إن الواحد يعمل غنوة أو فيلم أو كتاب وينجح فده شيء سهل وممكن يتحقق نتيجة لأسباب كتير، الصعب بقى هو استمرار النجاح في الغنوة الجديدة أو الفيلم الجديد. ولما بتنجح تجربة فنية بفريق إبداعي معين، بيبقى صعب قدام نفس الفريق إنهم يكرروا نفس درجة النجاح إلا لو كان عندهم التحدي إنهم يعملوا حاجة ليها شكل ولون مختلف عن اللي قبله. والتحدي ده هو جوهر العملية الإبداعية؛ وهنا أقصد تكرار النجاح مش تكرار التجربة. يعني تخيل عزيزي القارئ إن جيمس كاميرون المخرج اللي عمل فيلم تيتانيك قرر إنه يعمل فيلم تاني جاب فيه نفس البطل ليوناردو ديكابريو ونفس البطلة كيت ونسليت وكانت القصة عن غرق سفينة تانية خالص غير تيتانيك، ده اسمه تكرار للتجربة وحتما هتتقارن بالفيلم الأول وحتما مش هتنجح زيه، التحدي الحقيقي إنه يثبت نفسه كمخرج بفكرة تانية.. نفس المخرج ده عمل "أفاتار" وكان ناجح جدا برضه.. هو ده تكرار النجاح. اللي هنتكلم عنه دلوقت هو تجسيد لفكرة تكرار التجربة الناجحة يمكن تنجح تاني .. مش تكرار النجاح السابق بتحدي جديد، تحديداً أغنية ضارب عليوي للمطرب مصطفى شوقي اللي قدمها بنفس فريق عمل أغنيته ساحقة النجاح "ملطشة القلوب"؛ وأقصد بنفس فريق العمل: نفس الشاعر صابر كمال ونفس الملحن بلال سرور ونفس المخرج والمنتج نصر محروس مع اختلاف الموزع والراقصة بطلة الكليب. طبعا كل اللي شاف وسمع ملطشة القلوب انبهر بخلطة سحرية ساهمت في نجاحها بشكل كبير، الخلطة دي هي كلمات متفردة وجديدة على سوق الأغنية، ولحن رشيق، وصوت مصري أصيل بملامح صعيدية ومخرج ومنتج قادر إنه يشم ريحة النجاح من على بعد آلاف الأميال وصناعة النجوم بخبرته الكبيرة في المجال ده ومحدش فينا ناسي تامر وشيرين وفري بيبي وغيرهم كتير. المهم، نفس الفريق ده حاول اجترار نجاح التجربة الأولى بإنتاج أغنية جديدة ليها نفس مواصفات الأغنية الناجحة الأولى، وطبعاً لأنهم حاولوا يغرقوا تيتانيك جديدة فكان لازم نقارن بتيتانيك القديمة، وطبعا ده هيخلينا قدام نتيجة حتمية تغرق غنوة فيهم، وغالبا في الحالات اللي زي دي، اللي بتغرق هي الجديدة لأنها مش أصلية، تقليد، عملية استنساخ بتخليك دايما تتفرج ع الأصل. معقول يكون فريق العمل اللي نجح بالشكل ده قبل كده وقع في الفخ ده بسهولة؟ تعال معايا عزيزي القارئ وشوف واحكم بنفسك على مستوى الإخراج: ماكانش في جديد على مستوى الصورة، ف زي ما اكتفى الكليب الأنجح "ملطشة القلوب" بمصطفى شوقي وراقصة، اكتفى الكليب الأحدث "ضارب عليوي" بمصطفى شوقي وراقصة برضه، آه والله بس كان في شوية تغييرات؛ أولها الراقصة كانت مختلفة، وزوّد أربع راقصات عملوا كام خطوة كده، وأن مصطفى شوقي في الكليب ده جمعته مشاهد كثيرة بالراقصة على عكس الكليب الأول. غير كده هتلاقي إن أول مشهد في ملطشة القلوب مصطفى لوحده، وأول مشهد في ضارب عليوي برضه، وبعدين هتلاقي الرقاصة هناك وهتلاقي الرقاصة هنا، وطول الكليب بقى مصطفى، الرقاصة، مصطفى والرقاصة. والخلفيات كانت مبهجة زي ملطشة القلوب برضه. على مستوى الموضوع: الموضوع ماختلفش كتير عن ملطشة القلوب، في ملطشة القلوب كان البطل بيكلم قلبه اللي بقى ملطشة القلوب وبيوصيه ما يكررش تجربة الحب تاني لأنه جربها قبل كده وماخدش منها غير الأذى، "مش كنا قلنا مفيش من كذا .. فوتنا الغرام ونصَبنا العزا .. رجعت تاني ف عهدك ليه؟ .. هي القلوب كيّيفة أذى"، وفي الثانية بقى بيتكلم عن نفسه اللي أضربت عن الحب والغرام لأنه "اتوحوح واتضحضح" وأخد علقة الحب واتربى وبقى يحكّم عقله، ولحد ما عقله يقرر هياخد المخدة ف حضنه، آه والله قال هياخد المخدة ف حضنه.. هيرجع مراهق تاني مالكوش دعوة على مستوى الكلمات: لما نجحت الأغنية الأولى لتفرّد كلماتها وجمالها، كان مطلوب أن الأغنية الجديدة يكون فيها نفس الخلطة، كلمات غريبة حياتية تقريرية طالعة من قلب الشارع، وده خلى الشاعر يميل للافتعال والقصدية في الكتابة عشان إيه؟ عشان نكتب أغنية تنجح زي اختها، فأنتج نصًا غنائيًا مشوهًا، ألفاظه بعيدة عن السياق، ومش مناسبة للجمل اللحنية الموضوعة مسبقا على ما أعتقد، بمعنى إن اللحن اتعمل الأول وبعدين الكلام اتكتب وده شائع في الأغاني على فكرة .. وإلا ف ازاي الملحن قرر يلحن كلام مكسور عروضياً.. بما إن ليا خبرة في كتابة الأغاني يعني وفي الشعر عموماً.. مثلاً بداية الغنوة "نمرود وضارب عليوي نمكي ونُقَري وبتاع تفاصيل" نعم؟ إيه كمية الحشر المبالغ فيه للألفاظ اللي عاوزة كتالوج دي؟.. "وبشغل الحاسة السادسة .. وبطلع القطط الفاطسة.. وببروز الحاجة الناقصة ..فَشَر التماثيل" ، هي التماثيل بتبروز الحاجة الناقصة ازاي؟، وبيقول "أنا موحوح .. ومتضحضح.. أخدت العلقة واتربيت.. ولو هعشق .. هَحَمرَق.. وهعيش في دور دلوعة البيت" ، بصوا معايا كده .. كلمة متضحضح بتقابلها على نفس الجملة اللحنية كلمة هحمرق هتلاقي مصطفى بيمد كلمة هحمرق عشان تبقى قد اللحن فيقول هااحااااامرق .. ، وده اتكرر مع ألفاظ زي جهجهوني .. واللي عاوز اعرفه هو ازاي كراجل هيعيش في دور دلوعة البيت .. دلوعة؟ يعني اللي هيحبها هتكون هي راجل البيت مثلاً؟ هل المعنى ده كان مفيد؟ على مستوى اللحن والتوزيع: أنا مش خبير موسيقى ومقامات بس أدّعي إني متذوق وبحب الموسيقى الحلوة .. الغنوة فيها جملة لحنية حلوة وشوية جمل بتسندها وتخدم عليها .. ورغم اختلاف الموزع بين الأغنيتين إلا أن الأسلوب برضه ماختلفش كثير خاصة مع بداية الأغنيتين، اللي كان فيهم بيطلع مصطفى لوحده في الفاضي وبعدين تدخل المزيكا .. وهنا المزيكا دخلت بدري وبشكل مش لطيف بالنسبة لي، وأعتقد أن بلال سرور نجح في تقديم لحن لا يشبه لحن ملطشة القلوب وده ف حد ذاته نجاح للملحن. أخيراً، أغنية ضارب عليوي مش على مستوى توقعات جمهور مصطفى شوقي أو نصر محروس، لأنها اعتمدت على اجترار وتكرار تجربة أغنية ملطشة القلوب، وماقدمتش تجربة فنية متفردة وأصيلة، يمكن تنجح جماهيرياً، بس مش هيكون زي ملطشة القلوب، وهتفضل حبيسة في مرآة التقليد كصورة، هتغرق زي تايتانيك، وهتفضل ملطشة القلوب هي الأصل اللي هيفضل طاير في سماء الإبداع وعمره ما هيغرق.