زيارات واهتمام إعلامي وسياسي مغربي غير مسبوق بالكيان الصهيوني خلال الأشهر الأخيرة الماضية، فإذا كانت هناك علاقات قديمة بين الرباط وتل أبيب، إلا أنها تتزايد وتتطور بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول طبيعة العلاقات بين الطرفين وإلى أين ستصل. تنتظر تل أبيب استقبال وفد من المغرب مكون من نشطاء في مجال التعليم والثقافة، سيصل إلى إسرائيل في 28 ديسمبر الجاري، وهو ما يضع اسم المغرب لأول مرة في الإعلان الشهري الرسمي لوزارة خارجية الكيان الإسرائيلي حول الزيارات المقبلة لمسؤولين ووفود رفيعة المستوى إلى الكيان، حيث قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن مزيدًا من التفاصيل حول الوفد الزائر ستنشر مع اقتراب موعد الوصول. الوفد المغربي الذي سيصل تل أبيب قريبًا سيكون الثالث من نوعه خلال الشهرين الماضيين، ففي مطلع نوفمبر الماضي رعت وزارة الخارجية زيارة مدتها أسبوع لوفد من كبار الإعلاميين والصحفيين المغاربة، فيما يشارك حاليًّا وفد من العاملين في سلك التعليم في المغرب في ندوة بمدرسة "ياد فاشيم" الدولية لدراسات الهولوكوست، وهي الثانية خلال عامين، لتعلم وتطوير السبل والوسائل حول كيفية تعليم وتثقيف الرأي العام المغربي في موضوع الهولوكوست. وفي شهر أكتوبر الماضي بعث الملك المغربي، محمد السادس، مستشاره اليهودي، أندريه أزولاي، لتمثيل المغرب في جنازة رئيس الكيان الإسرائيلي الأسبق، شمعون بيريز. هذه الزيارات تعتبر تفسيرًا وتوضيحًا، بل وإثباتًا لصحة تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، حول التقاء المصالح الإسرائيلية مع عدد من الدول العربية، وأن القضية الفلسطينية لم تعد حاجزًا أو عقبة للوصول إلى سلام وتحالف مع الدول العربية، حيث قال مسؤول دبلوماسي إسرائيلي معلقًا على الوفود المغربية الزائرة "إن هناك تزايدًا بالاهتمام المغربي بإسرائيل، وهناك المزيد من الوفود التي تصل إلى إسرائيل، ونحن نرى في ذلك مؤشرات إيجابية ومشجعة". دفء العلاقات بين المغرب وإسرائيل ليس جديدًا، لكنه تزايد خلال الفترة الأخيرة، وهو ما دفع البعض إلى ربطها بقضية الصحراء والبوليساريو، حيث تتجه كل من المغرب والجزائر إلى استقطاب الدعم الدولي في قضيتهما المتنازعين حولها، وفي الوقت الذي تتقرب فيه الجزائر من المعسكري الروسي السوري الإيراني، اختارت المغرب التقرب من المعسكر الخليجي الأمريكي الصهيوني، وهو ما دفع الرباط إلى الارتماء في أحضان الكيان في هذا الوقت بالتحديد، حتى إن بعض القنوات الإعلامية تداولت أنباء عن أن الزيارة الحالية التي يقوم بها وفد مغربي لإسرائيل، من أبرز مهامه إقناع المسؤولين الصهاينة بدعم المغرب في قضية الصحراء، والضغط على الدول الإفريقية التي لا تزال تعادي موقف المغرب من القضية، والتي تملك إسرائيل علاقات وطيدة معها، وهو ما أكدته تغريدة الوزير بحكومة الشباب الموازية للشؤون الصحراوية، عبد الله الفرياضي، المُقرب من الصهاينة، والتي قال فيها: قضية الصحراء لأول مرة داخل البرلمان الإسرائيلي "الكنيست"، فخورون بهذا العمل. تمثلت أبرز وآخر مظاهر التقارب بين الرباط وتل أبيب في رفع المغرب العلم الإسرائيلي في قمة المناخ التي عقدت في مراكش، حيث تظاهر حينها مئات المغاربة أمام البرلمان المغربي في الرباط؛ تنديدًا بوجود علم إسرائيل إلى جانب باقي الدول ال196 الأعضاء في اتفاق المناخ بموقع قمة المناخ، التي افتتحت في مراكش مطلع نوفمبر الماضي، وهتف المحتجون حينها "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل"، وأحرقوا علم إسرائيل. وفي أغسطس عام 2015 زارت مجموعة من الشباب اليهودي في المغرب تل أبيب كجزء من برنامج لإعداد هؤلاء الشبان للهجرة الحتمية للكيان الإسرائيلي والخدمة في جيش الاحتلال، واختتمت هذه المجموعة دورة تدريبية مدتها 30 يومًا في معسكرات جيش الاحتلال، وعادت أدراجها إلى المغرب، ووصلت هذه المجموعة إلى الكيان إلاسرائيلي عبر روما، وتلقت تدريبات بدنية وذهنية نظمتها أكاديمية "أميخائي" بالتنسيق مع الاتحاد الصهيوني الإسرائيلي، والمنظمة الصهيونية العالمية، وتحت رعاية وإشراف وزارة الحرب الإسرائيلية، وزار أفراد المجموعة المغاربة مواقع وأماكن مختلفة في الكيان الإسرائيلي، بما فيها الحائط الغربي للمسجد الأقصى، وما يسمونها مدينة داوود، وهي حي سلوان في القدس وجبل صهيون في القدس، ومتحف بالماخ في تل أبيب. العلاقات التطبيعية المتصاعدة بين المغرب والكيان الصهوني قابلها العديد من الانتقادات الداخلية والخارجية، فبعيدًا عن الشارع المغربي والتظاهرات التي تنطلق من حين لآخر بسبب هذا التقارب، وصفت حركة حماس زيارة الوفد الإعلامي المغربي لتل أبيب مطلع نوفمبر الماضي ب"الجريمة"، وقال الناطق باسمها في قطاع غزة، فوزي برهوم: في ظل تصاعد جرائم العدو الإسرائيلي والحملات العنصرية التحريضية ضد شعبنا، فإننا ندين زيارة أعضاء الوفد الإعلامي المغربي للكيان الإسرائيلي، الهادفة إلى التطبيع معه وتحسين وجه صورته في الصحافة العربية.