الحرب الأمريكية في أفغانستان والتي بدأت مع غزو أمريكالأفغانستان في 7 أكتوبر عام 2001 وتمكنها مع حلفائها من تنحية حركة طالبان عن السلطة وحرمان تنظيم القاعدة من اتخاذ مقر عملياتي آمن في أفغانستان، و منذ هذا الوقت ظلت الحرب قائمة بين الولاياتالمتحدة وحلفائها مع التنظيمات الإرهابية ومع حركة طالبان بحجة إعادة الأمن والأمان لهذا البلد من خلال تثبيت الحومة الشرعية بالبلاد، لتعلن أمريكا وبعد مرور عقدين من الزمن عن تحقيق أهدافها وانسحاب قواتها عن أفغانستان. ويأتي هذا الانسحاب بعد إعلان الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن بانسحاب قوات بلاده من أفغانستان مع نهاية شهر أغسطس القادم 2021معلنا بأن واشنطن قد حققت أهدافها في مكافحة التهديد الإرهابي، ومعربا عن ثقته في قدرة الجيش الأفغاني للتصدي لحركة الطالبان، وليعلن بايدن عن نهاية الحرب بالتنسيق مع حركة طالبان بعد توقيع اتفاق سلام معها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في فبراير عام 2020 بالدوحة من جهة، ومع الرئيس الأفغاني اشرف غني من جهة أخري، يحدث ذلك في الوقت الذي قرر فيه أيضا حلفاء الولاياتالمتحدة بإنهاء مهاماتهم في أفغانستان ولتترك بذلك أمريكا مهمة الحفاظ علي أمن واستقرار أفغانستان للقوات الأمنية الأفغانية الأمر الذي يثير بدوره القلق من عودة حركة طالبان لتسيطر علي الحكم، ومع بدء القوات الأمريكية والدولية بالانسحاب من أفغانستان عادت حركة طالبان مرة أخري من تكثيف عملياتها القتالية النوعية لتستحوذ بذلك علي أكثر من 60 في المائة من الأراضي الأفغانية وبسيطرتها مؤخرا على إقليم بانجواي ذي الأهمية الإستراتيجية في ولاية قندهار الجنوبية، ونواياها في السيطرة علي قاعدة باجرام الأمريكية أكبر قاعدة للتحالف في أفغانستان على مسافة 50 كلم شمال كابول، والتي شكلت مركزا للعمليات ضد المتمردين خلال العقدين الماضيين للاقتراب أكثر من العاصمة الأفغانية كندهار، يحدث ذلك في الوقت الذي تعول فيه أمريكا وحلفائها علي قدرات القوات الأفغانية النظامية في صد هجمات حركة طالبان، مع وعود الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم تخليه عن دعم النظام برئاسة اشرف غني، فهل ستستطيع القوات الأفغانية وحدها حماية البلاد؟ ومن سيملئ الفراغ الأمني بعد جلاء القوات الأمريكية عن البلاد؟ وللإجابة علي هذا السؤال الهام يرى الكثير من المحللين أن مقدرة القوات الأفغانية للحفاظ علي أمن البلاد سيكون على المحك في حالة انقطاع دعم القوات الأمريكية وحلفائها للنظام في أفغانستان، كما أن الأخطر في هذا الأمر أن يتم هذا الانسحاب الأمريكي وحركة طالبان تسيطر على أكثر من نصف الأراضي الأفغانية وعلي الطرق الإستراتيجية مع استمرار هجماتها وعملياتها النوعية بهدف السيطرة علي مدن بذاتها وعلي غالبية الأقاليم مع تطويقها للعديد من المدن الكبرى واحتمالية وصولها إلى السلطة خلال الأشهر المقبلة، كما يري المحللون أيضا بأن انسحاب القوات الأمريكية يتم الآن دون توقيع أمريكا لاتفاق وقف دائم لإطلاق النار بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، ما يجعل الكثير من المحللين والسياسيين يرون بأن أفغانستان وعلي هذا النحو معرضة لنشوب حرب أهلية جديدة على غرار تلك الحرب التي أعقبت انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان نهاية ثمانينات القرن الماضي، ما يرجح بسيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان مرة أخري، ومن خلال تجارب احتلال وخروج القوات الأمريكية لبعض الدول يري بعض المحللون العسكريون بأن الانسحاب الأمريكي السريع والغير مؤمن علي هذا النحو يمكن أن يدمر أي بريق أمل بالحافظ علي الأمن والسلم والنظام وبكل ما تم انجازه خلال العقدين الماضيين ما يعني بعودة حركة طالبان للحكم أي بعودة الحرب والخراب والفوضى والحكم الفاشي وبعودة التنظيمات الإرهابية لهذا البلد، وبرغم توقف حركة طالبان عن مهاجمة القوات الدولية كجزء من الاتفاق التاريخي فإنها ما تزال فعليا في حالة حرب مع الحكومة الأفغانية، ما يؤكد علي قوة تلك الحركة وشعبيتها الكبيرة في بعض المناطق الريفية بسبب الفساد المستشري في أداء الحكومة، ناهيك عن استمرار طالبان بالزحف والاستيلاء علي مناطق جديدة بأفغانستان علي غرار سقوط مدينة المار مؤخرا ما قد يمنح طالبان الفرصة في الاستحواذ والسيطرة على المزيد من المناطق خلال فترة تنفيذ القوات الأمريكية لخطة وموعد الانسحاب وبعده الأمر الذي سيؤدي إلي تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد مع إمكانية دخول دول إقليمية كروسيا والصين وإيران وتركيا وطاجاكستان في هذا الصراع لبسط النفوذ ولتحقيق أهداف أمنية وسياسية وإستراتيجية واقتصادية، كما يري المحللون أيضا بأن هذا الانسحاب يأتي بعد أن أنفقت الولاياتالمتحدة تريليونات الدولارات وخسرت أكثر من 2000 شخص منذ اندلاع الحرب عام 2001، إضافة إلي فشل القوات الأمريكية في تدريب وإعداد القوات الأفغانية بالشكل المطلوب، ناهيك عن الخسائر المدنية نتيجة الضربات الخاطئة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أو الأعمال غير المصرح بها لأفرادها العسكريين في أفغانستان، وبخصوص قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يري بعض المحللين بأن الولاياتالمتحدة ومن خلال احتلالها للكثير من الدول قد برهنت مع هذا الانسحاب المتوقع بأنها غير قادرة على التحمل وبأنها ستظل متورطة في الكثير من الصراعات التي تتجاوز حدودها وبما يسئ لسمعتها ولا يخدم مصالحها، وبالتالي حصول خصوم الولاياتالمتحدة على دفعة معنوية ومكاسب عديدة ونفوذ متزايد بتلك المنطقة بعد رحيل القوات الأمريكية، كما كشفت جلسات النقاش والاستماع بالكونجرس الأمريكي لبعض المتخصصين والنواب الأمريكيين عن قناعة عامة بأن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان قبل التوصل إلى اتفاق سلام شامل ونهائي سيكون عنوانا لهزيمة الأمريكيين أمام شبكات الإرهاب وتنظيماته الموجودة في أفغانستان بما يمكنها من استعادة عافيتها لتوجه نيرانها من جديد صوب الولاياتالمتحدة ومصالحها، وباعتبار طالبان في نهاية الأمر حركة متشددة تقوم عقيدتها على القتل والتكفير والحنث بالوعود أي بخطورة هيمنة تلك الحركة علي أفغانستان. كما يتوقع عدد من الخبراء العسكريون أيضا في حالة انسحاب القوات الأمريكية بأن حركة طالبان ستركز وفق ايدولوجيتها على السيطرة على أفغانستان ليصبح انهيار النظام الأفغاني مهددا، كما ستزداد في الوقت نفسه أيضا جرأة بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى لعودتها وإثبات وجودها، ومن المحتمل أيضًا أن ينشط الإرهابيين الذين يعيشون حاليًا في مكان آخر في العالم الإسلامي وفي الغرب لأنهم قد يروا في أفغانستان مكانًا جديدا لعملياتهم يتهافتون إليه وبإمكانية انضمامهم إلى فرع تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان ما ينذر بنشوب حرب أهلية مطولة مع انهيار الحكومة المركزية الأفغانية، وتوقع تأجيج العداوات الإقليمية بتلك المنطقة وعنها يمكن أن يشكل بدوره انتكاسةً في المناطق الأخرى من العالم الإسلامي ككل.