مع انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، تتغير استراتيجية الإدارة الأمريكية في التعامل مع الأزمات العالمية والإقليمية، خاصة أن الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما، ينتمي للحزب الديموقراطي، وهو ما يجعله يختلف كليًّا عن ترامب، المنتمي للحزب الجمهوري، وهذا الأمر اتضح جليًّا في الشأن السوري، فرغم اتضاح سياسة ترامب تجاه سوريا منذ حملته الانتخابية، إلَّا أن تصريحاته عقب انتخابه فرضت المزيد من السيناريوهات في مستقبل التعامل الأمريكي مع الأزمة السورية. ترامب في سوريا.. نقله نوعية في اليوم الثاني من استشاراته لتشكيل الحكومة، وفي إطار اجتماعاته مع فريق حملته الانتخابية في مقر إقامته ومكاتبه ببرج ترامب في الجادة الخامسة في نيويورك، لبحث المرحلة الانتقالية التي تسبق توليه السلطة في البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، بدا الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، أكثر مرونة فيما يتعلق بموقفه من الملف السوري، وكأنه يسعى لإحداث نقلة نوعية في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، حيث قال ترامب: كان لديَّ رأي مغاير عن الكثيرين بشأن سوريا، مقترحًا مضاعفة التركيز على مقاتلة تنظيم داعش في سوريا عوضًا عن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم. وقال ترامب في ذات الشأن: موقفي هو التالي أنت تقاتل سوريا، وسوريا تقاتل داعش وعليك القضاء على هذا التنظيم، روسيا اليوم تقف تمامًا في صف سوريا، واليوم أصبح لديك إيران التي تزداد نفوذًا بسببنا والواقفة في صف سوريا، حاليًا نحن ندعم فصائل معارضة تقاتل سوريا ولا فكرة إطلاقًا لدينا عمن يكون هؤلاء الأشخاص، مضيفًا أنه في حال هاجمت الولاياتالمتحدة الأسد فهذا يعني في النهاية أننا نقاتل روسيا. في الإطار ذاته، أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، عن نيته إجراء اتصال هاتفي قريبًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقال ترامب في حديث لصحيفة وول ستريت جورنال، إنه استلم رسالة رائعة من بوتين، ولديهما قريبًا اتصال هاتفي. تصريحات ترامب حول طريقة تعامله مع الملف السوري ليست جديدة ولم تُكن مفاجئة، حيث سبق أن أعلن خلال حملته الانتخابية أنه لن يقاتل لإسقاط الرئيس السوري، بشار الأسد، وإنما سيقاتل لمطاردة تنظيم داعش لأن النتائج التي يمكن أن تترتب على إسقاط الأسد قد تكون أكثر كارثية من نظيراتها في العراق وليبيا واليمن. أوباما يستفيق: «النصرة» إرهابية في الوقت نفسه، فجر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، باراك أوباما، مفاجأة بشأن الأزمة السورية، حيث نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين أمريكيين، ما مفادة أن الرئيس باراك أوباما أمر وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» بالعمل على إيجاد وقتل قادة الجماعة المتصلة بالقاعدة في سوريا «جبهة النصرة»، وقال المسؤولون في الإدارة: إن ذلك يعكس قلق أوباما من أن تتحول أجزاء من سوريا إلى قاعدة جديدة لانطلاق عمليات لتنظيم القاعدة، ووفق الصحيفة، فإن الأوامر الصادرة عن أوباما، تعطي القيادة المشتركة للجيش الأمريكي وقيادة العمليات الخاصة المشتركة، سلطة أوسع وموارد إضافية لجمع المعلومات الاستخبارية لملاحقة قيادة النصرة، وليس فقط قدامى المحاربين من تنظيم القاعدة أو المتورطين مباشرة في التآمر الخارجي. وتابعت الصحيفة أن مساعدي أوباما يقولون، إنه محبط من عدم بذل وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات مزيدًا من الجهد لقتل قادة تنظيم القاعدة، رغم التحذيرات التي تلقاها من كبار مسؤولي مكافحة الإرهاب عن التهديدات التي يمثلها هذا التنظيم، وأوضحت أنه في الخلاصات اليومية التي يتلقاها أوباما من الاستخبارات، التي تعد الأكثر سريّة، قيل له مرارًا وتكرارًا خلال الصيف، إن النصرة كانت تسمح لقادة تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان، بإيجاد ملاذ في شمال غرب سوريا، هو الأكبر منذ 11 سبتمبر عام 2001، وحذر المسؤولون أوباما من أن النصرة قد تحاول ملء الفراغ الذي سينشأ بعد تنظيم داعش. «النصرة».. تاريخ من الدعم الأمريكي جبهة النصرة تعتبر من التنظيمات الإرهابية التي طالما سعت الإدارة الأمريكية إلى دعمها سياسيًّا ولوجستيًّا، رغم أن روسيا طالبت الولاياتالمتحدة بالكف عن تقديم المال والسلاح للجبهة المتطرفة، كما أن «النصرة» كانت في طليعة التنظيمات التي تقاتل ضد الحكومة والجيش السوري، وكانت الإدارة الأمريكية قد سعت إلى تجاهل استهدافها إلى حد كبير حتى وقت متأخر، كما أنها سعت إلى اعتبارها من «المعارضة المعتدلة» التي يحظر على روسيا استهدافها، الأمر الذي أبعد قادة التنظيم المتطرف عن الاستهداف إلى حد كبير، وهو ما كانت تريده واشنطن بالظبط لأنها تعلم جيدًا أن «المعارضة المعتدلة» كما تسميها، لن تستطيع تدمير الدولة السورية وجيشها كما تريد الإدارة الأمريكية إلَّا بدعم جبهة النصرة لما تمتلكه من خبرة إرهابية وأعداد كبيرة من المقاتلين والعتاد العسكري، وعندما كشفت النصرة عن وجهها الإرهابي وباتت على لوائح الإرهاب، سعت إلى تغيير جلدها من خلال استبدال الاسم والراية بإيعاز أمريكي، لتصبح جبهة فتح الشام بدلًا من جبهة النصرة، إلَّا أن مبادئ الأولى ظلت مشابهة لتلك التي لدى تنظيم القاعدة. حرق آخر أوراق اللعبة يرى مراقبون أن الخطوة المفاجئة التي اتخذها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، باراك أوباما، بتوجيه أوامر لاستهداف قادة التنظيم تعتبر محاولة منه لحرق آخر أوراق اللعبة التي كان يستخدمها لإشعال الساحة السورية، حيث كان يتخذ أوباما جبهة النصرة كرأس حربة له يستخدمها أينما يشاء ووقتما يشاء، ويطلق عليها شعار المعارضة المعتدلة لتجنيبها ويلات الصواريخ والهجمات الروسية والسورية، لكن مع قرب انتهاء حقبته الرئاسية التي لم يبق منها سوى ثلاثة أشهر، وانتخاب الرئيس الجديد، دونالد ترامب، للولايات المتحدة، واتضاح أن سياسة ترامب ستكون مختلفة كليًّا عن سياسة أوباما في سوريا، اختار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته أن يحرق آخر أوراق لعبته في سوريا حتى لا تنكشف سياسته على يد ترامب ولا يظهر أنه كان داعمًا أساسيًّا للإرهاب وتنظيم القاعدة، الأمر الذي يدفع إلى القول بأن أوباما بات مدركًا لحقيقة أنه لن يكون هناك ضغط كبير على الأسد في الفترة المقبلة، خاصة إذا تعاون ترامب مع بوتين في سوريا وباتت المصالح واحدة، وفق ما أعلن ترامب. في الشأن ذاته، بات أوباما وإدارته يدركان جيدًا أن دونالد ترامب سيعمل بنصائح مستشاره الجنرال، مايكل فلاين، الذي كان مديرًا للمخابرات العسكرية الأمريكية في عهد أوباما حتى 2014، ونصح الرئيس بالتنسيق مع روسيا في سوريا، لكنه قدم استقالته بعدما فشل في مسعى إقناع أوباما بذلك، ويحث الجنرال فلاين على ضرورة التنسيق مع روسيا في مكافحة تنظيم داعش؛ لأنه عدو الجميع، ويقول هذا الجنرال، إن سياسة واشنطن غير الرصينة قد تسببت في ظهور هذا التنظيم المتطرف. المراوغات والمماطلات والعناد والمكابرة السابقة من قِبَل الولاياتالمتحدة تجاه مطالبات روسيا لها بفصل المعارضة عن التنظيمات الإرهابية، والإعلان في هذا التوقيت قبل خروج أوباما من البيت الأبيض عن بداية استهداف قادة النصرة، وتزامن ذلك مع انطلاق تصريحات ترامب بشأن سياسته في سوريا، كل هذا يطرح تساؤلًا مهمًّا قد يشرح أسباب اتخاذ أوباما تلك الخطوة في ذلك الوقت، فبدون شك لو كانت المرشحة الديموقراطية، هيلاري كلينتون، هي التي فازت في الانتخابات الرئاسية ما كان أوباما أقدم على هذه الخطوة.