كشف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في الخطاب الذي يعد أحد خطاباته الأخيرة قبل تسليم السلطة في يناير، بعض السياسات التي ارتكبتها إدارته على الصعيد الخارجي، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وبينما أكد باراك أنه لن يعتذر أبدًا على المدة التي قضاها على رأس السلطة بما فيها من سياسات خارجية اعتبرها كثيرون فادحة في الثماني سنوات الماضية، اعترف بارتكاب أمريكا أخطاء في الملف العراقي ومحاربة الإرهاب. ودائمًا ما تكشف الخطابات الأخيرة التي يجريها الرئيس الأمريكي قبل نهاية فترته بعض السياسات الخاطئة التي يجريها في ملفات عدة، إذ يلتزم رئيس البيت الأبيض قبل مغادرته بمصارحة الشعب بما حققه من إخفاقات وإنجازات خاصة على صعيد الملف الأمن القومي، وقال مستشار الأمن القومى الأمريكى بن رودس إن خطاب أوباما «هو خطابه الرئاسى الأخير، حول الأمن القومى قبل مغادرته الرئاسة»، مشيرًا إلى أنه حدد حالة مكافحة الإرهاب، وخصوصًا بشأن تنظيمى "داعش" و"القاعدة". داعش وفيما يعد أول اعتراف رسمي للإدارة الأمريكية بأنها كانت سببًا في نمو تنظيم داعش الإرهابي، قال الرئيس الأمريكي إن «أخطاء الولاياتالمتحدة بالتدخل في العراق كان أحد أسباب نشأة تنظيم "داعش" ونموه.. فالأخطاء التي ارتكبتها الولاياتالمتحدة لدى اجتياحها للعراق من أجل الإطاحة بصدام حسين كانت أحد أسباب نشوء تنظيم داعش». لكن أشاد بفترته الرئاسية، حيث أكد «لقد قررنا عدم تكرار بعض الأخطاء المرتكبة أثناء تدخل عام 2003، التي ساهمت، بداية الأمر، في نمو التنظيم»، وكثيرًا ما يتهم المراقبون أمريكا بأنها وراء نشأة داعش، إلا أن هذا الأعتراف الأمريكي يعد الأول من نوعه من رأس السلطة، حبث نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، ولأول مرة في تاريخ الجريدة الأمريكية، ملفًّا كاملًا في كل صفحات العدد يتحدث عن الكوارث التي حلت بالعالم العربي، وقالت إن تدخل أمريكا في العراق لم يدمر العراق فقط ومؤسساتها التي كانت موجودة، بل قضى نهائيًّا على الدولة العراقية، مشيرة إلى أن الأخطر والأبشع من ذلك ما فعله النظام الأمريكي، حيث خلق الظروف الملائمة لكي تولد أنظمة مثل "داعش" وأمثالها من المنظمات الإرهابية، وحول العالم العربي إلى منطقة مشتعلة، ومصدر لأزمة لاجئين عالمية، كما أعطى إشارة الانطلاق لعصر الإرهاب الذي يضرب العالم. وفيما اعتبر الرئيس الأمريكي أن داعش ولد في فترة الرئيس بوش الابن، تشير الإحصائيات والأرقام إلى أن تمدد التنظيم كان في إدارة أوباما، حيث بدأ التنظيم في الخروج إلى العلن في منتصف 2014 بعد إعلانه السيطرة على الموصل، ومن ثم تمدد حتى وصل لسوريا والعراق، والأبعد من ذلك أن ثمة تقارير تتحدث عن دور أمريكي رسمي في هذا التمدد، ففي تقرير نشر منذ أسابيع قليلة كشفت صحيفة جلوبال ريسيرش الكندية عن دور الدول الداعمة لداعش في المنطقة، وأن الدور الأمريكي في دعم "داعش" كان الأكثر شمولية، حيث وجهت ونسقت كل أنشطة الدول الداعمة ل"داعش"، واستخدمت قواعدها العسكرية لهذا الغرض. طالبان وفيما يخص الملف الآخر الذي تحدث عنه أوباما، وهو أفغانستان ومحاربة طالبان، تحدث صراحة عن سياسة بلاده غير القادرة على تدمير حركة «طالبان»، بعد 15 عامًا من دخول كابول، وعلى الرغم من الخسارات المتعددة لأفغانستان الناتجة جراء ذلك التدخل، اكتفى الرئيس الأمريكي بطمأنة كابول بأن بلاده تستطيع المساهمة في إحلال السلام فقط. وقال أوباما إن «الوضع في أفغانستان لا يزال صعبًا، وتستمر الحرب هناك منذ أكثر من 30 عامًا»، وبينما لم يعتذر الرئيس الأمريكي عن الأخطاء التي ارتكبها في هذا البلد، لا سيما بعد اعتراف إدارته أكثر من مرة بقتل عدد من المدنيين إثر غارات أمريكية خاطئة كانت تستهدف حركة طالبان، أكد أن بوسعه منع "القاعدة" من إقامة أي مأوى للمسلحين ومساعدة القوات الأمنية الأفغانية على إحلال السلام. وأعتبر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته أوائل العام الجاري أن إدارته حققت إنجازًا في أفغانستان، وذلك «بتقليل عدد الجنود الأمريكيين المشاركين في تلك الحرب من 180 ألف جندي إلى 10 آلاف»، أخذًا في الاعتبار أنه لم يشر في خطابه إلى ما حل بهذا البلد من نزوح للملايين ودمار آلاف المنازل والمستشفيات والمؤسسات الحكومية. الإرهاب وفيما يعد تراجعًا عن تصريحات سابقة دعم فيها أوباما حملته التي شنها في الشرق الأوسط بعد تشكيل تحالف دولي لضرب الإرهاب في العراق وسوريا إثر تضخيمه لحجم الإرهاب في الشرق الأوسط وضرورة تجريفه قبل أن يصل أمريكا، حذر الرئيس الأمريكي في خطابه من تضخيم التهديدات الإرهابية، وقال إنها لا تمثل تهديدًا وجوديًّا للولايات المتحدة، معتبرًا أن الإعلاء من شأن من وصفهم بالإرهابيين يصب في صالحهم، ويسبغ عليهم أهمية، ويساعدهم في عمليات التجنيد. ودعا الرئيس الأمريكي، في خطاب ألقاه عقب اجتماعه بمسؤولي القيادة الوسطى والقوات الخاصة بقاعدة ماكديل الجوية في فلوريدا، إلى اعتماد استراتيجية ذكية ومستديمة لمكافحة الإرهاب، وقال إنه بمقدور الإرهابيين أن يقتلوا الأبرياء، ولكنهم لا يمثلون تهديدًا وجوديًّا لأمتنا، وينبغي علينا ألا نرتكب خطأ.