ساهم الاضطهاد والاستعباد الذي عانى منه الأمريكان من أصل إفريقي، بشكل كبير في ظهور موسيقى "الجاز" التي تعبر عن همومهم ومعاناتهم من الرق والاستعباد لسنوات طويلة. موسيقى الجاز قائمة على الارتجال، ونتجت عن تداخل الثقافات بين الشعب الأمريكي، ظهرت منتصف القرن التاسع عشر، في مدينة نيو أورلينز أو "أرليانش الجديدة"، وهي مدينة أمريكية تقع على نهر المسيسيبي الهادئ، التي ضمت آنذاك، خليطا من المهاجرين الإسبان والإنجليز والفرنسيين، مشكلين طبقة الأسياد، في مقابل العبيد الذين يسخرونهم في جميع الأعمال، خاصة الزراعة. ومع انتهاء الحرب الأهلية وتحرير العبيد وإلغاء نظام الرق عام 1863، وجد العبيد من الزنوج أنفسهم أحرارا داخل المدينة المعروفة بالفن وانتشار صالات الرقص الأوروبية «الفالس، والبولكا»، الأمر الذي ألهب سرائرهم، حيث بلغ عدد الأفارقة في الولاياتالمتحدة أكثر من مليون شخص، وكان لهم ثقافتهم الخاصة وموسيقاهم أيضا، وأغانيهم تشبه الطقوس الدينية، وتميزت باللحن الواحد، وهكذا، بدأت الموسيقى الأوروبية تندمج مع المزيكا الإفريقية ومع الألحان التي كان يحفظها الزنوج وتوارثوها عبر الأجيال التي كانت تردد أثناء العمل داخل الحقول. وامتزجت الألحان الإفريقية بألحان الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانية مع صرخات العبودية للزنوج بأمريكا، كل ذلك مع الموسيقى الأوروبية المنتشرة آنذاك، لتنتج موسيقى الجاز التي انتشرت بشكل كبير منذ بدايتها داخل البارات والملاهى الليلية نظرا لاختلافها وكثرة فرقها. ومن جانبهم، حاول بعض البيض من أوروبا تقليد هذا النوع الخاص من الموسيقى، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل؛ لطبيعة روح الزنوج الصارخة، التي أعطت موسيقى الجاز طابعا خاصا، لكن لم يستسلموا، وحاولوا تقليدهم مرة أخرى، حتى توصلوا إلى نوع من موسيقى أطلقوا عليه "ديسكى لاند"، انتشر داخل أمريكا بفضل الأفلام السينمائية، لكنه توقف مع بدء الحرب العالمية الثانية. ومع بداية عام 1920، دخل البيانو ضمن مكونات موسيقى الجاز، وانتشرت الفرق وزاد عددها بشكل كبير مع بداية القرن العشرين، وكانت تتنقل من مكان إلى آخر، حتى انتقلت زعامة موسيقى الجاز من منطقة نيو أورلينز إلى شيكاغو؛ لأنها تضم عدد أكبر من الملاهي الليلية والبارات، أثناء الحرب العالمية الأولى، لتنتشر بعدها في عدد من الولايات، مثل ميريلاند وواشنطن ونيويورك وبوسطن. أنواع موسيقى الجاز كان انتشار موسيقى الجاز في عدد من الولاياتالأمريكية، سببا في ميلاد عدد كبير من الموسيقيين، حتى خرجت عدة أنواع من «الجاز»، لكن مع وجود بعض الاختلافات، منها «البارد، والحر، والجاد، واللاتيني، والروحي»، وتكونت فرق موسيقى الجاز من سبع إلى ثمانية عازفين إلى أن ظهر"هندرسون وديوك الينجتون" فى نيويورك، وكان من الموسيقيين الدارسين، فأدخل نوعا جديدا عرف ب"الجاز الجاد"، حيث ضاعف عدد العازفين في فرقته وكتب نوتات موسيقية لكل عازف، وقلل من الارتجال. ولاقى هذا النوع الجديد نجاحا كبيرا بسبب ظهور محطات الراديو وتسجيل الأسطوانات، وزاد الإقبال عليه في حفلات الفنادق الفاخرة بنيويورك، وشجع العديد من الفرق على السير على نفس المنوال. وكان عام 1945، بداية لظهور "الجاز البارد" عندما ثار الموسيقيون على الطريقة التقليدية لموسيقى الجاز والرقصة التي يؤدونها (تحريك أرجلهم)، ليختفي الارتجال ويقل استعمال الإيقاعات الساخنة، وكانت المؤلفات الجديدة من موسيقى الجاز تميل إلى الهدوء والبطء، لذلك أطلق عليها الجاز البارد، وفي عام 1955 ظهر فرقة "السيمفو جاز" التي شملت آلات الأوركسترا السيمفوني، بالإضافة إلى آلات الجاز التقليدية. وأهم ما يميز «الجاز» تناغم الآلات الموسيقية مع الارتجال الذي يعطى له نغمة خاصة ومميزة عن أنواع الموسيقى الأخرى، ومن أهم الآلات الموسيقية "الساكسوفون، الكمان القائم (التشيللو)، البيانو، الترومبون والترومبيت، الدرامز". أشهر فناني الجاز لويس أرمسترونج (Louis Armstrong)، وكان يعزف مع فرق الجاز في شوارع المدينة، سجل عددا من الأسطوانات مع مجموعات سميت "الخمسة الساخنون" و"السبعة الساخنون" و"سافوي بول روم فايف". سكوت جوبلين (Scott Joplin) ملحن وعازف بيانو إفريقي-أمريكي، وعرف ب "ملك موسيقى الجاز"، وكتب 44 مقطوعة جاز كلاسيكية مبتكرة. فاتس وولر (Fats Waller) أحد أكثر العازفين شهرة فى مجال الجاز، وحقق نجاحا تجاريا كبيرا. الجاز حول العالم انتشار الجاز فى جميع أنحاء العالم في الستينيات مع ظهور التليفزيون، فكان يعزف في الأوبرا والقاعات الفاخرة، وانتشر في أمريكا اللاتينية والوطن العربي واليابان. يحتفل العالم يوم 30 أبريل من كل عام ب"اليوم العالمي للجاز"، وهي مناسبة تم تعيينها من طرف اليونسكو لتذكر تاريخ هذا النوع من الموسيقى والاحتفال بالقيم المجتمعية التي تمثلها كإرث ثقافي إنساني، وأيضا فرصة لإقامة العديد من الحفلات الموسيقية، وعروض الأفلام والأمسيات الثقافية تقريبا في كل مكان في العالم حتى في اليابان وتركيا.