تمر مصر بظروف عصيبة علي مرأي من العالم وينظر اليها قوي الغرب خاصة الولاياتالمتحدةالامريكية والمانيا وتركيا بنظرة الصائد.وتلك القوي تتأرجح في موقفها تارة مع الشعب وتارة اخري مع النظام السابق, خاصة بعد العديد من الزيارات للرئيس السابق, وهو ما يثير نظرة دول الغرب الي مدي اعتبار الحركة الثورية التي تمت في 30 يونيه من قبيل الثورات او الانقلابات فانه يلزم تحديد ستة اشكالات تدق علي غالبية الشعب المصري والتي تدق ايضا علي بعض قوي الغرب وعلي قمتها الولاياتالمتحدةالامريكية والتي تحتاج الي تفسير وايضاح في ضوء المفاهيم القانونية السليمة في علم تاثير الثورات علي الشعوب والغاء الدساتير.. والراي حول تفويض الشعب للجيش لمواجهة مظاهر العنف ومدي الزامية الجيش به وتوقيته وهو ما يتحدد في الاجابة علي الاشكالات الستة التالية الاشكالية الاولي ما الفرق بين الثورة والانقلاب.وماهي الامثلة الدالة في التاريخ الدستوري علي مفهوم الثورة ومفهوم الانقلاب؟ ان التفرقة الدقيقة بين الثورة والانقلاب -كما استقر عليه رجال الفقه الدستوري الفرنسي -يتحدد بمعيارين الاول مصدر الحركة الثورية والثاني الاهداف التي ترمي اليها, فاذا كان القائم بالحركة الثورية هو الشعب فانه يطلق عليها في التعبير الدقيق الثورةrévolution اما اذا كان القائم بالحركة الثورية مجموعة معينة من اصحاب الحكم مثل وزير دفاع او رئيس وزراء او رجال الجيش فانها تسمي في التعبير الدقيق الانقلاب coup d'Etat كما تتحدد التفرقة بين الثورة والانقلاب من حيث الاهداف الي ترمي اليها الحركة الثورية, فاذا كان الهدف من الحركة الثورية هو تغيير النظام السياسي اي تغيير نظام الحكم علي سبيل المثال من نظام ملكي الي نظام جمهوري او من نظام ديكتاتوري الي نظام ديمقراطي حر, والعبرة في النظام الديكتاتوري من عدمه ليست بالنصوص الدستورية وانما بالواقع الذي يعيشه الشعب, او كان الهدف تغيير النظام الاجتماعي من الراسمالي الي النظام الاشتراكي او العكس فالحركة الثورية في تلك الحالتين يطلق عليها اصطلاع الثورة , ومن الامثلة التاريخية علي فكرة الثورة, الثورة الفرنسية الصادرة عام 1789 وايضا الثورة الاسبانية الصادرة عام 1941 ضد الملك الفونس الثالث عشر وقلبت النظام من النظام الملكي الي النظام الجمهوري, اما اذا كانت الاهداف التي ترمي اليها الحركة الثورية هو مجرد تغيير اشخاص القائمين بمهام الحكم, او مجرد استئثار الحاكم وحده بالسلطة او العمل في زيادة اختصاصاته في غير الشروط القانونية فانه يطلق عليه اصطلاع الانقلاب ومن الامثلة التاريخية علي الانقلاب, الانقلاب الذي قام به نابليون سنة 1799 وكذلك نابليون الثالث عام 1851 اذ قام كلاهما بالغاء الدستور القائم حينذاك وانشأ دستورا جديدا هيأ لهما الاستئثار بالسلطة الاشكالية الثانية ومتي تعد الحركة الثورية التي يقوم بها الشعب انقلابا وفقا لهذا المفهوم؟ تعد الحركة الثورية التي يقوم بها الشعب انقلابا اذا كان الهدف منها هو مجرد تغيير شخصية الحاكم او مجرد تغيير مطالب بالعرش من اجل ان يصبح ملكا, اذن حتي تعد الحركة الثورية من قبيل الثورة يجب ان يقوم بها الشعب وكذلك يجب ان تهدف الي تغيير النظام السياسي من ديكتاتوري الي ديمقراطي حر او تغيير النظام الاجتماعي من النظام الراسمالي الي الاشتراكي او العكس, وان كان رجال الفكر الفرنسي يطلقون علي الاولي الثورة الصغري والثانية الثورة الشاملة الاشكالية الثالثة وهل الحركة الثورية التي حدثت في مصر في 30 يونيه تعد ثورة او انقلاب؟في ضوء المفاهيم المتقدمة اذا اردنا تطبيق المعيارين السابقين وهما المصدر والهدف فانه يمكننا تحديد ما اذا كانت تلك الحركة الثورية من قبيل الثورة او الانقلاب, وبالنظر الي المعيار الاول نجد ان تلك الحركة الثورية قام بها الشعب المصري عن طريق الملايين تقريبا ثلاثين مليون في جميع المحافظات والميادين, وبالنظر الي المعيار الثاني فان الاهداف التي ترمي اليها تلك الحركة الثورية هو تغيير النظام السياسي السابق من النظام الديكتاتوري -وهو يعد كذلك ليس بالنظر الي نصوص الدستور وانما بالنظر الي تطبيقاتها في الحياة العملية والتي اتجهت الي سيطرة جماعة الاخوان وحدهم علي مقاليد الحكم في البلاد ومحاولتهم السيطرة علي كافة السلطات واقصاء كافة الفصائل الاخري -الي النظام الديمقراطي الحر ومن ثم فان الحركة الثورية التي حدثت في 30 يونيه هي في الحقيقة القانونية تعد من قبيل الثورة. وهي ليست انقلابا.بشرط جوهري هو اسقاط دستور عام 2012 الذي يعبر عن ثورة اخري هي 25 يناير 2011, ولا توجد ثورة تابعة لاخري في علم الثورات وانما يطلق لفظ الثورة علي الثورة المستقلة الاشكالية الرابعة هل معني ذلك انه يتعين اسقاط دستور 2012 ام يكتفي فقط بتعديلاته؟ وهل يؤثر ذلك هذا او ذاك علي تحديد مفهوم الثورة او الانقلاب بالنسبة ل30 يونيه؟ هذا سؤال دقيق جدا وعلي درجة كبيرة من الخطورة, خاصة وان الغرب يتابع عن كثب وينتظر ماذا سيجري في مصر بعد 30 يونيه.ومن الجدير بالذكر انه من المستقر عليه في علم نهاية الدساتير ان الثورات تعد اسلوبا من اساليب نهاية الدساتير, اي ان الثورة هي وسيلة عادية لالغاء الدساتير ومن ثم فان حقيقة القول انه يتعين اسقاط دستور 2012 لانه وضع ليعبر عن ثورة 25 يناير وان ثورة 30 يونيه هي ثورة اخري مستقلة وليست تابعة.فدستور 2012 يتعين اسقاطه بكامله من الديباجة المعبرة عن ثورة اخري سابقة هي 25 يناير والاحكام الموضوعية والاحكام الانتقالية, التي هي بالادق احكام انتقامية.لانها حرمت وبصورة جماعية علي سبيل المطلق لبعض الفئات من ممارسة العمل السياسي مدة عشر سنوات فتحول الدستور بذلك الي قانون عقوبات بالمخالفة للفلسفة الي تقوم عليها علم صناعة الدساتير في العالم.كل ذلك يؤدي الي ضرورة اسقاط هذا الدستور, حتي يتحقق الهدف من الحركة الثورية في تغيير النظام السياسي باكمله.ومثله الان فلا يجوز ان يتضمن الدستور المزمع اصداره منع اي فصيل سياسي من النظام السابق عقب ثورة 30 يونيه من الانخراط في العمل السياسي, والقول بغير هذا الفكر القانوني السديد المعروف عالميا سيؤدي الي نتائج خطيرة قد يتمسك بها الغرب مستقبلا هي ان الحركة الثورية حينئذ ستكون بقصد مجرد تغيير شخص الحاكم فيصبح الامر انقلابا وهذا ما لم يقصده الملايين من الشعب المصري مطلقا التي خرجت في 30 يونيه اذ قصدت اسقاط النظام السياسي باكمله وليس شخص الحاكم وهو ما يستلزمه بالضرورة اسقاط الدستور الصادر عام 2012 وليس تعديله وفقا لما استقر عليه رجال الفكر والفقه الدستوري الفرنسي.وهذه نقطة في غاية الخطورة يجب مراعاتها ومن الناحية التاريخية فلا توجد ثورة تمت في العالم ترتب عليها تعديل الدستور بل اصدار دستور جديد حتي يتحقق عنصر الهدف في الحركة الثورية لتغيير النظام السياسي.اي انه لا يوجد دستور في العالم كتب عليه الايقاف ثم كتبت له العودة فايقاف الدستور يعني فنيا وضعه في الفريجيدير اي الموت ويعني هنا الالغاء بالنسبة لهذا الدستور وعلي سبيل المثال فان جميع الدساتير الفرنسية وعددها 16 دستورا منذ الثورة الفرنسية قد سقطت بهذه الطريقة باستثناء دستورين هما دستور 1793 الذي لم يطبق اطلاقا اي انه علي حد تعبير الفرنسيين ولد ميتا ودستور 1875 الذي الغي بعد غزو الالمان فرنسا ودخولهم باريس عام 1940, وكذلك في كثير من الدول عقب الحرب العالمية الاولي كما حدث في بولندا واسبانيا وفي دول البلقان.وذلك علي خلاف الفلسفة الي تقوم عليها الانقلابات التي تهدف الي تغيير شخص الحاكم ومن ثم تعديل الدستور مثلما حدث في افريقيا السوداء والتي بلغت 30 انقلابا في خمسة عشر عاما الفترة من 1963 حتي 1978.مثل غانا وفولتا العليا ونيجيريا, وغيرها, وكما حدث في الدول الملكية ومثالها الحبشة حيث تم خلع الامبراطور من العرش عام 1960 علي ايدي جماعة من المدنيين والعسكريين ومثل ملك المغرب الذي كان- رغم صبغته المقدسة في اعين اهالي المغرب -موضع محاولات لاسقاطه عن العرش في اعوام 1971.1972.1973 الاشكالية الخامسة وهل يغير تدخل الجيش في تلك الثورة؟ وهل يحولها الي انقلاب كما يدعي بعض قوي الغرب مثل تركيا وامريكا علي الاقل في بداية الثورة؟ تدخل الجيش كان ضروريا لحماية تلك الثورة والمتظاهرين السلميين, ولم يكن تدخل الجيش ماسا باحد المعيارين اللازمين لوصف الحركة الثوية بالثورة, فالذي قام بها هو الشعب وهو يهدف الي تغيير النظام السياسي من الديكتاتوري الي الديمقراطي الحر, فالجيش اذن لم يلعب دورا سياسيا علي مسرح الحياة السياسية عقب الثورة وانما اعطي السلطة لرئيس مؤقت مدني هو رئيس المحكمة الدستورية العليا وهو بعيد بحكم عمله عن العمل السياسي حتي لا ينحاز لطرف علي حساب الاخر, وبالتالي فان الجيش المصري العتيد كان دوره حارسا للثورة وليس متدخلا فيها لا من حيث المصدر ولا من حيث الاهداف.ومن ثم ينحسر عنها وصف الانقلاب وتصبح في القول الصائب من قبيل الثورات, شريطة الغاء دستور 2012 والا اصبحت انقلابا في المستقر عليه في الفكر والفقه الدستوري الفرنسي وتلك نقطة جوهرية يتعين الانتباه اليها حتي لا يتخذها الغرب مستقبلا وسيلة لقلب الحقائق في مصر بما لا يتفق ورغبة ملايين الشعب التي خرجت في 30 يونيه الاشكالية السادسة الراي في تفويض الصادر من الشعب الذي دعا اليه الفريق اول عبد الفتاح السيسي للقضاء علي العنف والارهاب عقب ثورة 30 يونيه؟ ومدي الزامية الجيش به وتوقيته؟ الشعب هو مصدر السلطات في الفكر الدستوري السليم, ويمارس السلطة نيابة عنه سلطات الدولة المختلفة لتحقيق الاستقرار والتمكين للعدل والتشريع لمصالح المواطنين, ومن هنا فقد ادركت قيادة الجيش فكرة الدولة القانونية لذا طلبت من الشعب تفويضها لمهمة محددة والتفويض بطبيعته مؤقتا ومرهونا بمهمة معينة هي القضاء علي العنف والارهاب, وليس تفويضا طلقا في ممارسة السلطة, ويترتب علي ذلك نتيجة هامة مؤداها انه بمجرد انتهاء تلك مظاهر العنف تستعيد القوي المدنية والساسية قدرتها علي ممارسة البناء الديمقراطي في مصر الجديدة ويعود الجيش الي دوره الوطني في الزود عن حدود امن البلاد وبهذه المثابة فان هذا التفويض من الشعب يدعم من ان الحركة الثورية التي قام بها الشعب هي ثورة لم ير العالم مثيلا لها في العصر الحديث, اما عن توقيت تنفيذ اعمال اثر هذا التفويض فهو يرجع الي تقدير رجال الجيش وفقا لرؤيتهم التي قد لا يراها غيرهم ولكن من الضروري في كل الاحوال تنفيذ اثار هذا التفويض حتي تزداد الثقة بين الشعب صاحب الاختصاص الاصيل وبين رجال الجيش الحارس الامين علي الوطن