لدى إسرائيل 6 غواصات من طراز «دولفين»، أخرهم ستدخل الخدمة العام القادم، وهي الغواصة التي تضمن تفوق نوعي لسلاح البحرية الإسرائيلي، كذا تفوق استراتيجي من حيث إمكانية حمل هذا النوع من الغواصات صواريخ بعيدة المدى من طراز «جيركو» التي بإمكانها حمل رؤوس نووية. ومثلت صفقة «دولفين» بين تل أبيب وبرلين حادثة فريدة من نوعها في تاريخ الصفقات المماثلة بين الدول، سواء من ناحية الحجم والإمكانيات، أو من ناحية التكلفة والثمن الذي تحملت معظمه الحكومة الألمانية بسبب نشاط الحملات الدعائية الصهيونية منذ تسعينيات القرن الماضي، واستغلال العقدة التاريخية الألمانية تجاه إسرائيل، فغني عن الذكر أن برلين تعد ثاني أكبر مورد للأسلحة لتل أبيب بعد واشنطن، بفارق أن صفقة الغواصات تحملت الحكومة الألمانية معظم تكلفتها، والأن وبعد انتهاء الصفقة طويلة الأمد التي أبرمت ونفذت على مدار العقود الثلاثة الماضية، ترصد الحكومة الإسرائيلية في الأسبوع الماضي ميزانية لشراء 3 غواصات من نفس النوع. وبالنظر إلى مسار صفقات «دولفين» منذ تسعينيات القرن الماضي ودوافع إسرائيل، نجد أن بداية الصفقة تمت كقطع طريق على تملك دول عربية وإقليمية لهذا النوع المتطور من الغواصات التقليدية –المسيرة بالديزل لا الطاقة النووية- وضمان أن تكون إسرائيل هي المستورد الوحيد في المنطقة لهذا الطراز من ألمانيا، وبالفعل لم تكفل الحكومة الألمانية معظم تكاليف بناء الغواصات الستة فحسب، ولكن أيضاً تعهدت بأن لا تحوزها سوى تل أبيب، وذلك بعد ثورة الأخيرة تجاه احتمالية عقد صفقة بين بغداد إبان عهد الرئيس الأسبق، صدام حسين، مع برلين إبان حكومة المستشار الأسبق هيلموت كول، والتي بدأت عقبها وبسببها الصفقة طويلة الأمد بين إسرائيل وألمانيا، وشهدت تطورات على صعيد الكم والكيف؛ فالصفقة التي بدأت بثلاث غواصات سرعان ما انتهت إلى ستة مع تعديلات خاصة وحصرية للبحرية الإسرائيلية، كما أن مبرر هذه الطفرة الكمّية والنوعية من الجانب الإسرائيلي تطور من الحيلولة دون أن يحصل عليها عراق صدام حسين، إلى منعها على كل دول المنطقة، ثم استحداث مبدأ ضمان ألمانيا لأمن إسرائيل، وأخيراً مواجهة إسرائيل للخطر الإيراني. لكن بالتدقيق في مسار غواصات «دولفين» الستة وكذلك المبررات والدوافع التي سيّقت للتعاقد على الغواصات الثلاثة الجُدد، نجد أنه بخلاف الدوافع والتخوفات السابقة، والتي أخرها مواجهة الخطر الإيراني وإيجاد ذراع طويلة رادعة لتل أبيب في المياه الإقليمية والدولية في المنطقة نجد أن هناك دافع خفي وخافت مهم هو ضمان ومحاولة إسرائيل المستدامة التفوق على البحرية المصرية، والتي طالما أكدت تفوقها الكمي والنوعي على نظيرتها الإسرائيلية طيلة الأعوام الماضية، فنجد أن هناك أصوات في إسرائيل طيلة العقود الماضية تتحدث عن ضرورة بقاء التفرد والتفوق النوعي الإسرائيلي في سلاح الغواصات عن نظيره المصري، ونجد أيضاً أن المحادثات المبدئية التي دارت بين القاهرةوبرلين في بدايات الألفية الجديدة حول شراء مصر لغواصات «دولفين» هي من جعلت تل أبيب تعمل على مبدأ حصر توريد الغواصة الألمانية لها فقط بين دول المنطقة. اللافت أيضاً أن تطور مسار صفقة غواصات «دولفين» الستة، وأيضاً الثلاثة الجُدد يأتي بعد طفرة كمية ونوعية في سلاح البحرية المصرية في السنوات الأخيرة، بداية من الزوارق الشبحية السريعة الأميركية «كورفيت إمباسادور إم كي 3»، والأخيرة كانت تل أبيب قد أبدت انزعاجها بشأن توريد واشنطن لها مع صواريخ «هابورن» البحرية، مروراً بحاملتي المروحيات الفرنسية من طراز «ميسترال» واللتان ستزودان بمروحيات هجومية روسية من طراز «كا-52»، وكذلك الفرقاطة «فريم» والطرادات الشبحية «كورفيت جويند» الفرنسيتين أيضاً، وصولاً إلى غواصات «تايب209» الألمانية.
ومثلت صفقة «تايب 209» ذروة القلق الإسرائيلي، حيث أن هذه الصفقة تضرب التفوق النوعي والكمي لسلاح الغواصات الإسرائيلية، والتي مثلت خط الأمان أمام تفوق البحرية المصرية الكمي والنوعي كون مصر الدولة الأكبر في سلاح البحرية من حيث الكم والكيّف أيضاً بعد طفرة الأسلحة الفرنسية والألمانية والأميركية في السنوات الأخيرة، والتي تضمن تفوق استراتيجي على المدى البعيد كون أن بعض منها سيصنع في مصر مثل طرادات «جويند»، وبالتالي فإن وجود «تايب209» في حوزة مصر مثل جرس إنذار في تل أبيب لاعتبارات كثيرة، أولها أن غواصة «دولفين» تعد النسخة المطورة عن «تايب 209»، وأن الأولى تتميز عن الأخيرة في مسألة إمكانية إطلاق الصواريخ بعيدة المدى، والتي لا تحتاج مصر إليها كونها لا تمتلك صواريخ باليستية بعيدة المدى ولا تحتاج إليها عملياً، كما أن البحرية المصرية تحقق بعوامل الكمّ والانتشار الجغرافي المتمثل في موقع مصر ما أرادت إسرائيل تغطيته بامتلاك «دولفين» خارج سواحل فلسطينالمحتلة كذراع طويلة في أماكن تتواجد فيها البحرية المصرية بشكل اعتيادي قبل نشأة الكيان الصهيوني، بل حتى أن مصر بأسطولها المحدث من حاملات المروحيات والطرادات والفرقاطات الحديثة، قد أبعدت مدى التنافس في مجال السيطرة والنفوذ البحري بينها وبين أي دولة في المنطقة بما فيها إسرائيل إلى حد كبير من الصعب التعويل على تقليصه في المستقبل القريب بتفوق إسرائيلي نوعي في سلاح الغواصات. وفي هذا السياق، نجد أن محللين إسرائيليين قد تحدثوا عن ما يسمى ب"سيطرة الأعماق"، أي أن المسار شبه الوحيد لملاحقة التطور الكيفي ثم النوعي للبحرية المصرية هو التفوق النوعي والكمي لسلاح الغواصات الإسرائيلي، ممثلاً في صفقات «دولفين»، فيرى جاي بيخور، المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت" في مقال له بالجريدة سبتمبر 2014 عنوانه "هيمنة إسرائيل على الأعماق"، أن سعي إسرائيل الكبير لامتلاك أسطول غواصات قوي، لا يتوفر إلا لدول مثل قليلة بخلاف روسيا والولايات المتحدة والصين، وهو ما سيوفر لإسرائيل "اليد الأطول" في أي مواجهات قادمة في المنطقة. وفي إشارة لتفوق البحرية الإسرائيلية لأول مرة على البحرية المصرية لأول مرة بفضل أسطول الغواصات، قال بيخور أن "التفوق النوعي والعددي للبحرية المصرية على البحرية الإسرائيلية أصبح غير ذا قيمة بعد التفوق الإسرائيلي في أعماق البحار، وأن القاهرة القلقة حالياً لا تملك موارد تجعلها تلحق بإسرائيل في هذا المضمار، حيث أن تكلفة الغواصة الواحدة تتراوح ما بين 500 إلى 850 مليون دولار"، لافتاً النظر إلى عدم صلاحية سلاح الغواصات المصري، واصفاً إياه ب"عفا عليه الزمن"، مضيفاً "أن مصر لم تعد تهتم كما السابق بمسألة غواصات «دولفين» وتملك إسرائيل لها سابقاً، والنظام الحاكم الآن لا يستطيع الآن شراءها".
لكن الأن وفيما يبدو من تصريحات إسرائيلية تعبر عن قلق متصاعد من الطفرة التي ضمنت للبحرية المصرية تفوق كمي ونوعي على المدى الطويل، فإن تل أبيب بات لديها قناعة أن الإجراء الوحيد الذي تستطيع القيام به لمواجهة هذا الأمر هو مزيد من الهيمنة على الأعماق، وإن سيق في المقابل دعاية إسرائيلية بأن غواصات «دولفين» القديمة والجديدة تأتي لمواجهة خطر إيران، ولكن الواقع والمصادفات والتصريحات تؤكد أن تل أبيب لديها أهداف في تطوير سلاح غواصاتها يتجاوز مسألة مواجهة إيران، ولكن لدواعي معاهدة السلام فإن التصريح المباشر بذلك الأمر لن يكون مناسباَ. وبخلاف تفوق البحرية المصرية الحالي وقت السلم فإنه هناك تاريخ طويل من التفوق والانتصار للبحرية المصرية على نظيرتها الإسرائيلية منذ نشأتها وحتى حرب1973، كما أن البحرية الإسرائيلية في مجمل تاريخها لم تحقق انتصاراً ساطعاً في أي من الصدامات والحروب التي دخلتها، حتى أنه يمكن القول أن الحد الأدنى من التسليح المضاد للجهة المقابلة لإسرائيل في أي حرب استطاع تحييد البحرية الإسرائيلية، وحرب لبنان 2006 خير مثال، فبعدما تم ضرب المدمرة «ساعر-5» بواسطة صاروخ أرض بحر من جانب حزب الله، خرجت البحرية الإسرائيلية من المعركة، والتي كانت فيما مضى تعتمد على عدم امتلاك الجهة المقابلة سواء في لبنان أو غزة أي سلاح بحري لضمان "التفوق" البديهي، فما بالك إذا كانت الجهة المقابلة دولة تمتلك سلاح بحري قوي مثل مصر.