لم يجد البنك المركزي في مصر أي خيار في وقت سابق من هذا الشهر سوى تعويم الجنيه المصري وترك قيمته يحددها السوق. تعويم العملة، وهو مطلب رئيس لصندوق النقد الدولي لحصول مصر على قرض 12 مليار دولار، من المفترض أن يساعد على تعزيز احتياطيات العملات الأجنبية لجذب الاستثمار الأجنبي وإعطاء مصر ما يكفي من النقود لاستيراد سلع أساسية رئيسية مثل المواد الغذائية والوقود. الأسباب وراء انهيار الجنيه بالطبع معروفة جيدا. السؤال الأهم من ذلك هو ما الأزمات التي ستتبع انهيار الجنيه، وكم من المصريين سوف يتأثرون بهذه الخطوة؟ في 3 نوفمبر، اليوم الأول من تعويم الجنيه، انخفض معدل الصرف الرسمي مقابل العملات الأجنبية بنسبة 65%، حيث انخفض الجنيه المصري إلى 17.54 مقابل الدولار من 8.78 قبل التعويم. وبذلك، في غضون بضعة ساعات فقد المصريون أكثر من 65 % من قيمة أموالهم. وحتى اليوم، يرى المصريون أموالهم تتبخر في جيوبهم، ولكن كيف سيتطور الأمر؟ هنا أربعة سيناريوهات تتكشف كنتيجة مباشرة للتعويم وانهيار سعر الصرف: فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء: انهيار الجنيه سيؤدي إلى زيادة كبيرة في معدلات التضخم في مصر، وهو ما يعني زيادة في التوزيع غير العادل للثروة بين شعبها. رجال الأعمال والأثرياء الذين يحافظون على أموالهم بالعملة الأجنبية سوف يروا أصولهم المالية تتضاعف في حين الفقراء سيزدادون فقرا والطبقة الوسطى ستنزلق تحت خط الفقر. ارتفاع جنوني للأسعار: الانخفاض في قيمة الجنيه بنسبة 65% لا يعني أن الأسعار سترتفع بشكل متناسب. في الواقع، فإن سعر عدد من المنتجات الأساسية والسلع المستوردة ارتفع بنسبة 200 :300%. ونتيجة لذلك، الملايين من العمال المحليين يغرقون في ضائقة مالية واقتصادية حادة في الوقت الذي لا يوجد شركات و مؤسسات سواء عامة أو خاصة تستطيع رفع أجور موظفيها لتتناسب مع هذا الارتفاع الكبير في الأسعار. الأهم من ذلك، فإن قرار تعويم الجنيه سيكون له تأثير كبير على أموال ومدخرات المصريين بالعملة المحلية. صحيح رفع البنك المركزي أسعار الفائدة على الجنيه بنسبة 5%. لكن تلك ال 5 % الزائدة في الفائدة على الودائع سيتم دفعها في غضون عام من الآن في حين فقد أصحاب الحسابات المصرفية 65 % من قيمة أموالهم في يوم واحد. بعبارة أوضح، صادرت الحكومة فعليا 65٪ من أموال الناس في يوم واحد ومن ثم عوضتهم ب 5 % موزعة على سنة كاملة. سندات قناة السويس: بعد تعويم الجنيه المصري، أصبح من الواضح أن 1.1 مليون مواطن مصري الذين هرعوا لشراء سندات الاستثمار في قناة السويس تم خداعهم، حيث لم تعد تأتِ بالعوائد المتوقعة بعد انهيار سعر الصرف. جدير بالذكر أن وزير المالية المصري قد أعلن عن رفع فائدة شهادات استثمار قناة السويس الجديدة من 12 % إلى 15,5%، للأعوام الثلاث المتبقية من فترة الشهادات. لكن في الوقت نفسه أسعار الفائدة على سندات البنك التقليدية بالجنيه المصري الآن بعد التعويم تتجاوز تلك النسبة وتصل إلى 16 و20 %. بالتالي، فإن أسعار الفائدة على حسابات التوفير والسندات البنكية – التي لا تتناسب مطلقا مع خسائر المصريين الناجمة عن انهيار سعر الصرف – هي أفضل من الأرباح الناتجة عن سندات قناة السويس. ومن الضروري هنا توضيح أن المشكلة مع سندات قناة السويس هي أنها تختلف عن السندات التقليدية التي تصدرها الحكومات في جميع أنحاء العالم. سندات قناة السويس لا يمكن تعميمها، سواء في البيع أو النقل، مما يعني أن حامل السند يجب عليه الانتظار خمس سنوات لاستعادة استثماره الأصلي. التعويم ليس حلا للأزمة: ختاما، فإن تعويم الجنيه المصري هو مجرد محاولة يائسة وليس حلا للأزمة الاقتصادية في مصر. فالأزمات المقبلة ستكون أكثر حدة، حيث الوضع الاقتصادي للسكان سيزداد تدهورا. سوف يشهد المصريون القوة الشرائية للجنيه تتدهور، والملايين من المصريين يتساقطون تحت خط الفقر بينما الأموال والمدخرات والاستثمارات المحلية ستتبخر تدريجيا.