لم يكن قرار الدكتور محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية السابق الفرار من المشهد السياسي المصري فجأة وفي لحظة حرجة.. قرارا عشوائيا.. فالرجل الذي ملأ الساحة السياسية بالضجيج علي مدار سنوات بدأت مع مناهضته الواضحة لنظام مبارك.. مرورا بظهوره علي شاشات قناة دريم الفضائية مع المذيعة مني الشاذلي، ليقول إن مصر مال حالها منذ بدأت ثورة يوليو 1952.. ثم تبنيه لقضية خالد سعيد.. ثم ظهوره الشديد علي الساحة مع أحداث 25 يناير 2011.. وصولا إلي استقالته المباغتة قبيل فض اعتصام الإخوان المسلمين ومناصري الرئيس الفاشل المعزول محمد مرسي.. هذا الرجل لا يرحل أبدا وكأنه فص ملح وذاب.. هو عادة يرحل عندما تكتمل المهمة. هذا ما تقوله لنا سيرته الذاتية وبالذات في الجزء الخاص بتدمير العراق.. وتدمير قدرات سوريا البحثية في المجال الذري.. وأيضا تدمير البرنامج العلمي المصري في مجال أبحاث الطاقة النووية.. ولعله ليس سرا أن أحداث 25 يناير التي اندلعت في عام 2011 تزامنت مع طرح مناقصة عالمية لتوريد مفاعل نووي لمصر للبدء في إنتاج الكهرباء من منطقة الضبعة.. هذه المناقصة راحت.. وقد طواها النسيان.. للأبد !! البرادعي هو رجل يعرف رجال المخابرات الأمريكية طريقه ويعرفهم وصلاته بالإدارة الأمريكية وثيقة.. بحسب ما قاله في مقابلة مع جواناتان مان مراسل محطة CNN الأمريكية بعد ساعات من إعلان منحه جائزة نويل للسلام في 7 أكتوبر 2005 وهي المقابلة التي اعتبرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية واحدة من وثائقها.. وهو الرجل ذاته الذي علق أخيرا وزير خارجية بريطانيا هيج علي استقالته علي أنها انتكاسة.. دون أن يوضح ما اذا كانت هذه الانتكاسة للبريطانيين أم للأمريكيين أم للمصريين.. فما الذي كان يعرفه هيج عن مهمة البرادعي كنائب رئيس جمهورية مصر.. ولم نكن نعرفه؟! لكن المثير: أنه في كل مهمة كان البرادعي يتولاها كان هناك دائما طرف يتعرض للخيانة.. في مهمته بشأن العراق خان بغداد واستدعي التدخل العسكري الأمريكي والبريطاني ولم يجد أحد أبدا ما زعم البرادعي أنه برنامج للسلاح النووي وبرنامج للحرب الكيماوية باستخدام أسلحة الدمار الشامل.. وقد أظهر تقرير لجنة اللورد شيلكوت بوضوح تام أن 'عداء' جهة التفتيش للعراق كان وراء تضليل الحكومة البريطانية في هذا الخصوص وبالتالي تورطها في غزو دولة عربية ذات سيادة وفي تقارير البرادعي عن سوريا تحريض واضح لصالح إسرائيل.. بل إنه أنب الإسرائيليين علي أنهم قصفوا منشآت سورية كان من شأنها – لو لم تدمرها إسرائيل- أن تودي بسوريا إلي مصير العراق !! وفي التقرير الذي أعده البرادعي عن مصر.. كان يناضل من أجل إدراج القاهرة في لائحة الدول المارقة.. اعتمادا علي قصاصات الصحف!! فرار البرادعي من المشهد في مصر في واحدة من أصعب لحظات تاريخها.. ليس له سوي معني واحد.. المهمة انتهت.. لكن السؤال الكبير.. من الذي تعرض للخيانة هذه المرة؟ في تقارير البرادعي لمجلس محافظي الوكالة عن مصر 'وهي تقاير سرية بدرجة: محظور التداول' نجد أن هناك ميلا في صياغة هذه التقارير لاعتبار أن هذه الدولة 'مشبوهة' وأن عليهما أن تقدم – طوعا أو كرها- أدلة قوية علي أنها ليست كذلك!! لكن الأكثر إثارة هو، أن الأساس القانوني لهذه الشبهة يكمن في مجرد توقيع مصر علي اتفاقية منع الانتشار النووي، أي أن رغبة مصر في الإسهام في إقرار الأمن والسلم في العالم باتت هي الورطة التي أوقعت نفسها فيها، وأنه لا بديل لها سوي الإذعان لما ألزمت به نفسها.. الأخطر: أن مصادر الوكالة ومديرها عن أي مخالفات تتعلق بما تري أنه 'إخلال' بواجبات هذه الدولة تجاه الاتفاقية الدولية هي مصادر هلامية، أي غير محددة الجهة وغير مسموح بنقاش مصداقيتها ودرجة حيدتها ونزاهتها، فوكالة البرادعي في تقاريرها المقدمة ضد مصر في 2005 تستند إلي 'المجهول' في اتهاماتها، وعلي القاهرة أن تقدم البراهين المادية علي براءتها من أي تهمة تنسب إليها وألا تكون قد 'فشلت' في الوفاء بالتزاماتها تجاه الوكالة !! وفي تقرير الدكتور البرادعي ضد مصر المقدم منه إلي مجلس المحافظين في 14 فبراير 2005 نجد من أول كلمة في عنوان التقرير الذي يقع في 6 صفحات بالإنجليزية كل معاني الاشتباه والرغبة في التعامل مع الدول بوصفها قاصراً يقع تحت وصاية المجلس الحسبي للوكالة، يقول العنوان: نفاذية اتفاق ضمانات منع الانتشار النووي في جمهورية مصر العربية.. وكلمة 'نفاذية implementation ' نجد في أصلها باللغة الإنجليزية كل سياقات الإذعان لحكم مسبق، ومن الواضح أن اختيار هذا اللفظ هو الذي يدفع بالبرادعي لأن يوضح قضيته في الفقرة الأولي بالإشارة إلي هذا 'الحكم المسبق' وبالنص: دخل الاتفاق بين جمهورية مصر العربية وبين الوكالة علي تطبيق الضمانات المتصلة باتفاقية منع اتتشار السلاح النووي حيز القوة entered into force في 30 يونيو 1982، وقد وافقت مصر في 1 إبريل 1997 علي تعديل الترتيبات الفرعية للاتفاقية بما يشمل القيام بالانصياع to comply 'أي الطاعة والاستجابة والإذعان وفقا للقواميس اللغوية' لقرارات مجلس الوكالة !! ولأن الدكتور البرادعي رجل قانون، فهو يعرف تماما خطورة النصوص وأهمية دقة ألفاظها، ولذلك تتكرر في هذه الفقرة ألفاظ 'الاتفاق' وهو التعاقد بين شخصين يعترفان نصا أو ضمنا بأهليتهما للتعاقد وتساوي موقفهما القانوني، وكذلك لفظ 'اتفاقية' وهي إشارة لإطار يتم من خلاله تعاون دولي بين أطراف متعددة، ومن عجب أن الوثيقة التي يشير فيها إلي موافقة مصر علي 'الانصياع' لقرارات مجلس الوكالة والموجودة في أرشيف الوكالة الدولية برقم GOV/2554/Att.2/Rev.2، لا يوجد فيها ظاهرا أو باطنا أن الدولة المصرية قد سلمت إرادتها لهذه الوكالة وألزمت نفسها بالطاعة والاستجابة والإذعان، ومن هنا نجد أن النص في التقرير السري المقدم ضد مصر يستند في صياغته القانونية التي قام بها الدكتور البرادعي بنفسه إلي تحايل ولي للحقائق لتوريط مصر فيما سيلي في هذا التقرير من شبهات دفعت بعدد من المحللين الغربيين – فور صدور التقرير - لوضع مصر إلي جانب كوريا الشمالية النووية في خانة واحدة.. اسمها: المروق !! ومن الغريب أن يعترف الدكتور البرادعي في نص تقريره المقدم منه لمجلس محافظي الوكالة، وفي الفقرة الثانية بتعاون مصر مع الوكالة، والتعاون هنا لا يذكر نصا أبداً رغم أن 'التعاون' هو الأساس الذي وقعت مصر استنادا إليه، حيث تقول الفقرة الثانية بالنص: بحلول سبتمبر 2004 أخطرت مصر الوكالة بوجود ثلاث منشآت وخمس أخري تقع خارج المنشآت التي تستخدم المواد النووية بحكم العادة customarily.. والمنشآت الثلاث التابعة لهيئة الطاقة الذرية المصرية هي مفاعل البحث النووي المصري بقدرة 2 ميجاوات وآخر بقدرة 22.5 ميجاوات متعدد الاغراض ومشروع إنتاج الوقود، بخلاف معمل- من فئة منشآت الخارج الخمسة - لابحاث الوقود النووي وكلها توجد متجمعة في مركز أنشاص النووي.. والمنشآت الخمس المشار إليها هي التي تقع خارج أنشاص وتشمل مستشفيين ومعمل تحاليل وقسماً للأبحاث في جامعة !! منتهي التحقق الديباجة الرئيسية للتقرير الذي فرض وجوده ما يسميه الدكتور البرادعي 'مطبوعات من مصادر مفتوحة ' استوجبت الاشتباه في مصر وتفتيش منشآتها البحثية النووية السلمية، وعقد عدد غير محدود من الاجتماعات ما بين الوكالة والمسئولين المصريين في كل من القاهرة وفيينا، ونلاحظ هنا أن اللقاء الأخير بين الوكالة والمسئولين المصريين تم قبل 3 أيام من تقديم هذا التقرير السري لمجلس محافظي الوكالة، وهو اللقاء الذي تم في فيينا مقر الوكالة ذاتها.. فما الذي يقوله التقرير بعد ذلك مباشرة. يبدأ التقرير بعنوان فرعي: أنشطة التحقق.. ومن تحته كعنوان ثانوي مكتوب: تجارب تحويل اليورانيوم. تقول الفقرة 9: خلال إجراء اللقاءات والزيارات المشار إليها سابقا، أبلغت مصر الوكالة أنه وقبل الدخول في حيز القوة لاتفاقها بشأن الضمانات، كانت مصر قد استوردت مواد نووية وقامت بأنشطة تحويل لليورانيوم باستخدام بعض من هذه المواد، في استجابة لمطلب الوكالة في سبتمبر 2004 بتوفير قائمة كاملة بالمواد النووية في مصر وتاريخ أنشطة مصر النووية السابقة فإن مصر قدمت في ديسمبر 2004 قائمة أولية بالمواد النووية التي لم يكن لها ذكر في التقرير الذاتي المقدم عام 1982، أو تلك التي تم إنتاجها بالتالي من هذه المواد ولم يتم الإبلاغ عنها للوكالة. فقرة 10: خلال تفتيشات الوكالة في ديسمبر 2004 وزيارة يناير 2005 لأنشاص، قدمت مصر المواد للوكالة للتحقق منها، كما وفرت للوكالة دخول المعامل في مبني الكيمياء النووية بأنشاص، حيث تم إجراء تجارب تحويل اليورانيوم، وقد فسرت مصر هذه التجارب بأنه تم إجراؤها في إطار تطوير العاملين للنهاية الطرفية لدورة الوقود، وأن بعضا من المعدات التي تم استخدامها قد تم تكهينها، وأن الأجزاء الملوثة إشعاعيا قد تم تخزينها في موقع للنفايات في أنشاص، قامت الوكالة بأخذ عينات من المواد النووية، وكانت الاكتشافات الأولية تشير أن مصر 'فشلت' في أن ترصد في تقريرها الذاتي عام 1982 نحو 67 كيلوجراما من اليورانيوم المستورد UF4 و3 كيلوجرام من معدن اليورانيوم ' بعض منه مستورد والبعض الآخر تم إنتاجه من مادة UF4 ونحو 9.5 كيلوجرام من مكونات الثوريوم المستورد، وكميات صغيرة من مواد محلية الصنع من UO2 وUO3 وUF4.. أن تحقق الوكالة من إخطارات مصر بخصوص هذه التجارب لا يزال جاريا. فقرة11: لقد أخطرت مصر أيضا الوكالة أنه قد كان لديها مشروع قامت به هيئة المواد النووية المصرية لمعالجة تركيزات اليورانيوم كنتاج لأنشطة مشروع تنقية حامض الفوسفور الموجود في موقع أنشاص والذي زاره مفتشو الوكالة خلال أعمال التفتيش التي جرت في ديسمبر 2004، وقد أشارت مصر إلي أنها – ورغم أن المشروع لا يزال جاريا- لم تتمكن من أعمال فصل اليورانيوم. وقد قدمت مصر معلومات للوكالة بشأن البرامج الجارية لهيئة المواد النووية لجرش جوهر اليورانيوم في سيناء والصحراء الشرقية، وقد أخطرت مصر الوكالة أن أي إنتاج من تركيزات جوهر اليورانيوم نجم عن أنشطة الجرش لم يكن بالنقاء أو التركيب المطلوب كي يتم إخطار الوكالة به، وقد قامت مصر بترحيل بعض من هذه المواد إلي مقر هيئة المواد النووية في القاهرة، كما مكنت الوكالة من الاطلاع عليها، وتنتوي الوكالة أخذ عينات من هذه المواد لتقدير موقفها فقرة 12: وافقت مصر علي تقديم تصحيحات لتقريرها الذاتي بشأن المواد النووية، وقد طالبت الوكالة مصر بأن تقدم معلومات مفصلة عن مبني الكيمياء النووية بما في ذلك منطقة التخزين الجديدة في البدروم، حيث توجد حاليا المواد النووية التي تم الإخطار عنها أخيرا. إلي هنا انتهت أعمال الوكالة من التحقق في عمليات تحويل اليورانيوم – والتي يفصل التقرير أنها عمليات قامت مصر بالإخطار عن وجودها في زمن سابق وقدمت إخطارات بشأن ما ترتب عليها وما نجم عنها – وبالتالي فهذه الفقرة ليس فيها سوي معلومات تقدمها مصر تعاونا، تقابل بصياغات تثير الشكوك التي لا تجد لها أرضا، بخلاف أن الكميات المشار إليها هي إفادات قدمتها مصر، ولا يوجد في عمليات التحقق أي إشارة للمطبوعات الصادرة في المصادر المفتوحة ولا يوجد ذكر لأي معلومات مستقاة منها تمت مطابقتها مع الواقع أو التحقق منها، وربما يكون تقرير البرادعي قد أتي علي ذكر هذه المطبوعات من باب خلق ذريعة للتفتيش المباغت والمراجعة المفاجئة لمصر في توقيت لا يبعد سنة عن سقوط العراق واكتشاف العالم بأسره أنه لا وجود لأسلحة دمار شامل فيها !! الفقرة 13 وحكايات الفشل يكاد الدكتور البرادعي يرد علينا في فقرته التالية رقم 13 من تقريره السري حيث يقول بالحرف تحت عنوان: تجارب تشعيع اليورانيوم والثوريوم: في ديسمبر 2004 أعلنت مصر أنها ما بين 1990 و2003 قامت بإجراء تجارب تتضمن تشعيعا لكميات صغيرة من اليورانيوم الطبيعي في مفاعلاتها لاختبار عملية إنتاج نظائر مشعة للأغراض الطبية، وأنها لم تقم بالإخطار عن تلك التجارب للوكالة، وهي تجارب يقال إنها تتضمن 12 اختبارا باستخدام ما إجماله كيلو جرام واحد و150 جراما من مكونات اليورانيوم الطبيعي في مفاعل قدرته 2 ميجاوات 'خلال 1990و2003' و4 تجارب باستخدام ما اجماله 240 جراما من مركبات اليورانيوم الطبيعي الذي تم تشعيعه في المفاعل الذي تبلغ قدرته 22.5 ميجاوات 'مابين 1999 و2000 ' بالاضافة لذلك، أخطرت مصر الوكالة أن تسع عينات من الثوريوم تم تشعيعها في مفاعل الأبحاث البالغ قدرته 2 ميجاوات وأن هذه المواد التي تم تشعيعها قد تحللت في 3 معامل في مبني الكيمياء النووية لكن لم يتم فصل البلوتونيوم أو اليورانيوم 233 خلال هذه التجارب، وقد شرحت مصر أن هذه المعامل لم يتم الإخطار عنها للوكالة لأن الغرض منها فحسب استخدامها لإنتاج النظائر المشعة، وقد أشارت مصر أنها قامت بتجارب مماثلة قبل دخول اتفاق الضمانات حيز القوة وأنها تمت ما بين 1982 و1988 وأنه لم يكن ممكنا تدبير الأوراق التي توثق هذه التجارب. الفقرة14: في ديسمبر 2004، وقد اتخذت الوكالة عينات من مبني الكيمياء النووية يقال إن لها صلة بهذه التجارب بغرض التأكد من المعلومات المقدمة من مصر، كما قدمت مصر للوكالة وثائق اختبارات ذات صلة بتجارب التشعيع، وفي فبراير 2005 قدمت مصر معلومات تفصيلية معدلة عن المفاعلين، كما وافقت مصر أيضا علي تقديم تقارير ذات صلة بتغيير التصميمات. أهم ما ترتب علي هذه الفقرات في هذا التقرير، أن إسرائيل ورجالها قد التقطوا الفقرة 10 والفقرة 13 للتشهير بمصر، والتحريض عليها، وفي واحدة من هذه الحملات كان تفسير تقرير البرادعي موضعا للتشهير به شخصيا إذ اعتبروه رخوا ومترددا في تقريره، إذ لم يتبع هذه الفقرات بالتبليغ عن مصر لتقع تحت البند السابع بوصفها تهديدا للأمن والسلم الدولي، لكن المثير والمدهش بالفعل أن تقريرا صحفيا نشر في موقع نيوزماكس بتاريخ 5 يناير 2005 أي قبل شهر وأسبوع من إصدار البرادعي أصلا لتقريره التحريضي الذي وضع مصر في خانة المشبوه النووي في العالم، صدر بعنوان الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقول مصر تنتج مواد نووية.. وفيه قال التقرير الصادر من فيينا قبل تقديم البرادعي لتقريره أصلا: اكتشفت الوكالة الدولية دليلا علي تجارب نووية سرية في مصر من شأنها إنتاج أسلحة نووية بحسب ما قاله دبلوماسيون تابعون للوكالة أمس الثلاثاء، وقد أخطر الدبلوماسيون وكالة أنباء أسوشيتدبرس بأن معظم هذه التجارب تم إجراؤها ما بين الثمانينيات والتسعينيات وأكدوا أن الوكالة الدولية تبحث عن دليل يفترض أن بعض هذه التجارب كانت تتم أخيراً حتي العام الماضي !! وعلي الرغم من هذا الاستعداء الذي ترتب علي تقرير البرادعي، فإن ذلك الأخير في فقرته 22 من تقريره التحريضي ضد مصر وتحت عنوان الاكتشافات والخطوات المقبلة، وصل للنص التالي: لليوم، فإن الوكالة قد حددت عددا من 'الإخفاقات' المصرية في إبلاغ الوكالة طبقا لالتزاماتها الواردة في اتفاق الضمانات، يمكن إيجازها كما يلي: 'ا' الفشل في الإبلاغ عن مادة UF4 التي استوردتها مصر ذاتيا، واستيراد إنتاج معدن اليورانيوم محليا واستيراد مكونات الثوريوم والكميات الصغيرة من الإنتاج المحلي من مواد UO2 وUO3 وUF4 وعدد من اليورانيوم غير المشع منخفض التخصيب ووقود يورانيوم طبيعي، 'ب' الفشل في الابلاغ عن نترات اليورانيل وباليتات مخلفات اليورانيوم واستخدامهما في اختبارات تخص السلامة الصحية من الإشعاعات!! 'ج' الفشل في الإبلاغ عن تشعيع كميات صغيرة من اليورانيوم الطبيعي والثوريوم وتحللها في معامل مبني الكيمياء النووية، بما في ذلك إنتاج ودفن المخلفات النووية !! 'د' الفشل في تقديم معلومات تفصيلية ذاتية عن مشروع الهيدروميتاليرجي ومنشأة إنتاج النظائر المشعة وتطوير بعض تصميمات مفاعلي الأبحاث !! لكن العجيب، ورغم أن كل ما سبقت الإشارة إليه هو مجهود علمي نووي عادي يستخدم في كل دول العالم لأغراض استخدام المواد النووية في الأغراض الطبية، سنجد البرادعي في الفقرة التالية 23 يقول: وكما تمت الإشارة إليه سابقا، فإن أنشطة البحث والتطوير المشار إليها في هذا التقرير كانت موضعا لتدقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرها من المطبوعات العلمية، أن الفشل المتكرر من قبل مصر في الإبلاغ عن المنشآت والمواد النووية للوكالة في مواعيدها هو أمر مثير للقلق، ولقد فسرت مصر فشلها السابق في الإبلاغ بأنه كان متعلقا بنقص في وضوح التزاماتها المنصوص عليها في اتفاق الضمانات، وبالأخص بالنظر إلي الكميات الصغيرة التي تستخدم في الأبحاث وأنشطة التطوير، ولقد أشارت مصر أنها سوف تبلغ عن مثل هذه الأنشطة وهذه المواد في المستقبل، وكإجراء تصحيحي فقد وفرت مصر معلومات تفصيلية عن مفاعليها وعن مشروع للهيدروميتاليرجي وعن منشأة إنتاج النظائر المشعة، وبالإضافة لذلك قررت مصر إعادة تصنيف معمل أبحاث الوقود النووي في أنشاص باعتباره منشأة نووية وقدمت معلومات تفصيلية عنه. الفقرة 24: أن المنشآت والمواد النووية التي شهدتها الوكالة لليوم مازالت تواصل أنشطتها التي وصفتها مصر، والأدوات التي استخدمت في عمليات التحويل تم تكهين أغلبها، ومشروع الهيدروميتاليرجي يستخدم في أغراض الحماية من الإشعاع وليس من أجل الغرض الأساسي له وهو إعادة إنتاج المواد النووية، أن التجارب المستمرة للتشعيع علي نطاق صغير في المفاعلين المصريين تم الإبلاغ عنهما للوكالة وهما في وضع التحقق، أن تحقيق الوكالة في صحة واكتمال إخطارات مصر لا تزال جارية، وتواصل الوكالة تحليل العينات البيئية. الفقرة 25: أن توسيع التعاون الذي تقوم به مصر منذ اجتماع سبتمبر 2004 في توضيح هذه القضايا وفي منح الوكالة الصلاحيات الضرورية للقيام بمهامها في التقييم والتصحيح واكتمال اخطارات مصر هو موضع ترحيب، وقد تعاونت مصر أيضا في البحث عن وتوفير الاطلاع علي الوثائق، وبرغم أن هذا الجهد معقد بالنظر لحقيقة أن بعض الأنشطة التي تتضمنها تم القيام بها منذ 15 إلي 40 سنة مضت، فإن الوكالة تطالب مصر بمواصلة تقديم مثل هذا التعاون. الفقرة 26: سيواصل المدير العام إبلاغ مجلس المحافظين بشأن نفاذ الضمانات في مصر بشكل مناسب. وهكذا انتهي تقرير 2005 الذي أقام الدنيا ولم يقعدها علي مصر، واستغلته إسرائيل لتهييج الرأي العام العالمي علي القاهرة من خلال اللوبي الإعلامي الصهيوني، لكن لاحظوا معي الفقرتين الأخيرتين، وبالذات بعد مرور الزمن ووصول البرادعي لتقرير عام 2007، وهو التقرير الذي اتهم فيه مصر صراحة بوجود برنامج نووي عسكري سري – زورا وبهتانا – وأن في مصر يورانيوم عالي التخصيب وفيها أيضا يورانيوم منضب، ففي مايو 2009 أي قبل أن يغادر البرادعي منصبه عاد لوضع مصر في دوائر الاشتباه في تقرير سري أعده عن عامي 2007 و2008، حيث قال في صفحة واحدة من التقرير وتحت عنوان 'مصر' إن هناك عينات تم أخذها من موقع أنشاص تثبت وجود يورانيوم عالي التخصيب.