أصبحت الخلافات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ظاهرة بما لا يقبل الشك أو التأويل فيها، وخلال هذه الخلافات يسعى كل طرف إلى إظهار نقاط القوة لديه، وهو ما يعمل عليه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حيث لوحت أنقرة بأزمة اللاجئين التي تثير رعب القارة العجوز، وإمكانية التحالف بل وتوثيق العلاقات مع الأعداء اللدودين للاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم روسياوالصين وإيران. الليرة التركية أعلن أردوغان، في كلمة له بمدينة قيصرية وسط تركيا، عقب افتتاح متحف في المدينة حمل اسم سلفه عبد الله جول، أن بلاده تتحرك باتجاه السماح بالتجارة مع روسياوالصين وإيران بالعملات المحلية، وأضاف: نحن نتخذ خطوات باتجاه ممارسة التجارة مع روسياوالصين وإيران بالعملات المحلية، إذا اشترينا شيئًا منهم سنستخدم عملتنا، وإذا اشتروا شيئًا منا فإنهم سيستخدمون عملاتهم، وتابع أردوغان: تم إصدار تعليمات إلى البنك المركزي بهذا الخصوص، وجدد أردوغان دعوته الأتراك إلى تحويل ما لديهم من اليورو والدولار وغيرها من العملات الأجنبية التي يخبئونها "تحت المخدة" إلى الليرة التركية، حسب تعبيره، وصاح أردوغان أمام حشد من أنصاره، "ليرتنا التركية مباركة"، وأشاد بتجاوب الأتراك مع دعوته، وأضاف: شعبي بدأ بتحويل كل الأموال التي يجدها تحت المخدة. في ذات الإطار، دعا أردوغان خلال كلمة متلفزة له، مالكي المراكز التجارية إلى جعل دفع الإيجارات بالليرة التركية بدلا من العملات الأجنبية لإثبات وطنيتهم، وفق تعبيره، وقال إن مالك أحد المراكز التجارية قال له خلال مكالمة هاتفية قصيرة أجراها معه: سأتحول إلى التعامل بالليرة فورًا، وأوضح الرئيس التركي أن الحكومة تعتزم كذلك طرح العطاءات بالليرة، وجدد أردوغان دعوته إلى خفض أسعار الفائدة، لافتًا إلى أن لجنة التنسيق الاقتصادي الحكومية اتفقت على وجوب خفض الفائدة، واتهم أفرادًا لم يسمهم بمحاولة شن انقلاب على البلاد عبر أسعار الفائدة وحركة البورصة والعملات الأجنبية. الخطوة التركية الجديدة تأتي تزامنا مع زيارة رئيس وزرائه، بن علي يلدريم، الحالية لروسيا والتي تستمر على مدار يومي 5 و6 ديسمبر الجاري، لعقد اجتماعات مع المسؤولين الروس، كما تأتي في إطار مواصلة جهود أردوغان لوقف تدهور الليرة التركية، التي شهدت تدهورًا خلال الأشهر الماضية عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو الماضي وحملة القمع التي أعقبتها، حيث فقدت الليرة إلى مستوى 10% من قيمتها أمام الدولار خلال شهر نوفمبر الماضي، واستمرت في الهبوط أثناء تصويت البرلمان الأوروبي على تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وعلى إثر ذلك خفضت الحكومة توقعاتها للنمو من 4,5 في المائة إلى 3,2 في المائة هذا العام. نحو الشرق ربط العديد من المراقبين بين الخطوة التركية السابقة والأزمة المشتعلة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي خاصة بعد أن صوت النواب الأوروبيون بتجميد مؤقت لمفاوضات انضمام تركيا التى بدأت عام 2005، بسبب القمع الحكومي وحملة الاعتقالات غير المسبوقة التى تستهدف معارضين من الأكراد ووسائل إعلام معارضة، وهو ما دفع أنقرة للتلويح بورقتي اللاجئين، والتحالف مع الصينوروسيا، في مواجهة الاتحاد الأوروبي. قضية اللاجئين والمُهاجرين كانت الورقة الأولى والأهم التي لوحت بها تركيا للاتحاد الأوروبي، مُهدده بفتح الحدود وإغراق أوروبا بالمهاجرين، وقال أردوغان: "اسمعوني جيدًا، إذا تماديتم فإن هذه الحدود ستفتح، تذكروا ذلك". التقارب من روسيا وإيران والصين، كان ورقة الضغط الثانية التي لوح بها أردوغان، لما يمثله ذلك من قلق للحلفاء في حلف شمال الأطلسي، وقال إن تركيا ليست بحاجة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بأي ثمن، وإنها قد تصبح بدلًا من ذلك عضوًا في تكتل أمني تهيمن عليه الصينوروسيا ودول آسيا الوسطى، وأضاف: "لم لا تنضم تركيا إلى خمسة شنغهاي "منظمة شنغهاي للتعاون؟، قلت هذا للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولرئيس كازاخستان، نزار باييف"، تابع الرئيس التركي: أعتقد أنه إذا انضمت تركيا إلى خمسة شنغهاي، فإنها ستتمكن من التصرف براحة أكبر بكثير. جاء الرد الصيني سريعًا ومُرحبًا بالفكرة الأردوغانية، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قنغ شوانغ، إن بكين مستعدة للنظر في أي طلب تقدمه تركيا للانضمام إلى منظمة "شنغهاي للتعاون"، التي تقودها بكين وموسكو، وأضاف شوانغ: تركيا بلد أوروبي آسيوي رئيسي، وشريك محاور لمنظمة شنغهاى للتعاون منذ فترة طويلة، والجانب الصيني يشيد بذلك، وقد لاحظنا التقارير المعنية، ونولي أهمية لطموح تركيا لتعميق تعاونها مع منظمة شانغهاي للتعاون، ونحن على استعداد للتشاور مع أعضاء المنظمة الآخرين حول ذلك، والسعي إلى التوافق عبر دراسة وثيقة وفقا للوثائق والأنظمة المعمول بها في المنظمة القانونية.