أثارت إقالة البرلمان الأفغاني 5 وزراء، خلال يومين، لعدم الكفاءة، جدلًا واسعًا داخل أفغانستان، ورغم أن الحدث بذاته عادي ويمكن أن يمر دون أن يثير الاهتمام، إلا أن الوضع في افغانستان جعل الأمر مختلفا، فهذا البلد لا يزال يعيش في ظل أوضاع تتسم بالتوتر، وهناك حرب ضروس مع الإرهاب تدور رحاها في أقاليم مختلفة وخاصة الجنوبية، حيث عادت طالبان للساحة الأفغانية وبقوة بعد أن تمكنت من إعادة تنظيم صفوفها في الفترة الأخيرة بعد العمليات التي نفذتها في الشهور القليلة الماضية، فضلًا عن بقاء قوات الناتو داخل البلاد. وكان البرلمان الأفغاني أقال وزيرين من الحكومة، بعد يوم واحد من إقالة 3 وزراء اتهمهم بضعف الأداء، كما قرر البرلمان استجواب 11 وزيرا آخرين من أصل 25 يشكلون الحكومة، رغم مناشدات الرئيس أشرف غني، والرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله، للمجلس وقف تحركاته التي تهدد بانهيار الحكومة. وحجب البرلمان الثقة عن وزير المواصلات ووزير التعليم، الأحد، بينما أقال وزير الخارجية، ووزير الأشغال العامة، ووزيرة العمل من مناصبهم، بعدما اتضح أن وزاراتهم أنفقت أقل من 70% من الميزانيات السنوية المخصصة لها، وكان وزير المالية إكليل حكيمي، الوحيد الذي أفلت من الإقالة بعد أن أسفر تصويت الثقة عليه عن بقائه في الحكومة. وقال بيان أصدره مكتب غني، إن الرئاسة لا تريد المواجهة وتحترم قرار البرلمان، إلا أنها طلبت من مجلس النواب تعليق العملية، وهو ما تجاهله المجلس وأصر على مناقشة بشأن صلاحية الوزراء، وأكد أنه من المحتمل أن يصوت البرلمان -الذي يمنحه الدستور الحق في عزل الوزراء- على سحب الثقة من 11 وزيرا آخرين. واتهم أعضاء البرلمان، في وقت سابق، رئيسه عبد الرؤوف إبراهيمي، بالرضوخ لمطالب الحكومة بتأجيل النقاش ورفع الجلسة، إلا أن رئيس لجنة الأمن بالبرلمان ميرداد ناجربي، دعا الرئيس أشرف غني، ورئيس الحكومة عبد الله عبد الله، أن يخبروا النواب أن قرارهم بخصوص الوزراء يهدد بأزمة سياسية كبرى للحكومة خلال هذه المرحلة المهمة، لكنه في النهاية استجاب لضغوط النواب وأرسل إلى 3 وزراء يدعوهم للاستجواب خلال ساعة وإلا سيقترع على سحب الثقة عليهم في غيابهم، ولم يأت أي من الوزراء الثلاثة، واقترع البرلمان على سحب الثقة منهم الأمر الذي أدى الى إقالة اثنين وإفلات وزير المالية من الإقالة. تشكلت حكومة الوحدة الوطنية الأفغانية في ديسمبر 2014 عقب انتخابات رئاسية تلتها 3 أشهر من الاحتجاج على النتائج قبل أن يتولى غني، الرئاسة ومنافسه عبد الله، رئاسة الحكومة، لكن كان من المفترض أن تشهد البلاد انتخابات برلمانية وتشكيل مجلس دستوري جديد خلال عامين حسب اتفاق، لكن ذلك لم يحدث رغم انتهاء المدة المحددة في أبريل الماضي. وحسب الاتفاقية، تولى المرشح الفائز في الانتخابات الرئاسية أشرف غني، رئاسة البلاد، بينما تولى المرشح الآخر عبد الله عبد الله، منصب رئيس الوزراء، واقتسما السلطات السيادية في البلاد، ولم يتم إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في أفغانستان عام 2014 إلا بعد عدة أشهر، الأمر الذي سبب خلافات كبيرة واتهامات من عبد الله عبد الله، لمنافسه أشرف غني، بتزوير الانتخابات، ما هدد بانزلاق البلاد إلى حرب أهلية، وتم توقيع الاتفاق الذي سمح بوجود قوات أمريكية على أراضي البلاد لتدريب القوات الأفغانية برعاية أمريكية كاملة. ولفهم الوضع الافغاني أكثر، يقول مراقبون، إن افغانستان تعيش أزمة ثقة واسعة داخل الحكم، فبعد أن اتفق غني، وعبد الله، على تقاسم السلطة قبل عامين، خرجت انتقادات في الفترة الأخيرة من قبل الأخير تقول إن الرئيس هو المسؤول عن الانقسام الداخلي في البلاد، ووجه عبد الله قبل يومين انتقادًا شديدًا إلى حليفه أشرف غني، معتبرًا أنه "غير أهل لترؤس أفغانستان"، ما يظهر الانقسام الداخلي العميق الذي يهدد حكومة الوحدة. وقال عبدالله، خلال تجمع في كابول مساء الخميس، إن "الإصلاحات الانتخابية كانت أحد الوعود التي أطلقت عند تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، فلماذا لم يتم إجراء هذه الاصلاحات؟"، وأكد أن الرئيس لم يستقبله في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وخاطب غني قائلا: "بماذا تمضي وقتك؟ هناك خلافات في كل الحكومات ولكن إذا لم يكن لدى شخص صبر للنقاش فإنه غير أهل للرئاسة". وينتظر أن يشكل الوضع السياسي المتدهور في أفغانستان أزمة كبرى، إذ تمر الحكومة الائتلافية في أفغانستان في الوقت الراهن بحالة من الارتباك، لاسيما مع ارتفاع وتيرة الضربات من قبل حركة طالبان في ظل حملة الربيع التي تشنها ضد القوات الحكومية في البلاد، مع ضغط من قبل البرلمان الحكومي في اتخاذ خطوات قوية لمواجهة تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية ومواجهة الجماعات المسلحة، وفي ظل استمرار إقالات الوزراء، حيث اعتبر البرلمان مسؤولي الحكومة الأفغانية الائتلافية أنها فاشلة في مهمتها، ولا تهتم بمطالبات المجلس، كما أن الحكومة لا تسمح لمسؤوليها بأن يستجوبهم المجلس.