«من الممتع إطلاق النار على بعض الناس».. هذه المقولة لم تخرج من شخص مضطرب نفسيًّا أو معاق ذهنيًّا، بل الغريب أنها جاءت على لسان وزير الدفاع الأمريكي المعين الجنرال جيمس ماتيس، الذي كلفه الرئيس المنتخب دونالد ترامب حديثًا، في خطاب له عام 2005 أثناء حلقة نقاشية أمام جمهور من ولاية كاليفورنيا، مثيرًا الضحك لدى بعض عناصر الجيش والجدل لعموم المجتمع الأمريكي، في مشهد يعبر بوضوح عن وجه السياسة الأمريكية الجديدة في ظل الإدارة الجمهورية المنتخبة حديثًا. ويبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لديه معايير واضحة في اختيار نوابه والمسؤولين في إدارته القائمة على اختيار أشخاص لا يريدها خصمه لا ما يريدها هو أو برنامجه الانتخابي، فجرت العادة في الانتخابات بدول العالم، وخاصة أمريكا، على أن تستمر حماسة وسخونة المعركة الانتخابية إلى ما بعد إعلان النتائج، فيبقى الفائز تحت تأثير المشاحنات الانتخابية؛ ما يبلور قراراته الأولية برسائل لخصومه السياسين بأن كل شخص تم الاستغناء عنه في إدراتكم هو مرشح لدينا بأن يكون مسؤولًا في الإدارة الجديدة. ويأتي اختيار «ماتيس» من قِبَل ترامب ضمن هذه الأجواء، فالجنرال الأمريكي الذي استغنت عنه إدارة أوباما الديمقراطية عام 2013 لحماسته الزائدة لخوض حرب في الشرق الأوسط، ولمعارضته آنذاك مشروع الاتفاق النووي مع طهران، ومناهضته قرار سحب القوات الأمريكية من مناطق في الشرق الأوسط، التي كان يشرف عليها «ماتيس»، وارتأت الإدارة الجمهورية الجديدة أنه الشخص المناسب في المكان المناسب. رفض الاتفاق النووي ينسجم موقف جيمس ماتيس مع الإدارة الجديدة فيما يخص الملف الإيراني، فيعرف عن الجنرال ماتيس، البالغ من العمر 66 عامًا، والذي سيصبح الجنرال الثاني الذي سيقود وزارة الدفاع بعد الجنرال جورج مارشال عام 1950، بعد تفويض خاص من الكونجرس، أنه من العسكريين السابقين المعروفين بصراعاتهم مع إدارة أوباما، خاصة حول الشأن الإيراني، وسبق أن وصف تلك السياسات الديمقراطية ب«التهديد الوحيد في تحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط»، بحسب قوله. ورغم انتقاد ماتيس الواضح لاتفاق إيران النووي، إلا أنه قلل في وقت سابق من هذا العام من حدة تصريحاته هذه، متحدثًا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، بأن الاتفاق النووي قد يكون الخيار الوحيد، أخذًا في الاعتبار غياب شهية الناس للتوجه إلى الحرب مع تلك البلاد، وقال: «سيتعين علينا الاعتراف بأنه لدينا اتفاق للحد من التسلح غير المثالي»، مشيرًا إلى أن «ما حققناه يمثل فترة استراحة، وليس وقفًا للنووي الإيراني» على حد تعبيره. صعوده في الجيش الأمريكي دخل الجنرال مايتس إلى قوات المارينز في التاسعة عشرة من عمره، وقاتل في حرب الخليج، ثم انتقل إلى حرب أفغانستان، حيث كان من قادة مشاة البحرية «المارينز»، وكان قد رُقِّي في صفوف قوات مشاة البحرية قائدًا لفرقة من القوات الأمريكية في جنوبأفغانستان عام 2001. وسبق له أن خدم في العراق، وشاركت في هذه الحرب عام 2003، حيث كان قائدًا لقوات المارينز، ورُقِّي إلى «ميجور جنرال»، وبعدها بسنة لعب دورًا مهمًّا في معركة الفلوجة، بما فيها من تفاوض مع المسلحين داخل المدينة في إبريل 2004، لكن تلك المعركة وصفت من أطراف أخرى بأنها من أكثر المعارك دموية، حيث وجهت لماتيس اتهامات باستخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا. في مايو 2004 أصدر ماتيس أمرًا بقصف منزل «مقاتل أجنبي مشتبه به» بقرية عراقية، تبين بعدها أن الهدف كان حفل زفاف، مما أسفر عن مقتل 42 من الرجال والنساء الذين كانوا يحضرون الحفل. وأكد الجنرال ماتيس أن مناقشة توجيه الضربة من عدمها استغرقت منه 30 ثانية. وتولى مسؤولية تحول القيادة العليا لحلف شمال الأطلنطي، وشغل كرسي قيادة القوات الأمريكية التي تتولى الإشراف التام على العمليات العسكرية بكل من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، مشرفًا على الحروب في العراقوأفغانستان والصراعات في سوريا واليمن، قبل أن يحال إلى التقاعد في مارس 2013. ومن قراءة تاريخه العسكري في العراقوأفغانستان، يعتبر جيمس ماتيس مهندس الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط، وهو أميل إلى خيار المواجهات العسكرية، وهذا ما يجعل ترشيحه مثيرًا للتساؤل حول رسائل ترامب إلى منطقة الشرق الأوسط، والتي ترفع شعار «أمريكا أولًا».. بعيدًا عن صراعات الشرق الأوسط وحروبها. تاريخ المرشح لمنصب وزير الدفاع في ساحات الحروب وخبراته وأجنداته تؤكد أنه إذا ما استلم هذا المنصب بعد الموافقه عليه من قِبَل الكونجرس، وهذا أمر متوقع، فلن يتبع منهجية الديمقراطيين بالمنطقة، والتي اعتمدت على الانسحاب، فمجرد ترشيحه أثار مخاوف الكثيرين؛ لأنه مهندس الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي ظل إشرافه ارتكبت جرائم حرب. التعاون مع مصر عن العلاقات مع مصر صرح الجنرال الأمريكى جيمس ماتيس لصحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها في أغسطس الماضى بعنوان «العلاقات التعاونية مع الجيش المصري تفيد الولاياتالمتحدة»، قائلًا: «نحتاج مصر من أجل قناة السويس ومعاهدة السلام مع إسرائيل، كما نحتاجها فى مواصلة القتال ضد عناصر إرهابية متطرفة، والتي تشكل تهديدًا على عملية انتقال مصر إلى مرحلة الحياة الديمقراطية، وأيضًا على المصالح الأمريكية». علاقته بالكيان الصهيوني لا يختلف في سياسته تجاه القضية الفلسطينية وصراع الفلسطينيين مع الاحتلال الإسرائيلي عن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتي اعتمدت على السياسة البراجماتية في تحقيق المصالح الأمريكية والحليف الصهيوني في الشرق الأوسط، بالتزامن مع دعوات السلام البعيدة كل البعد عن الواقع، فرغم أنه من داعمي حل الدولتين، ويعتقد أن المستوطنات تضر باحتمالات السلام المزعوم، إلَّا أن سياساته في الشرق الأوسط تستهدف بوضوح استقرار الكيان الصهيوني وإشعال الدول العربية من حوله، وظهر ذلك بدفاعه عن تفوق تسليح إسرائيل في الشرق الأوسط، ومناهضته للاتفاق النووي الإيراني الذي سيؤدي في النهاية إلى طهران نووية، وهو ما يؤثر على استقرار إسرائيل. الموقع الصهيوني ديبكا كان واضحًا في تعليقه على هذا الاختيار بأن ماتيس سيكون أفضل تعاونًا مع الكيان الصهيوني من أي شخص آخر، حيث قال: «تقارب وجهات النظر بين وزارة الدفاع الإسرائيلية ومثيلتها الأمريكية يمكن أن يصل إلى أوجه تحت قيادة الجنرال الأمريكي جيمس ماتيس، والملقب ب«الكلب المجنون»، والذي وصفه «ديبكا» بأنه «يمكن أن يكون كلب إسرائيل المجنون».