في ظل وقاحة الاحتلال، طرح الكيان الصهيوني اليوم الثلاثاء، عطاءات على تراخيص لاستكشاف الغاز والنفط قبالة السواحل الفلسطينية في البحر المتوسط، في أول عملية طرح منذ قرابة أربع سنوات. الكيان الصهيوني يبني آمالًا كبيرة على اكتشاف المزيد من حقول الغاز في المتوسط، خاصة بعد اكتشاف حقلي تامار وليفياتان على سواحل المتوسط في عام 2009 وعام 2010، بالإضافة إلى أن هذا الاكتشاف يأتي في ظل تراجع مخزون حقل "تامار" الذي يحوي حوالى 238 مليار متر مكعب من الغاز، ويقع على بعد 130 كلم قبالة ساحل حيفا المتوسطي، ومن المقرر بدء استغلال مخزون ليفياتان في 2019. الغاز الفلسطيني المنهوب لا يزيد من قدرات الكيان الصهيوني في مواجهة الداخل الفلسطيني، بل يزيد من قوة إسرائيل في أي مواجهة مع محيطها العربي، فإسرائيل تتطلع، أن تحولها الاكتشافات الحقلية الجديدة، كحقل "ليفياتان" إلى كيان مصدر للغاز، الأمر الذي يقوي مركزها الاقتصادي في المنطقة العربية، في ظل اقتصادها المتهالك وأنظمتها السياسية المضطربة، حيث تقدر مخزونات حقل ليفياتان بما لا يقل عن 535 مليار متر مكعب من الغاز، وهي ضعف كمية الغاز المكتشفة في حقل "تامار". وأعلنت وزارة الطاقة الصهيونية أنه سيتم طرح عطاءات لاستكشاف 24 حقلا بحريا في الجولة الأولى من العطاءات التي تبدأ الثلاثاء، وتنتهي في مارس 2017، ويبلغ نطاق كل واحد منها 400 كيلومتر مربع، أي بمساحة إجمالية تقدر ب 9600 كم. وتكمن خطورة الاكتشافات الإسرائيلية الجديدة في أنها ليست فقط تؤمن استقلاليتها من موارد الطاقة كونها تعتمد كثيرا على الخارج، بل أيضا يمكنها تصدير الغاز المغصوب من إقامة روابط استراتيجية جديدة في المنطقة العربية، فالأردن على سبيل المثال أبرم في سبتمبر الماضي اتفاقا لتزويده بالغاز من حوض ليفياتان، وينص الاتفاق على إمداد الأردن بنحو 8,4 ملايين متر مكعب من الغاز يوميا لمدة 15 عاما، مع خيار إضافة 1,4 مليون متر مكعب، وهو بمثابة شرعنة عربية لإسرائيل باستثمار غاز فلسطينالمحتلة، وتهيئ العالم العربي لدعم اقتصاد إسرائيل في ظل الضغوط الإسرائيلية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني من قتل ودمار وفرض حصار جائر عليه من خلال غلق المعابر. كما أن اتفاق إسرائيل مع تركيا الشهر الماضي على بدء المحادثات لبناء خط أنابيب لضخ الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، الأمر الذي يشرعن علاقة المسلمين، باعتبار تركيا دولة مسلمة، هذه المرة مع الكيان الصهيوني عبر اتفاقيات الغاز. حقول الغاز الفلسطينية تقدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية احتياطي الغاز في هذه الحقول الفلسطينية بستة أضعاف كمية الغاز الطبيعي من الاحتياطات الحالية لدى الدول المجاورة. في المقابل، نجد أن الجانب الفلسطيني لا يستطيع المطالبة بحقوله الغازية في البحر المتوسط عبر ميناء غزة الذي يقع تحت السيطرة الفلسطينية، لعدة أسباب، أهمها أن المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بغزة تبلغ خمسة أضعاف ما تمنحه إياها إسرائيل، وبالتالي قلصت تل أبيب مساحة الفلسطينيين من حيث المبدأ في مجال البحث عن حقوقهم من الغاز في المتوسط، ورغم أن السلطة الفلسطينية يمكنها المطالبة بحقوق الفلسطينيين في الغاز ما دام أنها تحظى باعتراف أكثر من 150 دولة عضو في المنظمة الأممية، لأنها أصبحت منذ عام 2012 تحظى بصفة دولة مراقب غير عضو في الأممالمتحدة، لكنها لا تستطيع هي والأممالمتحدة فرض هذه المطالب الشرعية على الكيان الصهيوني. إسرائيل حتى اليوم مازالت تسرق الموارد الطبيعية الفلسطينية سواء مياه البر أو غاز البحر، ومازالت تستثمر نقطة عدم ترسيم الحدود المائية بين فلسطينالمحتلة والدول المعنية ومنها مصر وتركيا وقبرص ولبنان، في تمييع المطالب الفلسطينية خاصة أن ترسيم الحدود المائية يحتاج لوقت طويل لأن المسألة معقدة خاصة في ظل وجود خلافات بين بعض الدول. ونجد أن تل أبيب تستثمر موضوع صفقات الغاز مع الدول العربية لصالحها من عدة نقاط، فمن ناحية أي صفقة غاز بين إسرائيل والدول العربية يعني تطبيع اقتصادي صريح يشي بقبول هذه الأنظمة العربية بوجود هذا الكيان السرطاني في المنطقة والتعامل معه كأنه دولة صديقة، ومن ناحية أخرى إبرام الصفقات مع العرب ينحيهم عن الدفاع عن القضية المركزية للعرب والمسلمين وهي فلسطين، خاصة أن أحد الحلول الممكنة لاستعادة فلسطين لحقوقها في الغاز، أن تعقد السلطة الفلسطينية تحالفا فلسطينيا مصريا للمطالبة بحقوق الطرفين في غاز البحر المتوسط، الأمر الذي لن يحدث في ظل تردد أخبار إعلامية عن صفقات غاز بين القاهرة وتل أبيب كتلك التي أبرمتها الأردن. ويرى مراقبون أنه في الوقت الحالي يتعين على الجانب الفلسطيني التحرك على الصعيد الدولي وشن حملة على الكيان الصهيوني وعلى الشركات التي تنقب عن الغاز وتنتهك بالتالي الحقوق الفلسطينية.