أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بشأن الاتحاد الأوروبي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، غضبًا وانتقادات واسعة داخل المجتمع الأوروبي، لاسيما أنها جاءت قبل استلام الرئيس الأمريكي الجديد منصبه بساعات، وكأنه يريد إيصال رسالة لأوروبا مفادها أن الاتحاد لن يكون ضمن اهتمامات الرئاسة في المرحلة المقبلة، خاصة بعدما أكد أن بريطانيا اتخذت قرارًا ذكيًا جدًا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، معربًا عن اعتقاده بأن دولاً أخرى سوف تترك الاتحاد. وارتفعت وتيرة القلق لدى الاتحاد الأوروبي، بعد تصريحات ترامب، حيث أبدى الكثير من المسؤولين والمحللين السياسيين الأوروبيين انتقادهم لتعليقات الرئيس الأمريكي المنتخب، في الوقت الذي تواجه فيه موجةً من الانتخابات هذا العام قد تفوز فيها مجموعة من السياسيين المناهضين للمهاجرين، والمعارضين لفكرة الاتحاد الأوروبي. ووصف وزير خارجية ألمانيا، فرانك شتاينماير، تصريحات ترامب بأنها "خلقت هيجاناً في بروكسل، وتسببت في حالة من القلق لدى حلف الناتو"، كما شدد وزير خارجية هولندا، بيرك كوينيرز، على أن "الاتحاد الأوروبي والناتو مؤسستان أساسيتان للأمن العالمي"، ووصف كوينيرز وجهات نظر ترامب بأنها "مقلقة"، مضيفاً: "من الخطأ أن نقول في عالم غير آمن إننا لم نعد بحاجة إلى حلف الناتو". ولم ينتقد ترامب الاتحاد الأوروبي فقط، بل شن هجومًا على حلف الناتو، واعتبر ترامب في مقابلة مع صحيفتي تايمز البريطانية وبيلد الألمانية أن حلف شمال الأطلسي منظمة "عفا عليها الزمن"، وألمح إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق مع موسكو لتقليص أسلحتها النووية مقابل رفع العقوبات عنها. ومن جانبها، استخفت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجريني، بتصريحات الرئيس الأمريكي الجديد إزاء الاتحاد الأوروبي، معبرة عن ثقها بأن "الاتحاد سوف يبقى قائماً، قائلة: "أحترم رأي رئيس الولاياتالمتحدة المقبل، لكنني أعتقد أن الاتحاد الأوروبي سوف يكون على ما يرام في المستقبل". كما رد الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند بحزم على ترامب، قائلا إن الاتحاد "ليس بحاجة لنصائح خارجية تقول له ما عليه فعله"، مضيفًا خلال حفل تقليد وسام للسفيرة الأمريكية في باريس جين هارتلي: "أؤكد لكم أن أوروبا ستكون دائمًا على استعداد لمواصلة التعاون عبر الأطلسي، لكنها ستتحرك وفق مصالحها وقيمها، وهي ليست بحاجة لنصائح خارجية تقول لها ما عليها فعله". وبينما أثارت تصريحات ترامب غضبًا واسعًا في أوروبا، كانت أشد غضبًا في ألمانيا خاصة بعدما طعن بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وتلميحه برفع العقوبات عن روسيا، أكدت ميركل أن مصير الأوروبيين يبقى "في أيديهم"، وناشدت المستشارة دول الاتحاد الأوروبي "عدم السماح للانتقاد اللاذع من ترامب بتثبيط عزيمتهم". وقالت ميركل: "أعتقد أن مصيرنا نحن الأوروبيين في أيدينا، أريد أن أواصل السعي حتى تعمل الدول الأعضاء ال27 سوية نحو المستقبل، لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين"، مضيفة: "سنعمل بشكل طبيعي مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وسنرى ما هي الاتفاقات التي سنتوصل إليها"، كما رفضت ميركل مجددا أي خلط بين التهديد "الإرهابي" واللاجئين الذين هربوا من الحرب في سوريا ووصل مئات الآلاف منهم ألمانيا. في سياق متصل، طالب حزب الخضر الألماني بأن تعزز ألمانيا دورها في أوروبا، وأن تعمل على تقوية الاتحاد الأوروبي كرد فعل على تصريحات ترامب، متوقعًا مرور "أوقات عجاف" في العلاقة بين أوروبا وأمريكا، وعليه يجب البحث عن شركاء جدد مثل كندا أو ولايات أمريكية بعينها بشكل منفرد. ولم يقتصر الرد على تصريحات ترامب على الزعماء والمسؤولين الأوروبيين فقط، بل تعداهم إلى واشنطن نفسها، إذ ندد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بما أسماها "تصريحات ترامب غير اللائقة حول المستشارة الشجاعة أنجيلا ميركل"، كما أكد سفير الولاياتالمتحدة المنتهية فترة خدمته الدبلوماسية لدى الاتحاد الأوروبي، أنتوني غاردنير، خلال تصريح للصحفيين في بروكسل، أن "فريق ترامب الانتقالي اتصل بعدد من المسؤولين الأوروبيين؛ ليسأل عن الدول التي سوف تتبع المملكة المتحدة في قرار الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي". وأضاف كيري الموجود في منتدى دافوس: "أعتقد أن ميركل كانت شجاعة جدًا وأن سياستها لا تتطابق البتة مع هذا التوصيف"، مؤكدًا: "أعتقد أنه يجب أن نكون حذرين جدًا قبل أن نقول بأن أحد القادة الأقوى في أوروبا ارتكب خطأ". إلى ذلك، توقعت بعض الصحف الأوروبية أن تشهد العلاقات الأمريكية بالاتحاد الأوروبي مرحلة صعبة، حيث نشرت صحيفة سليت الإلكترونية والناطقة باللغة الفرنسية تقريرًا تحت عنوان: "هل تدخل الولاياتالمتحدة في قطيعة تاريخية مع أوروبا في عهد ترامب؟"، حيث أكدت الصحيفة فيه على خطورة مهاجمة ترامب لأوروبا ووصفها بالقارة العجوز واعتبارها ضعيفة عسكريًا، وأنها دومًا تستعين بالولاياتالمتحدة التي أسست حلف شمال الأطلسي لحماية القارة العجوز.