مع اقتراب انعقاد قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، التي تستضيفها البحرين في ديسمبر المقبل، يعود الحديث عن تجدد الدعوة لإنشاء الاتحاد الخليجي، الذي قد يفضح مدى وجود خلافات بين الدول الخليجية وبعضها، خاصة بين السعودية وقطر والبحرين من جانب وسلطنة عمان من جانب آخر. الاتحاد الخليجي.. إحياء الفكرة قبل أيام قليلة، خرج وزير شؤون مجلس الشورى والنواب البحريني، غانم البوعينين، ليعلن أن الاتحاد الخليجي قد يتم إنشاؤه من دون سلطنة عمان، وأضاف الوزير حينها: من يريد أن يكون في التعاون فليبق، وعُمان مقدرة، وربما من الصدف أن السلطان قابوس هو الوحيد الذي بقي من قادة دول الخليج الذين أسسوا مجلس التعاون، لكن يجب ألَّا نقف عند موقف واحد، وقال الوزير الذي يعد أحد قيادات جمعية الأصالة السلفية: كوني مسؤولًا بحرينيًّا عن لجنة تنفيذ قرارات القمم الخليجية، وتشرفت برئاسة آخر اجتماع في الرياض، أقول إن هناك توجهًا جيدًا من الدول الأعضاء لهذا المشروع، وكشف أن ملف الاتحاد الخليجي سيكون ضمن ملفات قمة مجلس دول مجلس التعاون التي تستضيفها المنامة الشهر المقبل. في الوقت ذاته فإن فكرة إقصاء سلطنة عمان من الاتحاد بهذه السهولة التي تحدث بها الوزير البحريني لم تكن مفاجأة، حيث سبق أن صرح رئيس المخابرات السعودية السابق، تركي الفيصل، في ديسمبر 2013 بأن «الاتحاد سيقوم يومًا ما، وهو آتٍ، حتى دون عُمان»، الأمر الذي أعطى مؤشرات سابقة بإمكانية التخلي عن الوحدة والترابط والاندماج، التي طالما تغنت بها الدول الخليجية، حيث تصب كل تلك التصريحات في خانة أنه إذا بقيت عمان متشبثة برأيها وموقفها الرافض لإقامة الاتحاد الخليجي على انقاض مجلس التعاون الخليجي، فإن ذلك لن يعرقل إنشاء الاتحاد، بمعنى أن الاتحاد سيقوم سواء بعمان أو بدونها. فكرة إنشاء اتحاد خليجي كبديل عن مجلس التعاون الخليجي لم تكن جديدة، حيث سبق أن طرحها الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في قمة الرياض الخليجية عام 2011، كمحاولة للوصول للوحدة الاندماجية المنصوص عليها في بنود تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981، لكن سلطنة عمان عارضت هذه الفكرة حينها، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تعلن فيها سلطنة عمان معارضتها الصريحة، وبشكل علني لقيام «الاتحاد الخليجي». إقصاء السلطنة.. لماذا الآن؟ طالما عُرف عن سلطنة عمان وقائدها السلطان قابوس بن سعيد، ميولها للابتعاد عن ضجيج الصراعات والاضطرابات الإقليمية والدولية، وهو ما ظهر جليًّا في سياسيات السلطنة الخارجية، التي تحرص على السير على نهج «صفر المشاكل» ولا تسعى إلى إثاره أي عداوات مع القوى الإقليمية أو الدولية، بل تربطها علاقات وثيقة مع الدول كافة، الأمر الذي يجعلها وسيطًا محايدًا يمكن اللجوء إليه في العديد من الأزمات، وهو ما حدث بالفعل في المفاوضات النووية بين إيران والمجموعه السداسية، والأزمة اليمنية والسورية؛ نظرًا لتفردها بمواقفها من قضايا المنطقة، وعدم خضوعها لأي من الضغوط المحيطة بها. تلك السياسة العمانية لم تروق للعديد من الدول الخليجية التي تريد من عمان موقفًا واضحًا داعمًا لمواقفها وتورطاتها في أزمات المنطقة، ففي الأزمة السورية لم تبادر السلطنة بأي خطوة لقطع العلاقات مع سوريا وحكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، وهو الموقف المغاير لموقفها الذي اتخذته العديد من الدول الخليجية، التي سارعت بسحب سفيرها وغلق سفاراتها وقطع علاقاتها مع الجمهورية السورية، وعلى رأس تلك الدول السعودية وقطر والبحرين، بل ظلت العلاقات العمانية السورية قوية ولم توصد السفارة العمانية أبوابها نهائيًّا في دمشق، ناهيك عن الزيارات المتكررة بين المسؤولين في السلطنة وسوريا. سياسة عمان في الأزمة اليمنية لم تختلف كثيرًا عن سياساتها في الأزمة السورية، حيث لم تبد السلطنة يومًا دعمها لتدخل السعودية في اليمن، إذ إنها لم تشارك في «عاصفة الحزم» ولا في التحالف العربي؛ لأنها وفق تصريحات وزير خارجيتها، يوسف بن علوي «لا تريد الدخول في حرب مع أحد، وليست مع أي حرب في أي مكان، وترى أن الحروب لا تحل المشكلات». الخلافات الأخيرة بين السعودية وإيران أيضًا فضحت التنافر بين العديد من الدول الخليجية وسلطنة عمان، ففي الوقت الذي سعت فيه المملكة إلى جر العديد من الدول إلى صفوفها وإظهار معاداتها لإيران، تفردت عمان بموقفها وحافظت على علاقاتها مع طهران ولم تسع إلى تهميش علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإيرانية، بل أظهرت السلطنة علاقتها الدبلوماسية الوثيقة مع طهران في العديد من المواقف، حتى إن قرار مجلس التعاون الخليجي باعتبار حزب الله منظمة إرهابية، سارعت عمان إلى توضيحة وقالت، إنها غير معنية بما جرى بالقرار كما أنها غير معنية بالاشتباك الإقليمي والنزاعات الدائرة بالمنطقة، وأنها لا تريد الدخول في سياسة المحاور. لماذا ترفض عمان الانضمام؟ مع محاولات الدول الخليجية استقطاب المزيد من الدول العربية لصفوفها ودعم سياساتها المعادية للمحور الإيراني الروسي السوري، ترى سلطنة عمان أن الهدف المرجو من إنشاء الاتحاد الخليجي في هذا التوقيت، هو مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، على غرار الهدف من إنشاء التحالف الإسلامي الذي أعلنت عنه السعودية في ديسمبر الماضي، الأمر الذي يخالف سياسات عمان الخارجية في التعامل مع الأزمات بين جيرانها، حيث تملك عمان علاقات استراتيجية واقتصادية وتجارية قوية وكبيرة مع طهران. الاتحاد يهدد وحدة البيت الخليجي بالنظر إلى سياسات المملكة العربية السعودية المتهورة في الفترة الأخيرة، وسعيها إلى تنفيذ استراتيجية معينة، بغض النظر عن إمكانية أن تؤدي تلك الاستراتيجية إلى معاداة أقرب الدول التي كانت متحالفة معها، يمكن القول إن المملكة لن تهدأ إلَّا بإنشاء الاتحاد، حتى إن كان سيؤدي ذلك إلى تدمير وحدة البيت الخليجي، على عكس الهدف المُعلن من إنشائه، وهو زيادة الوحدة والاندماج والترابط بين أعضاء المنطقة الخليجية، حيث توحي المؤشرات إلى أن جدول أعمال القمة المقبلة لمجلس التعاون الخليجي ستشهد وضع اللبنة الأولى للاتحاد، كبديل لمجلس التعاون، وبإقصاء سلطنة عمان من هذا الاتحاد، سيكون الاتحاد مكونًا من الدول الخليجية الخمس، السعودية والبحرين وقطر والإمارات والكويت، وهي الدول التي تسير إلى حد كبير على نهج وسياسات المملكة الخارجية، وهي أيضًا الدول التي دخلت في التحالف العربي بقيادة السعودية الذي يخوض حربًا في اليمن.