قال عنه فضيلة الإمام الجليل مولانا الشيخ حسنين محمد مخلوف المفتى الأسبق رضى الله عنه فى كتابه(صفحات ناصعة من تاريخ الشيخين أحمد بن شرقاوى وأبى الوفاء الشرقاوى):الأستاذ (أبوالمعارف)الشيخ أحمد بن شرقاوى رضى الله عنه،الداعى إلى الله،والمجاهد فى الله،بما أفاد من علم،وألف من كتب،ونشر من دعوة،وهذب من طباع،ورقق من قلوب،وأدب من نفوس،وأحيا من سنن،وأمات من بدع،وهدى إلى الحق الصريح،وأرشد إلى الجادة المستقيمة،على بينة فى ذلك من ربه،وعلم بكتابه،واستقامة على منهاجه،واتباع للسنن،وصبر وجهاد،ومثابرة واجتهاد،وحكمة وبصيرة. كما شهد له بذلك شيوخ الإسلام،وفطاحل العلماء الأعلام بالأزهر والصعيد فى عصره،واحتفوا به فى الأزهر وسائر البلاد،وأسلموا له القياد،وقرظوا مؤلفاته القيمة فى علوم التوحيد،والتصوف،والأخلاق،والسيرة،والمديح. وأَمَّ داره بالصعيد،وانتسب إليه وأخذ عنه كثير من جهابذة العلماء،وأهل الصلاح والتقوى فى البلاد. فكانت ساحته المباركة-على بساطتها فى مظهرها-مقصد الطالبين،وندوة علم ودين،وأخلاق وآداب،وعبادة وإرشاد،وكانت الأخوّة بين مريديه وأحبابه على تنائى بلادهم أخوّة فى الله خالصة صادقة،وثيقة العرى محكمة وقال كذلك:أمضى رضى الله عنه حياته كلها وكتاب الله تعالى دليله،وهَدْى النبوة سبيله،وهداية الناس إلى الحق مبتغاه الذى ثابر عليه،والدعوة إلى الله مطلبه الذى لم يكل فى السعى إليه،وفى ذلك يقول رضى الله عنه فى قصيدته(شمس التدانى): هداية الخلق للخلاق مطلبنا*وكثرة الغُرّ يوم البعث مغنمنا ونصرة السنة البيضاء بغيتنا*يا رب أبلج سنا نهج الرشاد بنا وعمم النفع للأقصى مع الدانى وقد استجاب الله دعاءه،فاهتدى به خلق كثير،وعم نفعه،وكثر على الحق جمعه،ووجد الظامئون إلى رِى الهُدى فيه المورد العذب فارتوَوْا،والمأوى الذى يقيهم الضلال فأَوَوْا،وكثر محبوه،وتلاميذه ومريدوه،وأقاموا للدين الحنيف من أنفسهم صروحا عز على الشيطان أن يتسورها،فكانوا منارات هدى لمن ببصيرته أبصرها تلاميذه:نذكر منهم الأئمة الأعلام:الشيخ محمد حسنين مخلوف،والشيخ أحمد الطاهر الحامدى، والشيخ هارون عبد الرازق،والشيخ محمد شاكر والد المحدّث الشهير الشيخ أحمد شاكر،والشيخ محمد أبوالفضل الجيزاوى أحد شيوخ الأزهر الشريف،والشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر الأسبق وكان على صلة خاصة بنجله الأصغر أبى الفضل إذ كانا من سن واحدة،والشيخ محمد حامد المراغى الجرجاوى،والشيخ عثمان أحمد العريبى،والشيخ موسى البخانسى وهم من كبار علماء الصعيد.رضى الله عنهم جميعا. صلته بالإمام محمد عبده:- قال الأستاذ الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله فى كتابه(تاريخ الاستاذ الإمام) ما نصه: ولما أَنشَأْتُ (المنار) عهد إلىّ أن أرسله إلى الأستاذ الصوفى الشهير الشيخ أبو شرقاوى فى نجع حمادى من الصعيد الطيب،وإلى الشيخ داغر القاضى الشرعى بالشرقية،على ألا يؤخذ منهما شىء من قيمة الاشتراك.قال:هذان صديقان لى،وحسابهما علىّ،أما الأول فهو من بقايا شيوخ الطريقة الصالحين المخلصين.وأثنى على علمه،ومعرفته بالتصوف ويعلق الشيخ رشيد رضا فى الهامش قائلا:وقد جاء مصر وزار أستاذنا فيها،ولم يتح لى لقاؤه،ولكننى حظيت بصداقة نجله وخليفته الأستاذ أبى الوفاء،فكان من أفضل من عرفت وصادقت وكانت بعض تلك اللقاءات بينه وبين الأستاذ الإمام محمد عبده رضى الله عنه فى منزل السيد محمد أمين الأنصارى الجرجاوى رحمه الله،بعين شمس،وهو جد والدى لأمه،وأعتقد ان أول لقاء وتعارف بينهما كان هناك. الذين أجازهم بالإرشاد: أجاز بالإرشاد ثلاثة:أولهم:الشيخ محمد عبدالباقى وهو من أبناء مركز نجع حمادى،وقد عاجلته المنية،رحمه الله ورضى عنه. وثانيهم:القطب الكبير العارف بالله السيد يوسف أحمد يونس الحجاجى الأقصرى الحسينى،كتب له إجازة شهيرة،أثنى عليه فيها ثناء كبيرا،وكان السيد يوسف موضع ثقة شيخه فى حياته،وقام بأمر الإرشاد بعد وفاة أستاذه خير قيام حتى لقى ربه سنة 1914 م رضى الله عنه،ولا تزال الصلة بالسادة الحجاجية قائمة حتى الآن،ونأمل أن تستمر إن شاء الله. وثالثهم:ابنه أبوالوفاء.وكانت إجازته له على ثلاث مراحل:قال له فى الأولى:أنت خلوتى شاذِلى،ثم عمد فى المرة الثانية إلى التصريح غير مكتف بالتلويح فقال له:أنت مأذون بالطريق،ثم أكد فى الثالثة التصريح وعززه بالتعميم فقال:أنت مأذون بالطريق كلها.وكان ذلك قبل وفاته بنحو شهر. أولاده:أنجب من الذكور ثلاثة:أكبرهم أبوالمجد،وكان مجذوبا ولم يتزوج.توفى سنة 1930 م. وأوسطهم أبوالوفاء. نال أبوالوفاء حظا من الشهرة يقارب حظ والده،وأرْخت له الأيام عِنانها،فتوفى بعد أن أناف على الثمانين(1296-1380 هج/ 1879 - 1961 م)وتنوعت نواحى شخصيته من دينية وعلمية وصوفية ووطنية واجتماعية،ونرجو أن يتاح لنا نشر شىء عنه فى المستقبل إن شاء الله.وأحب أن أقول:إننى قسمت الأمر بينهما قسمة عادلة،فأبوالمعارف أقرب إلى قلبى،وأبوالوفاء أقرب إلى عقلى. أنجب أبوالوفاء من الذكور أربعة هم:محمد 1918 -1987 / محمود 1921 -1983 / على 1924 -1997 / أحمد 1926 -2000 . وأصغر أولاد الشيخ أحمد بن شرقاوى هو أبوالفضل.توفى وهو دون الثلاثين(1881 -1910 )وكان شاعرا ناثرا،نشرنا له من قبل مدحة نبوية،وفى نيتنا أن نعيد نشرها إن شاء الله تعالى. موعدنا فى الحلقة القادمة،وهى الأخيرة بإذن الله،وعسى ألا نكون قد أطلنا وأثقلنا على القراء الكرام،والأصدقاء والأحباب الفضلاء. الشيخ أحمد بن شرقاوى وفاته:- فى مساء الخميس التاسع عشر من ذى القعدة 1316 هج الموافق الحادى والثلاثين من مارس 1899 لبى نداء ربه،وانتقل من دار الفناء إلى دار البقاء. وقبيل وفاته ترك نصيحة ووصية لتلاميذه ومريديه،طبعت قديما،وأعاد طبعها فى شعبان سنة 1384 هج الموافقة لسنة 1964 تقريبا سيدنا ومولانا الإمام الشيخ حسنين محمد مخلوف رضى الله عنه امتدادا لفضله الكبير على التراث الشرقاوى بوجه عام،جزاه الله عن معروفه وبره خير الجزاء،ونفع بعلمه ومؤلفاته المسلمين. وقد قدم لهذه النصيحة بمقدمة،وختمها بتعليق. وها هو ذا ما جاء فى تلك الطبعة:- مما وجد بخط الشيخ أحمد بن شرقاوى المشهور بأبى المعارف هذه الدرة الثمينة،والذخيرة القويمة،التى استحفظها إخوانه ومريديه،قياما بواجب النصيحة لله،وحثا على الوفاء بالعهد،والاستقامة على المنهج القويم،والصراط المستقيم،وفى نشرها بين ابناء هذا الجيل عظة وإرشاد،وتوجيه وإعلام،ودعوة إلى ما فيه الخير والصلاح،والنجاة والفلاح.والله ولى الصالحين. وهذا نص ما وجد بخطه رضى الله عنه:- بسم الله الرحمن الرحيم عبارة وجيزة،ونصيحة عزيزة،أهديها لكافة الإخوان،وأبديها لسائر الأحباب والأخدان،من أسامرهم بمهجتى،وإن غاب عنهم هيكلى ولهجتى: اعلموا يا من غدوا جزئى وكلى،وصاروا بغيتى من الدنيا وشغلى،أنى نصحتكم نصيحة صديق،وسرت فيكم سيرة الوالد الشفيق،أخشى على المروءة والدين،وأقدمكم على الأهل والبنين،وقد قضى الحكيم علينا بالغَيْبة عن أبصاركم،والبعد عن أفنيتكم ودياركم...لكن تركت فيكم طريقا صافية نقيه،وخلفت لكم سبيلا مؤسسا على القواعد الشرعيه،لا يسطو عليه دخان الابتداع،ولا تُخفِى معالمَه سفسطةُ النزاع،تشهد بصحته الآيات القرآنيه،وتنطق بمدحته الأحاديث النبويه،من تمسك به نجح،ومن اعتصم بحبله رَجَح،يقبل أرباب الصدق واليقين،ويمج إخوان المَيْن والتلوين،لا يرغب فيه إلا ذو سعى مشكور،ولا يرغب عنه إلا ذو عقل مغرور. وهو لى عندكم وديعه،وأمانة مصونة منيعه،لا أستودعكم سواه،ولا أستحفظكم شيئا عداه. والله يتولى هداكم،ويديم عزكم بتقواكم...& انتهى ويعقب مولانا الشيخ حسنين مخلوف قائلا: وبهذه الوصية والنصيحة نختم هذه السلسلة،آملين ألا نكون فيما كتبنا قد خرجنا عن الإطار الذى لا نحب أن نخرج عنه. وكانت غايتنا من ذلك أن نلقى بعض الضوء على رجل إذا أردنا أن نجمل وصفه فى أربع كلمات قلنا عنه:هو متصوف،ومصلح. نرجو أن نكون قد بلغنا ما كنا نهدف إليه،ونتقدم فى الختام بأطيب عبارات الشكر،وأغلى كلمات العرفان والتقدير للأصدقاء الكرام،والأحباب الفضلاء الذين غمرونا بفيض من المشاعر النبيلة،وسيل من الظنون الجميلة،وإنا لعاجزون عن مقابلة صنيعهم،وكفاء برهم. أحسن الله إليكم جميعا،وجزاكم عن فضلكم خير الجزاء،وزادكم من عطائه ونعمه،وعفا عنا،وغفر لنا ما لا تعلمون.