بعد أن هدأت عاصفة رحيل أيقونة الأدب البوليسي د. نبيل فاروق وهي التي يستحقها الرجل بالفعل، لابد لنا من وقفة تتعدى رثاء كاتب عظيم إلى ما هو أبعد، وأقصد تأثيره الضخم ككاتب على الشباب من جيلنا إبان ظهور أعماله الأولى في منتصف ثمانينيات القرن العشرين والأجيال اللاحقة بالطبع إذ كان الراحل الكبير في طليعة "القوى الدافعة" الرئيسية - مع الراحل الرائع د. أحمد خالد توفيق- لإقبال الشباب على القراءة، وهو دور، لو تعلمون، عظيم. ويمكنني القول باطمئنان بالغ: إن نبيل فاروق بسِفره الأكبر "رجل المستحيل" (وأيضا خالد توفيق بسفِره "ما وراء الطبيعة") يمثلان الكاتبين المصريين والعربيين الأبرز اللذين تعدت حواجز طبعاتهما من الكتب الملايين من النسخ، إذ كانت الطبعة الواحدة - على ما أتذكر - من سلسلة "رجل المستحيل" أو "ملف المستقبل" تتعدى المائة ألف نسخة على الأقل، وبالطبع صدرت من هاتين السلسلتين وغيرهما العشرات من الحلقات، وكلها كانت تصدر عن الدار الشهيرة "المؤسسة العربية الحديثة". في فبراير 1956م بمدينة طنطا، ولد نبيل فاروق وبدأ اهتمامه بالقراءة منذ الطفولة بتشجيع من والده، بل بدأت محاولاته مع الكتابة منذ المرحلة الإعدادية، بعدها انضم إلى جماعة الصحافة والتصوير والتمثيل المسرحي في المدرسة الثانوية. التحق فاروق بكلية الطب جامعة طنطا حيث تخرج فيها عام 1980م، وفي السنة السابقة للتخرج (1979م) حصل على جائزة من قصر ثقافة طنطا عن قصة "النبوءة"، التي أصبحت فيما بعد القصة الأولى في سلسلة "كوكتيل 2000". بعد تخرجه في كلية الطب، جاء تعيين فاروق في ريف محافظة قنا بالصعيد، وواصل هوايته في الكتابة إلى أن حدث التحول الجذري في مسيرته الأدبية في عام 1984م عندما شارك بمسابقة "المؤسسة العربية الحديثة"، والتي وفاز بجائزتها عن قصته "أشعة الموت"، والتي نشرت في العام التالي (1985م) كأول عدد من سلسلة "ملف المستقبل". وفي تلك الفترة، شاءت الأقدار أن يلتقي الراحل الكبير بأحد ضباط المخابرات المصرية، فاستوحى منه شخصية "أدهم صبري" في سلسلة "رجل المستحيل" التي حققت نجاحا مدويا بمصر والعالم العربي منذ ظهورها حتى آخر حلقاتها التي بلغت 160 حلقة ما بين عامي (1984م-2009م). في عام 1998م، فاز فاروق بالجائزة الأولى في مهرجان ذكرى حرب أكتوبر عن قصة "جاسوس سيناء: أصغر جاسوس في العالم". وقد أدت شهرة الراحل الكبير وقوة تأثيره إلى قيام قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة "فرجينيا" الأمريكية بإنشاء موقع خاص للدكتور نبيل فاروق والذي اعتبره المتخصصون أحد أفضل الكتاب في الشرق الأوسط. وفضلا عن دفع الشباب إلى القراءة، فإن كتابات نبيل فاروق قد ألهبت عند هؤلاء الشباب "الروح الوطنية" وحب مصر بدرجة لافتة، فمن منا ينسى الضابط "نور الدين محمود" في "ملف المستقبل"، وطبعا لا ننسى رجل المستحيل.. أدهم صبري، وغيرهما من الشخصيات الوطنية البارزة بأعمال الراحل الكبير.