مأمون فندي : الثورة تشبه قوة كهربائية هائلة وكل من يحاول سرقتها ستحرقه أحمد عبد الربه : الثورة نجحت ثقافيا وأخفقت سياسيًا واقتصاديًا بسمة عبد العزيز : الناس في حال من الإنهاك الشديد لكن التغيير سيأتي حتمًا تامر وجيه : الثورة لا تمحى ولن تمحى بعد مرور ست سنوات على ثورة 25 يناير 2011، وفي ظل حالة من التخبط والارتباك على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، نبدو في أحوج ما نكون للتوقف وتأمل مسيرة الثورة وما حققته من نجاحات وما فشلت في تحقيقه من أهداف، من خلال منهجية علمية ورؤية عملية بعيدًا عن الوقوع في فخ النوستالجيا أو جلد الذات، وفي هذا السياق تحاور نافذة الوعي مجموعة من الباحثيين المصريين حول رؤيتهم لواقع الثورة ومستقبلها. في البداية يشير الدكتور مأمون فندي أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون الامريكية، إلى أن الثورة تشبه قوة كهربائية شديدة هدفها إضاءة الأوطان وكل من يحاول سرقتها ليضىء منزله فقط تحرقه هذه القوة الهائلة، وهذا ما حدث مع المجلس العسكري ثم الإخوان، وسوف يتكرر مع كل من يعتقد أنه يمكنه إنتزاع الثورة وحصاد مكاسبها وحده، مضيفا رغم كل الهجوم على الثورة فضلًا عن عدم تحقيقها لمعظم أهدافها حتى الآن لكن تظل يناير من أهم الثورات في التاريخ الحديث لمصر، لقد جربنا الثورة ضد رأس النظام واكتشفنا أن الأزمة أعمق من ذلك، فالنظام كاملًا من رأسه إلى قاعه يحتاج ثورة على الفساد والجهل والإهمال. وأوضح فندي أن من أبرز التحديات التي واجهتها الثورة تفكيك شبكة المصالح العائلية الحاكمة لمصر، وتحرير المصريين من التعلق بالماضي سواء ناصري أو إسلامي، بالإضافة لللغة أيضًا فبينما جاء الشباب بلغة متمردة وحية كانت هناك قطاعات كبيرة في الدولة والمجتمع ما تزال متشبسه بلغة قديمة نجد صداها بقوة في الإعلام. الثورة والوعي في السياق ذاته يرى الدكتور أحمد عبد ربه أستاذ العلوم السياسية أن الثورة بدت للوهلة الآولي سياسية/اقتصادية بمعني أنها جاءت بوعود سياسية واقتصادية واضحة، لكن الحقيقة أنها نجحت من حيث لا تحتسب ثقافيا، بمعني أن أهم إنجازات الثورة هو إنها أحدثت طفرة كبيرة جدًا في مقدار الوعي الثقافي بموضوعات كتيرة أهمها العلاقة بين الدين والدولة، والمواطنة وحقوق الآقباط، والدستور وفكرة الحقوق والحريات..إلخ، وبالتالي فالثورة نجحت ثقافيا ولكنها أخفقت سياسيًا واقتصاديًا. وعن وضع الثورة حاليًا يقول عبد ربه: الثورة كفعل حركي سياسي تنظيمي، تم القضاء عليها وأي مكابرات من قبيل الثورة مستمرة فذلك نوع من إنكار الواقع، بمعني أن التنظيمات التي عبرت عن الثورة حركيا وسياسيا إما تم تصفيتها آو استنزافها آو حرقها سياسيا بعد يوليو 2013، لكن لو المقصود الثورة من الناحية الثقافية فهي بكل تأكيد مستمرة وبنجاح كبير، ويمكن رؤية تمثلات هذا النجاح في في تحدي سلطة رجال الدين وعلماءه وكشف محدودية وسلطوية دورهم، كذلك التمرد علي النمطية في علاقات الجنسين، والعلاقات الإجتماعية، فضلا عن وعي سياسي أفضل بطبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة. وحول تصوراته للمستقبل يضيف عبد ربه، للأسف أنا غير متفائل بالمستقبل علي المديين القصير والمتوسط، علي أقل تقدير الخمس سنوات القادمة سوف تكون في منتهي السوء اقتصاديًا وسياسيًا، وستعد مصر محظوظة لو استمرت بلا انهيارات كبري، أما لو حدثت ثورة وهذا أمر وارد طبعا في الخمس سنوات القادمة، فللأسف لن تكون ثورة حريات وحقوق وديموقراطية، بقدر ما ستكون ثورة تصفية حسابات ودماء لا حدود لها، ولن تنتهي بديموقراطية بل ستنتهي بديكتاتورية جديدة، والأمل هو أن تتغير المعادلة الحالية في الفترة من 5 الي 10 سنوات، ويكون فيه دماء سياسية جديدة في السلطة وفي المعارضة، ولأكون أكثر تحديدًا فأنا بتكلم علي الفترة بين 2022 و 2030 قبل هذا التاريخ أقصي أمنياتي يتمثل في أن لا تنهار مصر. الحراك الثوري من جانبها تقول الدكتورة بسمة عبد العزيز، أفضل تعبير "الحراك الثوري" فما بدأناه في يناير 2011 لم ينته بعد، هو حراك تتوالى فصوله وثوره لم تكتمل بعد ولم تتبلور نتائجها بحيث نضع نقطة النهاية ونتحدث عنها كماضٍ، حقق الحراك حتى هذه اللحظة عدة مكاسب منها استعادة الثقة في النفس وفي القدرة على الفعل وإحداث تغيير ما، والقيام بالمبادرة. انكسرت حال البلادة والاستسلام والخنوع وحلت محلها حال المواجهة والتعامل بندية مع السلطة بل وإجبارها على تلبية بعض المطالب. كذلك شكلت المرأة كتلة فاعلة شديدة التأثير على مدار السنوات الست وإن اختلفنا على تقييم توجهاتها والنتائج التي حققتها سياسيًا لكن هذا الظهور يبقى مكسبًا لافتًا للنظر، يضاف إلى هذا وذاك انشغال غالبية المواطنين بالهم العام والشأن السياسي بعد عزوف تام خلال سنوات حكم مبارك، بحيث صار الجدل السياسي ظاهرة تفرض نفسها بقوة في المواصلات العامة والمقاهي واللقاءات العائلية، صحيح أن هذا الجدل أحدث شقاقًا في المجتمع لكني أراه صحيًا فما هو إلا طريق نصل بها إلى الاقتناع الحقيقي بأهمية الحوار وبضرورة توفير الأسانيد والبراهين والأدلة المنطقية له، طريق صعبة لكنها لازمة. حتى هذه اللحظة فشل الحراك الثوري في تحقيق مطالبه الأصيلة وتجسيد شعاراته على الأرض فلا كرامة ولا حرية ولا خبز ولا عدالة اجتماعية، على العكس ازداد الناس فقرًا وعوزًا وانحدرت الحال بالطبقة المتوسطة أكثر مما كانت منحدرة، وبدت العدالة الاجتماعية بعيدة المنال في ظل رفع مرتبات فئات بعينها دون الأخرى، وأخص منها بالذكر مؤسسة الشرطة والمؤسسة العسكرية، كما لم يتم تطبيق نظام الضرائب التصاعدية وتفاقمت الفجوة بين الطبقات بصورة خطيرة. أما عن الكرامة فحدث ولا حرج، تتصاعد وتيرة التعذيب والعنف، ويقضي الكثيرون نحبهم في أقسام الشرطة ويهان المعتقلون السياسيون وتراق كرامتهم بصورة منهجية، وعلى مستوى المواطن العادي يختفي الشعور بالكرامة كلية مع مواجهة تفاصيل الحياة اليومية البائسة سواء على مستوى المواصلات والشوارع أو على مستوى توفير الاحتياجات الضرورية من طعام ودواء . لم يحقق الحراك الثوري تغييرا حقيقيًا على مستوى النظام السياسي الحاكم فلازالت المؤسسة العسكرية تحكم بصورة فجة، إذ هي تسيطر على الاقتصاد وتتدخل في كافة مناحيه ولا تترك فرصة لظهور أي فصيل على الساحة السياسية، ولو كان مواليًا لها وتلك هي درجة قصوى من درجات الاستبداد، لا يزال التوق إلى الحرية قائمًا وأظن أن الناس في حال من الإنهاك الشديد لكن التغيير سيأتي حتمًا. موجات ثورية قادمة يقول الباحث تامر وجيه، ثورة يناير هُزمت، وانتصرت الثورة المضادة نصرًا حاسمًا في 30 يونيو-3 يوليو 2013، لكن هزيمة الثورة وانتصار الثورة المضادة لا يعني أننا عدنا إلى ما قبل 25 يناير 2011، الثورة لا تمحي ولن تمحي، ما حدث هو أن الثورة كانت الضربة القاصمة اللي قوضت استقرار وتماسك الدولة القديمة وشبكات حكمها، قوضت استقرارهم وتماسكهم وهيمنتهم الفكرية والسياسية لكن لم تقوض سيطرتهم، هزتها بقوة لكن لم تزحها أو تنهيها، فأصبح الوضع أن لدينا دولة مهترئة وغير متماسكة، وسلطة لها نفس السمات، لكن الاثنين لم تكن الثورة بالقوة الكافية لتسقطهم، أو تغيرهم. ويضيف وجيه، الثورة المضادة جعلت الدولة والسلطة القديمة تتحول من وضع الدفاع إلي وضع الهجوم، من وضع المهزوز إلي وضع المتوحش، وبالفعل قامت بمذابح وقمع كبير، لكن رغم ذلك لم تستطع استعادة قوة الدولة ولا تماسكها، ولذا فرغم أنه من الأمانة أن نقول كون ثورة يناير هزمت، لكن من الدقة أيضا القول بأن الثورة المضادة تفتقر إلى قوة تجعلها مشروعا مستقرا ومستمرا، وهذا معناه عمليا، أننا في مصر وفي المنطقة العربية عموما، دخلنا في مرحلة طويلة من عدم الاستقرار، ستندلع فيها انتفاضات وربما ثورات أخرى، وكذلك حروب، وكل ذلك في عملية إقليمية مرهقة ومؤلمة، عملية للتغيير ستأخذ زمن، ولن تكون موجة 2011-2012 الثورية في المنطقة العربية أخرها.