أثار إعلان عاطف عبد الحميد، محافظ القاهرة، عن بدء تنفيذ مبادرة "شراء المخلفات والقمامة" من المواطنين، من خلال افتتاح منفذين لشراء القمامة في حي مصر الجديدة، كنموذج لتطبيق التجربة، ليتم تعميمها فيما بعد على باقي الأحياء، الجدل بين عدد من الخبراء والعاملين بمجال تدوير القمامة، مؤكدين عدم نجاح الفكرة، نظرًا لغياب الرؤية في التعامل مع المواد العضوية التي لن تجد من يجمعها وستتراكم في الوحدات السكنية والشوارع، لأن المحافظة قررت فقط شراء المواد الصلبة دون وضع حلول شاملة لأزمة القمامة. وقالت الدكتورة مها بشير، الخبير في الشؤئون البيئية، فى تصريحات خاصة ل "البديل" بأن القرار إيجابي، ولكنه غير مدروس، لأنه حدد شراء المواد الصلبة فقط، وسوف تتبقى المواد العضوية من بواقي الأطعمة مثلًا، متسائلة: ما هي خطة المحافظة للتعامل معها؟ مشيرة إلى أن جامع القمامة يصعد إلى المنازل لجمع كل من المواد العضوية والصلبة، ولن يصعد لجمع المواد العضوية المتبقية بالمنزل؛ لأنها غير مفيدة، ولا يمكن تدويرها والاستفادة المادية منها، ومن ثم تتراكم في المنزل أو بالشارع، وتضاعف من التلوث بدلًا من مكافحته. وأضافت أن مقترح محافظ القاهرة ليس جديدًا من نوعه، حيث سبقه العديد من مقترحات فصل القمامة من المنبع، ولكن تبقى الإشكالية في تنفيذ هذه القرارات باستراتيجية واضحة، حيث تتفرق مهام منظومة القمامة في مصر على أكثر من جهة: وزارة البيئة والتنمية المحلية، ثم وزارة الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات في عهد الدكتورة ليلى إسكندر في عام 2015، بل أصدر المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، في نوفمبر 2015، قرارًا بإنشاء جهاز تنظيم إدارة المخلفات، تابع لوزارة البيئة، ليكون مسؤولًا تخطيطيًّا لوضع سياسات إدارة القمامة في مصر، ولرصد الوضع الحالي للمنظومة، والرقابة على تنفيذ الخطط، واقتراح تشريعات جديدة، إلا أن مشكلة النظافة لا تزال مستمرة، رغم مرور أكثر من عام على إنشاء الجهاز. وأوضحت بشير أن هذه الاستراتيجية لم تطبق حتى الآن لغياب برامج عملها بوضوح، مؤكدة ضرورة التعاون بين الحكومة وجامعي القمامة الاصليين وتدريبهم على المعدات الحديثة وطرق فصل القمامة من المنبع من داخل المنازل، مشيرة إلى أن تدوير القمامة صناعة قومية رابحة، ولكن تحتاج الى تخطيط. وكشفت أنه يوجد 63 مصنعًا لتدوير القمامة على مستوى الجمهورية، ولكن هذه المصانع لا تصلها الكميات الكافية من القمامة، وتعمل فقط ب 50% من طاقتها الإنتاجية، رغم شكاوى المصريين من تراكمها بالشوارع والميادين، معللة أن هذا يعود لغياب العمالة المدربة في فصل المواد العضوية عن الصلبة والمواد الصالحة لإعادة تدويرها، ومن ثم تشغيل هذه المصانع وحل أزمة القمامة على الفور. ويتفق معها عزت نعيم، رئيس مجلس إدارة "جمعية روح الشباب" المهتمة بتطوير المجتمع والتعليم في عزبة الزبالين، قائلًا إن اقتراح محافظ القاهرة لا يعبر عن دراسة حقيقية لمشكلة القمامة وأبعادها، بل هو مقترح للشو الإعلامي، يحاول به إيهام المجتمع بأنه يحل المشكلة، موضحًا أن أبسط أسباب الفشل هو الأسعار التي اقترحها لشراء المواد الصلبة، حيث يأخذ الكشك من المواطن كيلو صفائح الكنز ب 9 جنيهات، رغم أن سعره فى منشية ناصر 17 جنيهًا، بل يصل إلى 23 جنيهًا، وأضاف ل "البديل" أن اختيار المحافظ لحي مصر الجديدة يعكس غياب رؤيته أيضًا؛ لأن أهالي هذا الحي لن يذهبوا بسيارتهم لبيع الكنز والورق، ومن يستفيد بها هم حارسو العقارات أو خدم المنازل الذين من مصلحتهم التعاون مع جامع القمامة الأصلي؛ لأنه سوف يشتري منهم القمامة بسعر أعلى مما يطرحة الكشك. ولفت إلى أن هذا القرار سوف يضر السكان؛ لأن الزبالين لن يصعدوا إليهم لجمع المواد العضوية فقط، بعد استفادة المحافظة من المواد الصلبة، ومن ثم تتراكم بقايا الأطعمة والقمامة بالوحدات السكنية دون حل واضح من المحافظة لكيفية التعامل معها. وتساءل نعيم عن سبب تعنت المحافظة والدولة بصفة عامة في عدم التعاون مع شركات القمامة الوطنية، والاعتماد عليها في حل الأزمة، من خلال طرح كل حي كراسة شروط حول أساليب الجمع السكني وضوابطه، ثم إعادة تدوير هذه المخلفات، بعد توصيلها للمصانع المختصة، وتحقيق منفعة اقتصادية للحكومة والشركات والسكان. ومن جانبه قال عاطف أمين، مؤسس التحالف المصري لتطوير العشوائيات، ل "البديل" إن تجربة أكشاك شراء القمامة من المواطنين بدأت في الإسكندرية العام الماضي، ولكنها فشلت، وهو نفس المصير المتوقع لأكشاك مصر الجديدة؛ نظرًا لعدم تعود المواطن على النزول من منزله بأكياس القمامة وتوصيلها إلى كشك، حتى لو كان المقابل بضعة جنيهات، خاصة أن التجربة بدأت في أحد الأحياء الراقية، ومن المؤكد لن يحمل سكانها القمامة، سواء الدكتور أو المهندس، لبيع المواد الصلبة في أحد الأكشاك. وأضاف أن حل أزمة القمامة يحتاج إلى التعاون بين عدة جهات، سواء الحكومة أو الجمعيات الأهلية العاملة في مجال التدوير والبيئة، ونشر الوعي الإعلامي، والبدء بالمناطق العشوائية التي تعاني من انتشار القمامة في كل مكان عكس المناطق الراقية.