" الأيام دول" .. " ودوام الحال من المحال" .. مقولات أثبتت فاعليتها دوما على أرض الواقع. وجاء فيروس "كورونا"، الذي اجتاح العالم اليوم، ليؤكد منطوق هذه المقولات. جاء الفيروس المستجد ليضع نهاية للنظام العالمي الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفرض الولاياتالمتحدة كقوة مهيمنة على الساحة الدولية. بيد أن فيروس" كوفيد 19 " جاء ليضع نهاية للهيمنة الأمريكية، ومعه سيشهد العالم تغيرات طفرية على صعيد النظام الدولي. ولعل أولى سماتها اعتماد منظمة الصحة العالمية الدولية على الصين التي بدأت تلعب دورًا رئيسًا في زعزعة استقرار النظام العالمي القادم. جاءت أزمة وباء "كورونا" لتميط اللثام عن الحقيقة القائلة بأن الولاياتالمتحدة لم تعد القوة الرئيسة في العالم اليوم. تغيّر وضعها بحيث غدت قدرتها على لعب دور الزعامة في العالم في تراجع بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. جاء الفيروس المستجد ليمثل أزمة للولايات المتحدة، فالوباء أضعفها وجعلها أكثر دول العالم تضررًا من جرّائه. بل إنه أجبر الأمريكيين أخيرا على التنازل عن ادّعاء الزعامة . كما أن الفيروس وجه ضربة كبيرة لوحدة أوروبا التي لطالما كانت حليفًا للولايات المتحدة. حيث عجزت أوروبا عن دعم الآخرين بما في هذا بلدانها الأكثر تضررا من جرّاء الوباء مثل إيطاليا. ومن ثم بات يتعين على الاتحاد الأوروبي اليوم، وسط هذه المتغيرات، أن يسعى إلى زيادة العمل على إنشاء نظام عالمي جديد وهو ما يتطلب منه مراجعة هيكلية بنائه. مع تفشي وباء "كورونا" سلطت الأضواء على الصين حيث ناصبها ترامب العداء. جرى هذا تحديدا منذ أن تولى ترامب منصبه كرئيس للولايات المتحدة وبادر فأشعل الحرب التجارية معها. بل وتبنى الحملة المتشددة ضدها، ومن ثم شرع في التأكيد على مسئولية بكين عن أزمة "كورونا"؛ ولهذا بادر وأطلق على الوباء " الفيروس الصيني" وشرع في تبنى حملة متشددة تعهد من خلالها بجعل الصين تدفع ثمن الأضرار التي تحل بالعالم متضافرا في ذلك مع إدارته والعديد من مشرعيه باتهام الحكومة الصينية بالافتقار إلى الشفافية بشأن الفيروس، الذي تسبب في كارثة عالمية. وكان " بومبيو" وزير الخارجية الأمريكي في طليعة من هاجم الصين حيث دأب على الإعلان بأنه لا يمكن الوثوق بالحزب الشيوعي الصيني،ولفت الانتباه إلى عدم قدرة بكين على احتواء الفيروس عقب ظهوره، بل وشكك في معايير أمان مختبراتها وهى اتهامات تنفيها الصين بشدة. غير أن أعضاء فريق الأمن القومي التابع للرئيس ترامب كانت لهم وجهة نظر صفرية للغاية بالنسبة للعلاقات مع الصين. حيث ركز هؤلاء وبشكل خاص على منع الصين من الحصول على أية ميزة من أي وضع. واصطدم التحول القومي الصيني مع النزعة القومية الأمريكية المهيمنة على إدارة ترامب والتي ترفع شعار" أمريكا أولًا " مما زاد من حدة المواجهة وحال دون نوع من التعاون كان من الممكن فيما لو تم أن يؤدى إلى مكافحة الوباء، ومنع حدوث موجة جديدة منه. لقد تغيّرت الصورة كلية مع ظهور الوباء، فقبل أن يتولى ترامب منصبه كان هناك أكثر من عشرين من الخبراء الأمريكيين والصينيين من مركز السيطرة على الأمراض يعملون معا في بكين على معالجة هذه القضايا. ولكن عندما اندلعت الأزمة الراهنة في أعقاب ظهور "كورونا" لم يعد هناك سوى ثلاثة أو أربعة فقط. ومن ثم فإن اللوم هنا يقع على الحكومتين في ذلك. أما الدائرة المقربة من ترامب فتشهد مواجهة بين خبراء الأمن القومي وأنصار العولمة في نيويورك وهم الذين يجادلون بأن أمريكا بحاجة إلى الصين للعمل والتجارة. بيد أن ترامب لم يضيّع الفرصة وشرع في توجيه الاتهام ثانية إلى الصين، وخلافا لاتهامها بعدم الشفافية بشأن فيروس "كورونا" الذي تسبب في كارثة عالمية؛ عمد ترامب إلى زيادة التوتر ضدها أكثر وأكثر عندما اتهمها بأنها ستفعل كل ما في وسعها لكي لا يفوز في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نوفمبر القادم.