انتهت تقريبًا مراسم انتخابات مجلسيْ الشيوخ والنواب، وطويت صفحة من التنافس بين الأحزاب والمستقلين لتمثيل الشعب تحت القبة لمدة 5 سنوات قادمة وصار السؤال واجبًا علي كل عشاق هذا الوطن : كيف سيكون شكل الحياة السياسية والحزبية في مصر؟ وهل لدينا، بالفعل، فرصة ثمينة للتفكير في إصلاح حزبي قائم على تعدد الأفكار والأيديولوجيات وتقليص هذا العدد الضخم من الأحزاب خلال السنوات الخمس التالية ؟ واقعيًا سيطر حزب مستقبل وطن على أغلبية مقاعد البرلمان الجديد بنسبة تتخطى نصف إجمالي المقاعد، وأتى خلفه حزب الشعب الجمهوري ثم الوفد وحماة الوطن ومعهم حوالي عشرة أحزاب أخرى تم تمثيلها داخل المجلسين بأعداد ونسب ضئيلة ومتقاربة .. واقع مألوف ومتكرر بالنسبة للحياة السياسية في مصر منذ نشأة الأحزاب في بدايات القرن العشرين حيث سيطر الوفد (بالتناوب أحيانا مع الأحرار الدستوريين) على مقاليد الأمور وبجانبهم بعض الأحزاب الهامشية حتى حل الأحزاب في عام 1953 ثم سيطرة الحزب الوطني على مشهد الحياة السياسية منذ عودة الأحزاب عام 1976 إلى جانب حوالي عشرين حزبا أخرى بنسب ضئيلة في التمثيل النيابي وإن كان بعضها مؤثرًا أحيانا علي فترات وأخيرًا جاء حزب مستقبل وطن ليكرر السيناريو المألوف بوجود حزب كبير بإمكانيات مادية وبشرية فائقة يسيطر على ألأكثرية إن لم تكن الأغلبية النيابية المطلقة وبفارق أكثر من 250 مقعدا عن أقرب الأحزاب تمثيلا بعده وهو حزب الشعب الجمهوري . خلال السنوات الخمس القادمة يبدو أن علينا وعلى قيادات ورجال الأحزاب أن يكونوا أكثر واقعية وصدقا مع أنفسهم ومع أعضاء أحزابهم فحين يكون لدينا أكثر من 90 حزبا (بين مشهر وتحت التأسيس) لم يتم تمثيلهم تحت القبة خلال الدورة النيابية القادمة، وحين يكون لدينا حوالي عشرة أحزاب لم يمثلوا معا مجتمعين سوى ب 60 نائبا بنسبة 10% فقط من مقاعد مجلس النواب لا بد أن يدرك الجميع أن عليهم مسئولية هامة تجاه أحزابهم وتجاه الوطن .. هل هو أوان الجلوس على مائدة الاندماج وتوحيد الجهود تحت مظلة أعداد أقل من الأحزاب؟ .. هل التجديد حاليا أن يكون لدينا أكثر من 100 حزب أغلبهم بلا وجود أو تأثير أم أن يتقلص العدد لنعود إلى العدد الطبيعي المألوف عبر تاريخنا بحوالي 20 حزبا مثلا ؟ في الحياة السياسية التي هي جزء أصيل من حياة البشر لا بد أن يتحلى الجميع بالواقعية والطموح معا، فلا جدوى من كل هذه الكيانات الحزبية الصغيرة التي لا يعرف الناس حتى مجرد أسمائها، وإنما يتحتم على العقلاء أن يتدخلوا من أجل تقليص العدد وحدوث نوع من التوازن المقبول في الأفكار والرؤى لنستعد لانتخابات برلمان 2025 في أجواء مختلفة قائمة على تعددية حزبية شبه متكافئة بعدد أقل من الأحزاب التي لها ثقل وشعبية وانتشار بين قواعد الشعب، تكون قادرة على استقطاب وجذب الشباب بعد غياب طويل عن المشهد . في مصر ما بعد يناير نسمع أحيانا عن أحزاب ممثلة في محافظة أو اثنتين علي الأكثر وأحزاب أخرى ليس لديها مقر واحد على مستوى الجمهورية فكيف تستمر تلك الحالة غير المنطقية؟ ولماذا لا يحاول هؤلاء البحث عن ذويهم من نفس النوعية ليتحدوا معا تحت اسم واحد فيصبح الشكل أفضل والانتشار أقوى والفرص أعلى في التنافس على الاستحقاقات القادمة واضعين في الاعتبار أن الهدف الأول من تأسيس الأحزاب السياسية عبر التاريخ وفى شتى بلدان الدنيا هو محاولة الوصول للحكم عن طريق التنافس على المقاعد النيابية والمحلية، فلماذا الإصرار على بقاء تلك الكيانات الصغيرة التي لم ولن يكون لها أي فرصه في المنافسة أو تحقيق أي نتائج إذا استمرت بهذا النمط ولو بعد عشرات السنين؟ إنها الواقعية تتحدث ولعله أوان تحكيم العقل بعد انتهاء الانتخابات والجلوس بهدوء إلى مائدة التفاوض وصولا إلى اندماجات أصبحت حتمية في مشهد حياتنا السياسية... حفظ الله مصر .. حفظ الله الوطن . مواضيع أخري لهذا الكاتب