رغم ما تعانيه سوريا حاليًّا من حرب طاحنة أتت على الأخضر واليابس بها، لن يستطيع عاقل أن يغفل أن حضارات عدة بحقب تاريخية مختلفة قامت على الأراضي السورية، منها السومرية والأكادية والكلدانية والكنعانية والآرامية والحيثية والرومانية والنبطية والبيزنطية والعربية، مخلفة وراءها إرثًا أثريًّا بلغ عدده 4500 موقع أثري لا يقدر بثمن، وحسب الموسوعات العالمية يعتبر علماء الآثار سورية مركزًا لإحدى أقدم الحضارات على وجه الأرض، ففيها كانت بداية الاستيطان البشري وتخطيط أولى المدن واكتشاف الزراعة وتدجين الحيوانات وانتشار المعرفة وابتكار حروف الهجاء. وقد تعرضت العديد من المواقع والمباني الأثرية في سوريا إلى تدمير كبير طال بعضها بكاملها خلال الخمس سنوات الماضية منذ اندلاع الحرب بين النظام السوري من جهة وداعش من جانب آخر، حيث نهبت العديد من الآثار، ورصدت بعض التقارير أن 758 موقعًا ومبنى أثريًّا تضررت في سوريا، منها 6 مواقع مدرجة على لائحة التراث العالمي، وهي أحياء دمشق القديمة، حلب القديمة، مدينة بصرى القديمة، مدينة تدمر، المدن المنسية، وقلعتا صلاح الدين والحصن. تدمير متحف الفسيفساء بسوريا نال نصيب الأسد من المواقع الأثرية المدمرة محافظة حلب، حيث دمر فيها فقط 280 أثرًا، تليها محافظة حمص ب 114 أثرًا، ثم دير الزور 83 أثرًا، فدرعا 77 أثرًا، وإدلب 54، والحسكة 46، فدمشق وريفها 44، ثم اللاذقية أثران، وطرطوس أثران. واحتلت دور العبادة قائمة الآثار المدمرة ب 100 دار، يليها 38 سوقًا، 22 خانًا، 21 قلعة، 13 قصرًا، 11 مدرسة، 10 حمامات، 9 متاحف. جمعية حماية الآثار السورية ذكرت أن المعارك الدائرة بين تنظيم داعش في سوريا من جانب والجيش السوري من جانب أخرى تسببت في خلق دمار كبير لعدد من الآثار التي لا تقدر بثمن، فقد تعرض ثلثا الحي القديم في حلب للقصف أو الحريق، وتسبب القصف العشوائي في تدمير سوق حلب القديم، الذي يضم بين طياته متاجر تعود إلى مئات السنين، كما تعرضت المئذنة السلجوقية في جامع حلب الكبير للانهيار، وتعرضت قلعة الحصن التي بناها الصليبيون قرب حمص للقصف بشكل عشوائي؛ ما تسبب في أضرار بالغة لها، بالإضافة إلى تعرض متحف الفسيفساء في معرة النعمان لأضرار كبيرة. سوق حلب القديم بعد تدميره وذكرت رئيسة صندوق الحفاظ على المواقع التراثية العالمية، بونى بيرنهام، في تقرير لها نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أن هناك العديد من المواقع الأثرية النادرة بمدينة حلب تعرضت لأضرار أصبحت غير قابلة للعلاج؛ بسبب الصراع الدائر هناك، منها المدينة القديمة بأكملها بمسجدها الكبير الذى يعود للقرن ال12 الميلادي، وهيكل "آلهة العاصفة"، وطرقات المدينة التي تشبه المتاهة، والتي قال التقرير إنها تُجسد تاريخًا مصغرًا للبشرية، موضحة أنه بعد سيطرة داعش على مدينة تدمر في 2013 تبادل والنظام السوري الثنائي القصف العشوائي، الأمر الذي نتج عنه تضرر معبد "بعل" بشكل كبير. تدمير معبد بعل في سوريا خبراء سوريون أكدوا أن متحف حماة تعرض في 2012 لعملية اقتحام من مجهولين قاموا بسرقة العديد من الأسلحة القديمة وتمثال ينتمي إلى العصر الآرامي، فضلًا عن تعرض متحف حمص للنهب هو الآخر، كما سرق تمثال روماني من الرخام من متحف أفاميا، ودمر أحد المعابد الآشورية فى "تل الشيخ حمد" بمدينة دير الزور، ونهبت مدينة «إيبلا» الأثرية الواقعة فى محافظة إدلب. تدمير آثار تدمر وحتى كتابة هذه السطور لا يزال هناك الكثير الذي لا نعرفه عن الوضع الأثري الحالي في سوريا وما آلت إليه العديد من المواقع السورية؛ نظرًا لأن الوضع يختلف من لحظة إلى أخرى طبقًا للمنتصر أو المهزوم، لكن يبقى السؤال: من سيتحمل فاتورة هذا الإهدار؟ وهل من سيتولى إعادة الإعمار سيرجع كل شيء إلى طبيعته، أم أنه سيضفي عليه صبغته؛ ليكتب التاريخ بالطريقة التي يريدها؟