توالت التحركات الإسرائيلية التي يبدو ظاهرها معاديا لمصر في الفترة الأخيرة، بدءا من إطلاق مزاعم عن التنسيق لإنشاء دولة فلسطينية في سيناء، مرورًا بالكشف عن عودة السفير الإسرائيلي من القاهرة، وصولًا إلى التحدث عن تهديدات إرهابية وغارات أطلقت من سيناء؛ الأمر الذي يثير عدة تساؤلات حول أسباب هذا الهجوم والضغط القوى على الإدارة المصرية في تلك المرحلة. وبينما تحدثت بعض الصحف العربية خاصة الفلسطينية عن أن هذه التحركات جاءت على خلفية التقارب المصري مع حركة حماس في الآونة الأخيرة استبعد المراقبون هذا السبب، مؤكدين أن الأمر يتعلق بأن شهية الإسرائيليين تتطلع لجني مكاسب عدة على صعيد القضية الفلسطينية في ظل قيادة أمريكية جديدة تنحاز بشكل كامل للاحتلال الإسرائيلي. وفي هذا السياق؛ يقول السفير رخا أحمد حسن مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو مجلس الشؤون الخارجية إن هذه التصريحات والتحركات الإسرائيلية الأخيرة ما هي إلا خبث صهيوني لاستغلال كل ما هو متاح حاليًا لتحقيق انتصارات على صعيد الملف الفلسطيني، مؤكدًا أن الاحتلال يرى أن هناك فرصة ذهبية تأتي في الوقت الذي أعلنت فيه الإدارة الأمريكية أنها ليست ملتزمة بما سبق من اتفاقيات في إطار القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الوافد الأمريكي الجديد للبيت الأبيض (يقصد ترامب) لم يضع استراتيجية لحل الملف بل يتحدث عن التغيير من أجل الاختلاف فقط عن الإدارة السابقة. وأضاف رخا في تصريحات خاصة: لذلك بدأت إسرائيل بهذه التصريحات المضادة لمصر لصناعة حالة من التشويش على كل ما سبق ومحاولة الضغط لاكتساب المزيد وما هو أكثر من حل الدولتين، لاسيما وأن حكومة الاحتلال تضم في أعضائها الكثير من وزراء اليمين الأكثر تطرفًا وهم من أبناء المستوطنات المقامة داخل الأراضي المحتلة، مؤكدًا أن الاحتلال يري أنه في موضع قوة بعد أن خلقَّ واقعا يخالف قرارات مجلس الأمن التي أدانت مؤخرًا الاستيطان الإسرائيلي. وأشار رخا إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة ليست معنية بحل القضية الفلسطينية بل هي ملتزمة بإرضاء وأمن الاحتلال وظهر ذلك جليًا في تصريحات ترامب بأن حل الدولتين ليس الوحيد لإنهاء الصراع وأنه لن يملِ بعد الآن شروطا لأي اتفاق سلام محتمل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو الأمر الذي أسعد نتنياهو كثيرًا خلال الزيارة. وعن أسباب هذا التحركات الإسرائيلية أكد السفير المصري السابق أن هناك عوامل أساسية ساعدت الاحتلال على هذا التحرك والتعنت الصهيوني وهي أغلبها عربية مؤكدًا أن انقسام العالم العربي والصراعات بين دوله والأزمات الداخلية والتنافس مع الدول الإقليمية أمثال إيران وتركيا والفتنة بين الطوائف والمذاهب داخل المجتمع العربي والانقسام الفلسطيني الداخلي وصراعات فتح كانت كلها عوامل ايجابية تساعد إسرائيل على هذه الخطوات. وعن سبب سحب السفير الإسرائيلي أكد أن كل ما سبق من تعنت إسرائيلي ومحاولات فرض الأمر الواقع تؤكد أن هناك حالة من الفتور في العلاقات بين الاحتلال ومصر، مشيرًا إلى أن سببها الارتباك في العلاقات المصرية الفلسطينية والتخوفات الصهيونية من تنفيذ تهديدات محمود عباس بإقصاء التنسيق الأمني مع الاحتلال بعد فقدانه وخسارته كافة أوراق الضغط والمناورة مع إسرائيل في أي مفاوضات مقبلة بسبب التعنت الإسرائيلي والارتباك الفلسطيني الداخلي والارتباك العربي بشكل عام. من جانبه يؤكد المحلل السياسي والباحث بالشؤون العربية هاني سليمان أن الاضطرابات الأمنية في سيناء واستهداف أكمنة الجيش المصري من قبل التنظيمات الإرهابية لا يمكن أن تبتعد عن الأيادي الإسرائيلية لأن الاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر يسهل للعناصر الإرهابية تنفيذ هذه العمليات، موضحا أن الهدف من ذلك هو إشغال الجيش المصري بمعارك داخلية وضمان استمرار التطبيع والتنسيق الأمني معه في سيناء بحجة مواجهة التهديدات الإرهابية. وأضاف سليمان في تصريحات للبديل أن المفاجأة غير المتوقعة والتي زعمت بأن القاهرة طرحت فكرة إنشاء دولة فلسطينية في سيناء وغزة التي خرجت من جهات رسمية إسرائيلية يهدف إلى تشكيل خلية من الوعي والاعتياد لدى المجتمع المصري والعربي لهذا الطرح في المستقبل، مستغلًا تراجع أوليات الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية وهو ما أدي إلى ظهور بدائل متباينة كالإرهاب والصراع مع إيران، وتراجع الاهتمام بالتهديدات والعداء الإسرائيلي للمرتبة الثالثة من حيث الأهمية. وعن سحب السفير الإسرائيلي أكد أنها غير مفهومة في ظل الكشف عن التعاون الإسرائيلي المصري في الفترة الأخيرة وإن كان يمكن تفسير هذا التحرك بأنه ضغط صهيوني لأمر ما تدور كواليسه في الغرف المغلقة بشأن القضية الفلسطينية وانتزاع مكاسب إسرائيلية في هذا الإطار. كما تعتبر استراتيجية الرئيس الأمريكي الجديد في التعاطي مع دول الشرق الأوسط واحدة من أسباب الضغط الإسرائيلي والتحرك ضد مصر، حيث كشف موقع ديبكا وثيق الصلة بالدوائر الاستخباراتية أنه خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، جرى الاتفاق مع ترامب على استراتيجية ترغم دول الاعتدال طبقا لما تسميها إسرائيل على توقيع اتفاقات سلام مع تل أبيب وأن تخرج علاقاتها للعلن، ولكون مصر واحدة من الدول التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، تعتمد الاستراتيجية الجديدة على دور مصري بالغ الأهمية في تنفيذ الهدف النهائي لإسرائيل من أجل أن يكون هناك اتفاقات سلام مع السعودية والإمارات على وجه التحديد. وتؤكد التطورات الأخيرة أن إسرائيل بدأت في اتباع سياسة العصا والجزرة مع مصر، بما يعني أنه إما أن تكون مصر معنا وتساهم في توسع السلام العربي الإسرائيلي دون حدوث أي تقدم في الملف الفلسطيني أو تقديم أي تنازلات صهيونية، وإلا ستجد القيادة المصرية نفسها تواجه سيلا من الاتهامات التي تثير الغضب ضدها وتهدد استقرار نظام الحكم.