حينما تجري الانتخابات العامة بنزاهة وشفافية ينتج عنها مجالس نيابية معبرة عن اختيارات الجماهير, غير أن نظام الانتخابات يؤثر بشكل مباشر تأثيرا مهما في النتائج وفي قدرة الانتخابات علي تحويل رأي الجماهير إلي مجالس منتخبة تعبر بصدق عن هذا الرأي. لقد تعددت الآراء حول النظام الانتخابي, كما تعددت المرات التي طبقت فيها نظم انتخابية مختلفة, ومعلوم أن نظم الانتخابات تتمحور حول ثلاثة أنواع, ولكل مزاياه وعيوبه. أولا الانتخابات الفردية: وهي تتميز بالمساواة بين جميع المرشحين, فلا أفضلية لأحد بسبب كونه حزبيا أو مستقلا, ومن ثم لا يمكن الطعن عليه, ولم يحدث من قبل أن صدر حكم ضد نظام الانتخابات الفردية من المحكمة الدستورية العليا أو غيرها. كما أن الناخب يرتبط مباشرة بالنائب الذي يختاره, فهو يعرفه ويمكن بسهولة الوصول إليه, وبهذا يكون النائب محيطا بشأن أبناء دائرته. وقد اعتاد الناخب المصري ولمدة عقود طويلة علي هذا النظام مما يسهل عليه عملية التصويت, وإذا ألغيت نسبة50% عمالا وفلاحين وأصبحت الدائرة الانتخابية نائبا واحدا فإن ذلك ييسر بشكل كبير عملية الفرز واعلان النتائج. أما عيوب هذا النظام, فهو أنه يحول النائب إلي شخص يدين بالولاء لأبناء دائرته ويضعف لديه الحس الرقابي فلا يتابع أداء الحكومة كما ينبغي, ولا يتقن العمل التشريعي في سن القوانين وهو الدور الرئيس للمجلس النيابي. ويؤثر المال السياسي بشدة في الانتخابات الفردية وبالمثل تؤثر العصبيات القبلية والعائلية, مما يحول العملية الانتخابية إلي ساحة الصراع لأصحاب النفوذ المالي والقبلي, وقد تشهد الدائرة الانتخابية صراعا بين عائلتين أو أكثر يمتد لعشرات السنين مما يخرج العملية الانتخابية من جوهرها. وكذلك إهدار نسبة كبيرة من الأصوات التي ذهبت للمرشح الذي لم يفز, إذ لو حصل أحد المرشحين في جولة الإعادة علي51% والآخر علي49% من الأصوات لأهدرت هذه النسبة الأخيرة و يصبح لا وزن لها في التشكيلة النيابية. كما تقل فرصة النساء والشباب في الفوز بمقاعد نيابية لأن الثقافة السياسية في المجتمع لم تتطور الي المستوي الذي يتمكن فيه الشباب والنساء من المنافسة العادلة مع ذوي الخبرة من الرجال. ثانيا الانتخابات بالقائمة. والمقصود هنا بالطبع هو القائمة النسبية, ولكي تكون منصفة فلا بد من تخليصها من العيوب التي تمنع الحصول علي اكبر فائدة منها, ومثال ذلك الا يكون الحد الأدني الذي تحصل عليه القائمة من اجل ان تمثل داخل مجلس نيابي كبير( كما كان في نظم انتخابية سابقة اشترطت نسبة8%) لكن المعقول ان تكون العتبة الانتخابية اما المتوسط الحسابي للمقعد الواحد داخل الدائرة او تكون نسبة قليلة لا تتعدي2% علي مستوي الجمهورية. من مميزات هذا النظام أنه يسمح لمعظم الاحزاب ان تصل الي المجلس النيابي, وسوف ينعكس ذلك علي تأسيس حياة سياسية حزبية, وتشتد الحاجة الي هذا النظام في الديمقراطيات الناشئة التي تسعي الي توسيع قاعدة الممارسة البرلمانية لمعظم الاحزاب. كما أنه لا يهدر تقريبا أي أصوات للناخبين, إذ انها تتوزع علي القوائم المتنافسة وتتحول مباشرة الي تمثيل نسبي لمقاعد المجلس النيابي. بالاضافة إلي أن الأحزاب تتنافس علي أساس البرامج الحزبية. ومن ثم يصبح النواب المنتخبون محررين نسبيا من الضغوط الشخصية للناخبين داخل الدوائر الانتخابية, ويؤدي هذا الوضع الي تركيز افضل علي العمل النيابي الأهم متمثلا في الرقابة والتشريع واعتماد الموازنه العامة للدولة. ويساعد هذا النظام أيضا علي الدفع بعدد معقول من النساء والشباب في الأجزاء الأولي من القوائم فيصبح نجاحهم مضمونا الي حد كبير, وينعكس ذلك علي تمثيل نسائي وشبابي داخل المجالس النيابية وبذلك يتحقق مطلب مهم ومفيد للحياة السياسية. علاوة علي أن هذا النظام يساعد في اقامة تحالفات بين بعض الاحزاب لتتمكن من حصد المزيد من الأصوات, وقد يؤدي ذلك الي ظهور كيانات انتخابية كبيرة تنضوي تحت لوائها الاحزاب المتناظرة او القريبة في برامجها. أما عيوب نظام القائمة, فهي أنه لا يسمح هذا النظام بالمساواة التامة بين المرشحين الحزبيين وغيرهم من المستقلين حتي وإن سمح للمستقلين بالتقدم بقوائم خاصة بهم, إذ ستبقي الأفضلية العملية واللوجستية للحزبيين أفضل بكثير من غيرهم لأن الأحزاب تتحرك بأعضائها, بينما يتحرك المرشحون المستقلون بأنفسهم داخل نطاق الدائرة الانتخابية التي تكون غالبا مترامية الأطراف. وهذا هو أساس الطعون الدستورية في نظام القائمة والتي أدت الي حل مجلس الشعب ثلاث مرات في أعوام1990,1987,.2012 ولا يعتبر هذا الانتخاب انتخابا مباشرا, إذ تتقدم الأحزاب والقوي السياسية بقوائم تم إعدادها داخل هذه الكيانات, ولا يستطيع الناخب أن يختار بشكل مباشر بعضا من القائمة دون الآخرين, بل لا بد عليه ان يختار القائمة كاملة او يرفضها كاملة. وهذا النظام يجعل المرشحين في قبضة الأحزاب السياسية ومن يخالف قيادة الحزب سوف يتم استبعاده مما يؤدي الي انشقاقات حزبية داخلية, وقد يتولي المنشقون تشكيل أحزاب جديدة فيؤدي ذلك الي تشرذم الاحزاب وتعددها بلا طائل منطقي, وبدل أن نري أحزابا قوية سوف نجد انفسنا امام مجموعات من الاحزاب الصغيرة والضعيفة. ثالثا النظام المختلط. وسوف نتحدث عنه في مقال قادم بمشيئة الله. ولكي نختار النظام الأمثل الذي يتناسب مع ثقافة الناخب ومع ما نطمح اليه من تطوير للحياة السياسية فانه من الواجب ان تتقدم كل الاحزاب والقوي السياسية بآرائها في النظام الانتخابي آخذة في اعتبارها مصلحة الوطن أولا حتي وإن خالفت في بعض جزئياتها المصالح الحزبية الخاصة, لأن الاستسلام للمصالح الخاصة سوف يؤدي بالضرورة الي تناحر وشحناء وبغضاء لا نريد لها مكانا في مصر بعد ثورة25 يناير. المزيد من مقالات د.حلمى الجزار