ففكر في إنشاد قصيدة يتشفع بها إلى الله في أن يعافيه من مرضه، وواظب على إنشاده بشكل دائم، وفي ليلة من الليالي نام "البوصيري"، فجاءه النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المنام، فمسح على وجهه بيده المباركة، ثم ألقى عليه بردة؛ ليستيقظ البوصيري من نومه، فيجد نفسه قد عوفي من الشلل. إنشاد البردة عقب عودته للحركة من جديد، قرر الإمام البوصيري إنشاد قصيده لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وطلب شفاعته تيمنًا به، وأطلق على القصيدة عدة أسماء، منها "بردة البوصيري"، كما سميت أيضًا ب "الميمية"؛ لأن حرف رويِّها الميم، إضافة إلى اسم "الكواكب الدرية في مدح خير البرية". والقصيدة تقع في عشرة فصول ومن 160 بيتًا، وترجمت إلى عدة لغات، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والتركية والهندية والفارسية، ومن أبياتها: محمد سيد الكونين والثقلين *** والفريقين من عرب ومن عجمِ نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ *** أبر في قولِ لا منه ولا نعم هو الحبيب الذي ترجى شفاعته *** لكل هولٍ من الأهوال مقتحم قالوا عن البردة أجمع عدد كبير من الباحثين على أن قصيدة البردة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي، حيث قال الإمام السيوطي عنها "كان البوصيري، رحمه الله تعالى، من عجائب الله في النظم النثري، وإن لم يكن له إلا قصيدته المشهورة بالبردة، تكفيه فخرًا، وكذلك قصيدته الهمزية البديعة، وقد ازدادت شهرة البردة حتى إن الناس أصبحوا يتدارسونها في المساجد"، كما قال عنها الدكتور زكي مبارك "البوصيري بهذه البردة هو الأستاذ الأعظم لجماهير المسلمين، ولقصيدته أثر في تعليمهم الأدب والتاريخ والأخلاق، فعن البردة تلقى الناس طوائف من الألفاظ والتعابير غنيت بها لغة التخاطب، وعن البردة عرفوا أبوابًا من السيرة النبوية، وعن البردة تلقوا أبلغ درس في كرم الشمائل والخلال، وليس من القليل أن تنفذ هذه القصيدة بسحرها الأخاذ إلى مختلف الأقطار الإسلامية، وأن يكون الحرص على تلاوتها وحفظها من وسائل التقرب إلى الله والرسول". على نهج البردة ولأن القصيدة ذات تأثير كبير؛ ألهمت العديد من الشعراء والأدباء في السير على منوالها في مدح النبي، ومنهم "الماوردي" في مؤلفه "كشف الغمة في مدح سيد الأمة"، كما نظم أمير الشعراء أحمد شوقي واحدة من أروع قصائده الشهيرة ب "نهج البردة"ن والتي يقول في مطلعها: ريم على القاعِ بين البانِ والعلمِ *** أحلَّ سفك دمي في الأشهر الحرم رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا *** يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم لما رنا حدثتني النفس قائلة *** يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي البردة أوبرا عربية الموسيقار وعازف العود الشهير الدكتور ممدوح الجبالي قرر تحويل القصيدة إلى أوبرا عربية، وقوبل طلبه بالرفض في مصر، فلم يجد أمامه إلا أوبرا مسقط، التي رحبت به وبعرضها على أرضها، وعندما قدم العرض الخميس الماضي، حقق نجاحًا باهرًا، حتى إن أوبرا مسقط كانت مكتملة العدد، وشارك فيها بالغناء مجموعة من الأصوات المصرية، منهم محسن فاروق ومحمد محسن وريهام عبد الحكيم وأجفان الأمير والشيخ المحمدي عمار، ومن السعودية الشيخ محمد راضي الشريف، ومن تنزانيا الشيخ يحيى بيهاكي، وقام الوزير نصر بن حمود الكندي أمين عام شؤون البلاط السلطاني بسلطنة عمان بتكريم صناع الأوبرا، وعلى رأسهم الموسيقار ممدوح الجبالي.