أصبحت إسرائيل تتميز بالبجاحة السياسية تجاه الدول العربية، وهى ما تمارسه الآن ومنذ عام 1994، تلك البجاحة جاءت مع صدور آخر الإحصائيات الاقتصادية والتجارية من داخل مكتب الإحصاء الإسرائيلى التى تزعم متفاخرة بتزايد حجم التبادلات التجارية بينها وبين دول شمال أفريقيا والدول العربية وبخاصة المغرب التى كانت دائمًا تردد بأنها مناهضة للتطبيع مع إسرائيل ثم نرى معرضاً للفنون التشكيلية بمراكش لينفى هذا التطبيع الذى يقوده ملك المغرب محمد السادس الذى وصى مستشاره أندرى أنوزلا وبصفته قائداً للمعرض بدعوة فنانة من تل أبيب تدعى كيرين سيتر وضمها إلى قائمة بها 43 فناناً آخر من جنسيات مختلفة بهدف نشر الفكر والحضارة المغربية وخلق المزيد من جسور التواصل بين المغرب ودول أوروبا. لم تكن دعوة كيرين فى المهرجان الفنى المغربى تأخذ وضعها الصحيح ولم يكن لها أى مكان فى المعرض فهو خاص بالصور والفيديوهات التسجيلية التى تصف جمال المغرب، إلا أن الفكر التطبيعى للمملكة المغربية، الذى قصد عدم احترام هوية الشعب المغربى المناهض للاحتلال الصهيونى، رأى فى فكرة التطبيع وسيلة جيدة للاختراق والتقدم الثقافى للمغرب فلهذا لم يكن الشعب المغربى على نهج واحد فى طريق المناهضة لإسرائيل، ولكن هناك فنانين ومثقفين مغاربة يدافعون عن التطبيع ويشجعون على نشره بالمغرب وباقى الدول العربية. وأثبت قدوم الفنانة الإسرائيلية إلى مراكش عكس ما استنكرته وزارة التجارة والصناعة المغربية مؤخراً عن ازدياد نسبة التبادلات التجارية بين إسرائيل والمغرب الفترة الأخيرة وهكذا كان الأمر الذى أكدت عليه الصحف الإسرائيلية الآونة الأخيرة وعلى رأسها موقع كلكاليست الذى تناول موضوع انتعاش التبادلات التجارية بين إسرائيل والدول العربية وشمال وجنوب أفريقيا، مؤكداً على وصول تلك التبادلات بين المغرب وإسرائيل إلى أكثر من 70 مليون دولار العام الماضى حيث أصبحت تحتل المرتبة الثالثة بين الدول العربية فى حجم مبادلاتها التجارية التى وصلت إلى نحو 99 مليون دولار من البضائع الإسرائيلية. هذا لا يجعلنا نتجاهل العلاقات الإسرائيلية الموريتانية التى تمتد إلى عقود التى كان السبب وراءها، هم اليهود المغاربة الذين هاجروا إلى إسرائيل بالآلاف، ولكن تبقى فى معظمها سرية، ومتأرجحة بين المد والجزر، وتكمن هذه السرية فى التعارض الكبير فى العلاقات السياسية بين الدولتين فالمغرب دولة مسلمة وعضوة فى جامعة الدول العربية، وعلى الرغم من أن الحسن الثانى ملك المغرب الراحل، قام بدور كبير ورئيسى فى الجهود الرامية إلى تشكيل علاقة الإخوة والصداقة بين اليهود والمسلمين، ليس فقط فى الشرق الأوسط بل فى جميع أنحاء العالم على مر السنين. ولم تكن المغرب الدولة الوحيدة التى أثارت مشكلة الشد والجذب ناحية التطبيع مع إسرائيل بل ظهرت هناك دولة مناهضة أخرى له وهى دولة تونس وهذا ما أظهرته أجواء الانتهاء من دستورها الجديد والسعى لاختيار حكومة تونسية جديدة وقد أوضح هذا وزير الخارجية التونسى رفيق على السلام فى خطابه الذى ألقاه مؤخراً كإجابة منه عن جميع التساؤلات التى مررت إليه حول التطبيع مع إسرائيل قائلاً، إنه يرفض التطبيع مع إسرائيل وأن تكون دولة تونس من الدول المطبعة معها وأنه رفض وضع أى مواد فى الدستور تجِّرم وتحارب هذا التطبيع لأنه مبدأ مرفوض من الأساس فى دولة تونس ولا حاجة لوضع مثل هذه المادة، فإسرائيل لا تحترم القوانين الدولية أو حقوق الشعب الفلسطينى، مستنكرا تطبيع تونس مع إسرائيل بسبب مشاركة وزيرة السياحة التونسية آمال كربول فى أحد البرامج التعليمية الفلسطينية التى قادتها إلى إسرائيل الشهر الماضى وأن رئيس الحكومة الجديدة مهدى جمعة رفض استقالتها لتأكده من إخلاصها إلى لبلدها وللشعب الفلسطينى وأنها لم تكن مضطرة لذهابها إلى هناك، ولكن كانت تضطر منذ عام 2006 للعبور إلى القدس عن طريق مطار تل أبيب وكانت تتعرض لمضايقات عنصرية عديدة هناك مما كان يدفعها للبقاء يومًا ليس أكثر.