بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا على أول مفاوضات هولندية بلجيكية حول إعادة ترسيم الحدود بينهما، توصل الجانبان في الفترة الأخيرة إلى اتفاق ينص على تبادل سلمي للأراضي في حضور العائلة الملكية لكل من البلدين، لكن يؤكد المراقبون أن هذه الاتفاقية هي حبر على ورق ما دام برلمان الشعب لم يوقع عليها. وبينما تتصارع وتتنازع دول حول العالم على الأراضي الحدودية التي يتم السيطرة عليها بفعل العداء أو التنازع أو التنازل لأسباب تاريخية، وقع الدولتان الجارتان اتفاقًا للتبادل؛ لأنهما وجدتا عناء كبيرًا في الأمور الإجرائية والقضائية، وذلك بهدف تسهيل الملاحة النهرية وبعض الأمور القانونية بحسب تصريحات رسمية. وبموجب المعاهدة الجديدة ستتنازل بلجيكالهولندا عن 14 هكتارًا من الأراضي، وسترجع منها 3 هكتارات في تعديل للحدود يلمس مناطق حدودية بالقرب من مدينة ماستريخت الهولندية، ومدينة فيزيه البلجيكية، حيث سيتم تبادل الأراضي غير المأهولة بالسكان، وذلك بعد سنوات من المفاوضات بين الطرفين، وستكون بلجيكا بهذا الاتفاق قدمت للجانب الهولندي شبه جزيرة صغيرة تربطها فقط بهولندا، وحصلت في المقابل على قطعة أخرى قريبة من جارتها. وتقع شبه الجزيرة في منطقة بالقرب من القرية البلجيكة الحدودية "فيزية" التي تقع في إقليم والونيا، بين مقاطعة ليمبورج البلجيكية، ومقاطعة ليمبورج الهولندية، وعلى الرغم من أنها تنتمي إلى بلجيكا، إلا أن الوصول إليها لم يعد متاحًا من بلجيكا، ويعود ذلك إلى تغير طبيعي في مجرى نهر المايس تسبب في عزل المنطقة عن الأراضي البلجيكية، فأصبحت تشكل شبه جزيرة مرتبطة برًّا بالأراضي الهولندية فقط. وأصبحت المنطقة عصية الوصول على الشرطة البلجيكية؛ لعدم احتوائها على مهبط للطائرات، وبحكم القوانين الدولية لا يمكن للشرطة الهولندية دخولها. ومع مرور الوقت بدت المنطقة شبه خالية من سلطة القانون، فوجد فيها تجار المخدرات والمجرمون مرتعًا خصبًا لهم، وبعد بحث الأمر اتفق البلدان على أن تتنازل بلجيكا عن الأرض لهولندا؛ كونها قادرة على بسط الأمن فيها؛ نظرًا للظروف اللوجستية، وتأخذ بلجيكا عوضًا عنها قطعة أرض صغيرة بُنيت مؤخرًا قرب الحدود. يأتي هذا التبادل السلمي بعد مرور ما يقارب قرنين على ترسيم الحدود بين البلدين (اتفاقية حدود القائمة منذ عام 1843)، التي شكلت حدودهما مزارًا للسياح، حيث تتداخل على نحو من الممكن أن تقسم أرض البيت الواحد والمقهى، وحتى الشخص من الممكن أن تطأ قدمه اليمنى هولندا واليسرى بلجيكا. وحدثت جولات عدة من المفاوضات؛ لإعادة ترسيم الحدود منذ ثمانينيات القرن الماضي، دون أن تتكلل بنجاح، إلى أن تم التوقيع قبل أشهر على مسودة اتفاق، أكد المسؤولون أنه لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد موافقة البرلمانات المحلية لدى الطرفين، الأمر الذي قد يأخذ زمنًا حتى بداية عام 2018، وأكد الطرفان أن أي اتفاقيات تخص ترسيم الحدود أو التنازل عن الأراضي – بحسب نص القانون والدستور – لن تكون في يد الدولة ومسؤوليها فقط، بل سترجع للشعب وموكله البرلمان. وبحسب الدستور البليجكي فإن حدود الدولة والمحافظات والبلديات لا يمكن تغييرها أو تصحيحها إلا عن طريق القانون. وقال وزير الخارجية الهولندي "بيرت كوندرز" في حفل التوقيع في أمستردام "لقد أظهرنا أن بلجيكاوهولندا قد نجحتا كجارتين طيبتين في التكيف مع الحدود بشكل سلمي". لكن على الرغم من التصريحات الرسمية الحميمية، تشير بعض التقارير والتصريحات البلجيكية إلى أن هناك ردود أفعال متباينة نتيجة هذه الاتفاقية قد تؤثر على الاتفاقية، فبالنظر إلى الاتفاق يتضح أن بلجيكا هي الخاسرة؛ لأنها سوف تستغني عن شبه جزيرة تمتد في نهر "الميز" المليء بالطيور والنباتات الغنية، وهو ما سيكون نقطة خلاف في البرلمان البليجكي بحسب المتابعين. وعلى الجانب الآخر يرى البعض أن هناك إيجابية لبلجيكا في هذه الاتفاقية، حيث سيتخلص البلد المقر للاتحاد الأوروبي (بروكسل) من كابوس قانوني تطور عبر الزمن؛ وهو أن النهر عمل على تحويل جزء من الأراضي التابعة لبلجيكا؛ لتكون مرتبطة أكثر بهولندا. وأكد المؤيدون لهذه الخطوة أن الجزء البلجيكي المرتبط بهولندا بدأ بطرح بعض المشاكل، وخاصة بعدما أصبح ملاذًا آمنًا لتجار المخدرات والمغامرات الجنسية، كما أثير الملف أكثر بسبب العثور على جثة مقطوعة الرأس في الجزيرة، فقبل حوالي أربع سنوات عثر المارة على جثة، ولم يتمكن الهولنديون من الذهاب إلى هناك؛ لأنها كانت أراضي بلجيكية، بينما وجدت الشرطة البلجيكية والسلطات القضائية الأمر غاية في الصعوبة للوصول إلى هناك دون المرور عبر الأراضي الهولندية.