يقول القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي إنه لا يريد أن يكون رئيسا، لكنه يبدي حتي الآن مهارة سياسية كبيرة. ووسع السيسي منذ تدخله لعزل الرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو شبكة الاتصالات التي أقامها بعد تعيينه العام الماضي. فقد التقي بالجميع من كبار رجال الدين إلي الكتاب والناشطين الشبان خلال الأزمة التي أعقبت سقوط مرسي، وفي الوقت نفسه يوازن بدقة العلاقات الخارجية الحساسة مع الولاياتالمتحدة وأوروبا والحلفاء العرب. لكن علاقته الوثيقة بمحمد البرادعي نائب الرئيس للعلاقات الدولية في الحكومة الجديدة التي يساندها الجيش قد تكون هي العلاقة التي ستشكل نتيجة الأزمة الراهنة مع جماعة الإخوان المسلمين ومستقبل مصر السياسي. قال ضابط في الجيش: 'الفريق أول السيسي يقابل البرادعي بانتظام ويتصل به من وقت لآخر ويستأنس برأيه'. وقد أبدي السيسي '58 عاما' وهو مدير المخابرات الحربية السابق أنه صاحب عقل سياسي منذ عينه مرسي وزيرا للدفاع وقائدا عاما العام الماضي. وكان من بين خطواته الأولي تحديث إدارة الشئون المعنوية، التي تساعده الآن في كسب قلوب وعقول المصريين. ومنذ الإطاحة بمرسي تكشف تصريحاته عن أنه يتابع الحياة السياسة المصرية متابعة دقيقة كأي مواطن آخر، كما تكشف عن شكوك عميقة في الإخوان المسلمين. وينظم ألوف من مؤيدي الإخوان المسلمين اعتصامين في القاهرة منذ أكثر من شهر احتجاجا علي عزل مرسي مطالبين بعودته. وقال القائد العام إن جماعة الإخوان المسلمين منشغلة ببناء خلافة إسلامية عابرة للأوطان أكثر مما تنشغل بشعب مصر، وهو اتهام تنفيه الجماعة لكنه يتردد علي نطاق واسع بين أشد منتقديها. وفي المقابلة الوحيدة مع الإعلام منذ عزل مرسي قال السيسي إن مرسي سمح لإرهابيين بدخول مصر مما قوي التشدد المتزايد في شبه جزيرة سيناء، ووصف الإخوان المسلمين أيضا بأنهم أقلية نسبتها بين خمسة وعشرة في المئة تريد أن تفرض آراءها علي جميع المصريين. وقال لصحيفة واشنطن بوست: 'في عقولهم علي الدوام أنهم وحدهم يملكون الحقيقة ووحدهم لهم الحقوق'، وأضاف: 'جزء كبير من ثقافتهم العمل سرا تحت الأرض'. وقال مستهدفا صناع السياسة الأمريكيين الذين يقرأون الواشنطن بوست علي مائدة الإفطار: 'عنوان المقابلة يجب أن يكون: يا أمريكا.. أين تأييدك لمصر؟.. أين تأييدك للشعوب الحرة'. وقد يؤثر عداء السيسي للإخوان علي جهود حث الجماعة علي ترك الشوارع والعودة للسياسة. لكن يبدو أن العلاقة مع البرادعي أوجدت عنصر اعتدال في نهج قائد الجيش. وقال مصدر أمني: 'كان الجيش راغبا في إنهاء الاعتصامات سريعا وبأي طريقة'، وأضاف: 'لكنه اضطر للانتظار بعد أن شعر بأن التفجر المتوقع للعنف سيسبب رد فعل قويا من الغرب أو يؤدي إلي استقالة بعض أعضاء الحكومة'، بينهم البرادعي نفسه. وقال البرادعي إن السيسي يتفهم الحاجة إلي حل سياسي، وهو ما يقود البرادعي الدعوة إليه. وقال مصدر سياسي قريب من البرادعي إن المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية مستاء من حملة عنيفة علي جماعة الإخوان المسلمين وإنه يعمل مع السيسي عن قرب لإنهائها. وقال ضابط في الجيش قريب من السيسي في إشارة إلي أن نفوذ نائب الرئيس قد يستمر إن قائد الجيش اتجه إلي البرادعي لأنه يراه 'رجلا مهذبا أمينا صاحب خبرة دولية'، وقال الضابط وهو برتبة عقيد: 'هذا ما نحتاج إليه في هذه الفترة. هذا هو نوع الناس الذين تحتاج إليهم مصر'. وأبرز البرادعي الصلات الوثيقة بينه وبين السيسي كونه أول من قال إن السيسي لا يهتم بأن يكون رئيسا، وأجاب بذلك عن واحد من أكبر الأسئلة عن طموح السيسي السياسي. لكن حتي إذا لم يخض السيسي انتخابات الرئاسة فإنه يري أن الجيش سيبقي قي قلب الشئون المصرية. وقال الضابط إن السيسي من اللحظة التي عينه فيها مرسي 'رأي أن يكون الجيش مؤسسة وطنية مستقلة تحتاج إلي أن يكون لها دور في سياسة مصر'، وأضاف أن هذا 'لا يعني العودة إلي السلطة لكن يمكن أن يكون حاجة للمعاونة في مراحل معينة صعبة'. وبسعيه قي وقت مبكر إلي التوافق حاول السيسي تجنب الأخطاء التي وقع فيها القادة السابقون للجيش الذين تولوا الفترة الانتقالية بعد سقوط الرئيس المستبد حسني مبارك في أوائل ثورات الربيع العربي عام 2011. وقال مصطفي كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: 'الفريق أول السيسي تصرف نزولا علي إرادة الشعب ولم يفعل ذلك وحده، لكن جاء إلي المائدة بكثير من الشخصيات العامة والسياسيين وهو ما كان خطوة حكيمة جدا'. وعمل السيسي جاهدا لتحسين صورة الجيش التي لحق بها الضرر من جراء الركود الاقتصادي والعجز عن اتخاذ القرارات ومزاعم انتهاكات حقوق الإنسان من جانب قوات الأمن خلال الإدارة العسكرية لشئون البلاد لنحو 17 شهرا بعد الإطاحة بمبارك. وعلي خلاف ما اتسمت به أيام قائد الجيش السابق المشير محمد حسين طنطاوي عين السيسي متحدثا عسكريا شابا أنيقا يقود حملته للعلاقات العامة. وبعد مقتل العشرات من مؤيدي مرسي حول نادي ضباط الحرس الجمهوري ظهر المتحدث باسم القوات المسلحة أحمد محمد علي التليفزيون وهو يعرض شريط فيديو عن عنف الإسلاميين بينهم مسلحون ملثمون يطلقون النار علي القوات ليقدم الحدث من وجهة نظر الجيش. وبين وقت وآخر يقابل المتحدث الصحفيين مرتديا ملابس غير رسمية ويقود إدارة من الضباط الشبان. وفي أوقات عدة حلقت طائرات حربية فوق القاهرة سعيا لكسب التأييد بل إن هناك إلي جانب ذلك أغنية تحيي دور الجيش. وبعد عزل مرسي غزت القاهرة صورة للسيسي بالزي العسكري وعلي صدره عديد من الأوسمة. وقال الضابط: 'فهم الفريق أول أهمية أن تكون هناك قيادة شابة في الجيش باعتبار أن ذلك يعطي انطباعا إيجابيا مفاده أنه جيش قوي ومؤهل'، وأضاف: 'كان مفهوما أنه لا بد أن ينتهي دور المشير طنطاوي والقادة الآخرون من جيله وأن تكون هناك دماء جديدة مطلوبة وهذا هو ما فعله'. وكان إعداد السيسي للقيادة تم عبر مناصب تقلدها في أفرع القيادة والمخابرات والدبلوماسية في القوات المسلحة. ومن بين ما تقلد من المناصب منصب الملحق العسكري في السعودية، التي يحتفظ بصداقات فيها ومناصب قيادية في الجيش في سيناء والمنطقة الشمالية العسكرية. ويوصف السيسي بأنه ملتزم دينيا. وتؤخذ أفكار دونها في ورقة بحثية في كلية الحرب الأمريكية في بنسلفانيا بين عامي 2005 و2006 كدليل علي ميوله الإسلامية، لكن من يعرفون السيسي يقولون إنه لا ينتمي إلي التيار الإسلامي. وتقول شريفة جوهر، أستاذة الأبحاث السابقة بمعهد الدراسات الإستراتيجية في كلية الحرب الأمريكية: عرفت السيسي حين كان يدرس هناك إنه هاديء ويجيد التعبير ومعلوماته غزيرة عن القضايا التاريخية بينها التاريخ الإسلامي. وكتبت في مدونة تقول: 'السيسي تماما مثل العدد الأكبر من المصريين المسلمين العاديين الملتزمين دينيا، لكنه لا يزيد في ذلك علي زوجي وأقاربي'.