نعاود الحديث والتكرار الذي لن نمل منه أبدا, يمكننا الاختلاف مع جميع الأنظمة التي حكمت مصر منذ بداية الخليقة, ويمكن أيضا انتقاد قرار سياسي بالتنازل عن جزء من الأراضي المصرية, ووجود مخاوف لدينا من تدخل القوات المسلحة في الحياة العامة لتوفير احتياجات داخل المجتمع المصري مثلما حدث في أزمة لبن الأطفال, حرصا منا على انشغالها بغير دورها الحقيقي. أما الحديث عن التجنيد الإجباري عن دولة واحدة بمعزل عن باقي الدول الأخرى التي تجعل التجنيد لديها إجباريا أيضا, لا يمكن اعتباره مجرد عمل صحفي, أو عمل إنساني, فلماذا لم تتحدث قناة الجزيرة عن جيش الاحتلال الصهيوني الذي يجعل الجيش إلزاميا على الإناث والذكور، وتمتد فيه فترة الاحتياط إلى سن ال43 من عمر المجند، يقضي شهرا كل عام في وحدته حتى انتهاء مدة الاحتياط. لا يمكن مناقشة فيلم قناة الجزيرة عن الجيش المصري بمعزل عن أمور أخرى فعلتها القناة بنفس الصيغة مع دول في المحيط العربي, فلا يمكن مثلاً غض الطرف عن تسمية القناة لإرهابيي داعش بتنظيم الدولة الإسلامية, في مقابل إطلاقها على جنود الجيش العربي السوري ميليشيات الأسد, بجانب تسميتها لإرهابيي جبهة النصرة والجيش الحر وكل من هم على شاكلتهم بالمعارضة المسلحة. هذا فيما يخص سوريا، أما في العراق، وعندما قرر الجيش هناك محاربة داعش بمساعدة بعض التنظيمات الوطنية كالحشد الشعبي الذي وافق البرلمان على قانون دمجه بالجيش, نجد القناة تتحدث عن الحشد بصيغة طائفية، متجاهلة عمدا الطبيعة السكانية للمواطنين, كما هو الحال في اليمن, حيث تطلق على الحوثيين هناك ميليشيات، لكنها لا ترى مجازر من دول تركت حدودها وخرجت لتقتل في شعب آخر لحسابات طائفية وسياسية. كل هذا وإن كان لا يلاحظه الكثيرون، فإنه يشكل في العقل الباطل وجهة نظر تجاه المشاهد الذي لا يعي طبيعة ما يحدث دون توجيه مثل ما تفعله القناة القطرية, كل ما سبق من سياستها قد لا يكون ملحوظا, أما استضافتها للمتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال الصهيوني في كل كبيرة وصغيرة أظنه يعطي توضيحا لمن يريد فهم أهداف القناة في المنطقة العربية. عندما تحدثت الجزيرة عن الجيش المصري أخذت في الاعتبار أن الخطاب الطائفي لن يجدي مع المجتمع المصري، وأن الحديث عن سنة وشيعة في هذا المجتمع لن يأتي ثماره سريعا مثلما حدث في الأمثلة السابقة, فاتجهت إلى طريق آخر بعمل رديء فنيا, لكن أظنها تعي أن هذا الخطاب قد يكون له صدى. لم يحدث لي الشرف إني خدمت في الجيش المصري، لذلك أنا لست في محل تقييم طبيعة البيئة العسكرية بالداخل, ما يهمني ألا يحدث ما تتمناه القناة التي ساعدت في تدمير جيوش المنطقة بالكامل عدا جيش الاحتلال, وما أعرفه جيدا أن وقت الحرب يكون مصدر معلوماتي هو جيش بلدي فقط. في النهاية، ما قد يكون سقط من ذاكرة البعض أن الخلاف السياسي مع النظام الحاكم في سوريا هو ما أوصلها للوضع الحالي نتيجة أشياء انحرافات كثيرة، لكن كان الهدف الأكبر هو كسر شوكة جيش مقاوم, فإذا كان هناك خلاف سياسي مع النظام المصري الحالي، فضرورة إخراج الجيش المصري من المعادلة السياسية واجب وطني.