مما لا شك فيه أنه لا يمكن فصل الساحة السورية عن العراقية؛ نظرًا للخطوط الحدودية الكبيرة التي تجمع بين البلدين، وأي انتصار عسكري ضد الإرهاب في بلد أن ينعكس على الآخر، وبالتالي فإن إلقاء نظرة على التقدمات العسكرية في سوريا يجب أن يتزامن مع ما يحدث في العراق. سوريا يبدو أن الجيش العربي السوري مصمم على استعادة الأراضي السورية كافة، التي وقعت في قبضة الفصائل الإرهابية المسلحة، كداعش وجبهة النصرة «فتح الشام» حاليًّا، وبموازاة القرار السوري هناك قرار روسي يبدو أنه استراتيجي، إذا ما أخذ بعين الاعتبار الكم الهائل للحشد العسكري الروسي على السواحل السورية من حاملات طائرات وغواصات وأنظمة دفاع الجوي، وعتاد عسكري ثقيل من صواريخ وخلافه. وتأتي هذه الغارات متزامنة مع إعلان روسيا الثلاثاء الماضي بدء عملية عسكرية جوية واسعة ضد مواقع ومقرات وتحصينات التنظيمات الإرهابية في كل من ريف حمص وسط سوريا ومحافظة إدلب وريفها بالإضافة لحلب. حلب استؤنفت الغارات الجوية يوم الثلاثاء الماضي، بعد انتهاء هدنة مدتها ثلاثة أسابيع أعلنتها روسيا، الحليف الوثيق للحكومة السورية، وقصف الجيش السوري أحياء عدة شرقي حلب، بينما دارت معارك عنيفة مع المعارضة المسلحة في أحياء جمعية الزهراء والهلك وبستان الباشا. وشنت روسيا، الثلاثاء الماضي، ضربات صاروخية منسقة ضد مقاتلي المعارضة المسلحة في مناطق أخرى من سوريا، واستخدمت لأول مرة حاملة طائراتها الوحيدة «أميرال كوزنتسوف»، وأعلن الكرملين، الأربعاء الماضي، أن وقف الضربات الجوية الروسية لأهداف في مدينة حلب لا يزال ساريًا في الوقت الراهن، بعد أن كانت حاملة الطائرات الروسية بدأت بقصف أهداف في وسط سوريا. وقال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، خلال اجتماع مع الرئيس فلاديمير بوتن وقيادة الأركان: لأول مرة في تاريخ الأسطول الروسي شاركت حاملة الطائرات أميرال كوزنتسوف في عمليات مسلحة. ويعزو مراقبون قلة كثافة الضربات الجوية على أحياء حلب الشرقية إلى أن الكثير من العوامل تشكل عائقًا، وعلى رأسها تواجد المدنيين بأعداد تصل إلى حوالي 200 ألف مدني، إضافة إلى تظاهرات بدأت تحدث بمواجهة الإرهابيين، ربما تشكل حالة ضاغطة، قد تسرع بخروج المسلحين وتجنيب أحياء حلب الشرقية الدم والدمار. حمص وأدلب وحماة تواصلت الأربعاء العمليات الجوية الروسية السورية ضد الإرهابيين في حمص وإدلب بسوريا، حيث تصاعد القصف الجوي الروسي والسوري لمواقع تنظيم داعش في ريف حمص الشرقي والشمالي الشرقي، تزامنًا مع عمليات قصف مقرات وتحصينات جبهة النصرة بمحافظة إدلب وريفها شمال سوريا، ونفذ الطيران الحربي السوري غارات مكثفة على مواقع المسلحين وتحصيناتهم في ريف حماة الشمالي، وقال مصدر عسكري سوري: الطيران الحربي السوري دمر آليات ومقار لمسلحي ما يعرف بجيش الفتح في عدد من قرى وبلدات ريفي حماة وإدلب، موضحًا أن الغارات الجوية استهدفت تجمعات وتحصينات المجموعات المسلحة في طيبة الإمام ومورك ومعركبة بريف حماة الشمالي، وأشار المصدر إلى أن السلاح الجوى استهدف أيضًا مجموعات مسلحة كانت تحاول التسلل في محيط بلدة اللطامنة وشمال كفر زيتا، مما أدى إلى تدمير مقار للمجموعات المسلحة ودبابات وعربات مدرعة، إضافة إلى القضاء على عدد كبير من المسلحين. وفي ريف إدلب الجنوبي شن الطيران الحربي سلسلة غارات على تحصينات المسلحين وأرتالهم في خان شيخون وأريحا والتمانعة والهبيط وكفرنبل واحسم، مما أسفر عن تدمير مقار وآليات، إضافة إلى إيقاع عدد من المسلحين قتلى وجرحى. وتنتشر في ريفي حماة وإدلب مجموعات مسلحة تابعة لتنظيم جبهة النصرة، وما يسمى أحرار الشام وصقور الشام وفيلق الشام وأجناد الشام وغيرها من التنظيمات، المنضوية تحت جناح ما يعرف ب«جيش الفتح»، إضافة إلى مجموعات تابعة ل«جند الأقصى»، الموالي لتنظيم داعش الإرهابي الذي ينتشر في ريف حمص الشرقي. العراق التركيز على الساحة العراقية بالغ الأهمية، فالتحركات ضد الإرهاب في بلاد الرافدين ينعكس مباشرة على سوريا، خاصة أن تقدم قوات الحشد الشعبي بمنطقة تلعفر له أهمية كبيرة على سوريا، فتلعفر تعد نقطة الوصل بين داعش العراقية في الموصل وداعش السورية في الرقة، حيث تمكنت قوات الحشد الشعبي العراقية من تحرير مطار تلعفر بالكامل من قبضة تنظيم داعش، حسبما صرح المتحدث باسم القوات أحمد الأسدي. وبالنسبة لقضاء تلعفر فقد أكد الأسدي أن تحرير مطار تلعفر يمثل نقطة انطلاق لقوات الحشد لتحرير مركز قضاء تلعفر، وقطع آخر خطوط الإمداد لداعش بين الموصل وتلعفر. النقطة المهمة في تلعفر، وفقًا لما قاله المتحدث باسم قوات الحشد الشعبي، أن القوات ستؤمن الحدود العراقية السورية بغطاء جوي، بعد استعادة المطار وإعادة تأهيله، وفي بادرة تشير إلى حسن النية من قوات الحشد أعلن عضو مجلس محافظة نينوي حسام الدين العبار، الخميس الماضي، أن قوات الحشد الشعبي بدأت بتسليم 16 قرية محررة في قضاء تلعفر غرب مدينة الموصل إلى الفرقة 15 من الجيش العراقي. جدير بالذكر أن انسحاب قوات الحشد الشعبي من الأماكن التي حررها لم يقابله بادرة حسن نية من قوات البيشمركة الكردية، والتي تقاتل هي الأخرى تحت سقف القوات العراقية في معركة الموصل، حيث قال رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، الأربعاء الماضي: قوات البيشمركة الكردية لن تنسحب من المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم داعش الإرهابي في العراق. وهو الأمر الذي من شأنه إرباك الساحة العراقية في ظل مطالب إقليم كوردستان بالاستقلال، وعدم خروجه من المناطق المحررة، مما يعني مزيدًا من التوسع لهذا الإقليم.