جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي لموسكو في أعقاب تصعيد إسرائيلي خطير حيث قامت الطائرات الإسرائيلية بغارة جوية علي سوريا بدعوي تدمير صواريخ سورية إيرانية الصنع كانت في طريقها إلي حزب الله، و أعلنت إسرائيل أنها لم تخبر الولاياتالمتحدة بأمر هذه الغارة. لكن الواقع حسب تقديري أن الغارة كانت رسالة لموسكو بأن التدخل الخارجي وارد، و أن ترجيح كفة العصابات التي تقاتل في سوريا ممكن بغارات إسرائيلية بدعوي الدفاع عن النفس من خطر محتمل، و احتفظت الولاياتالمتحدة لنفسها كذلك بحق التدخل بدعوي استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية ' في حال ثبوت ذلك ' التحقيقات جارية، روسيا حصلت علي مكسب بأن وافقت الولاياتالمتحدة علي ما جاء في إعلان جنيف أن تتم المفاوضات بين الحكومة السورية الحالية و قوي المعارضة بعد أن كانت الولايات ترفض الاعتراف بالنظام السوري كشريك في المفاوضات مع المعارضة و مهدت بإعلان كارلا دي لا بونتي بأن المعارضة استخدمت الأسلحة الكيماوية، و ربما كان مشهد المقاتلين المتطرفين قد أوحي للولايات المتحدة بما يمكن أن يحدث بعد سقوط بشار الأسد، خاصة علي أمن إسرائيل. الولاياتالمتحدة أعربتا عن مخاوفهما كذلك من عمليات تطهير عرقي و ديني في سوريا بعد انتهاء الحرب، و هو ما حذرت منه روسيا من قبل و اتفقتا الولاياتالمتحدة و روسيا علي مكافحة التطرف، فهل ستبدأ المفاوضات بالفعل لإنها حرب لن تنتهي بنصر حاسم لأي من الطرفين، ربما تبدأ المفاوضات، لكن هل ستنهي حرب تقوم بها جماعات إرهابية مسلحة وفدت من كل أصقاع الأرض، و لا تعرف من يسيطر عليها، و هل قادة المعارضة الذين يسكنون الفنادق المكيفة قادرين علي السيطرة علي عناصر إرهابية تقاتل باسم الدين في سوريا، لا أعتقد ذلك، فقد أدخل الغرب و للأسف دول عربية سوريا في نفق مظلم و فوضي من الصعب السيطرة عليها لفترة طويلة، ربما سيدركون ذلك عندما يكتوون بنار التطرف هم أنفسهم. لكن الأهم كما قلت من اللقاء أن الدولتين روسيا و الولاياتالمتحدة إحتفظتا لانفسهما بحق التدخل سواء بالإمداد بالسلاح أو التدخل العسكري المباشر، فالولاياتالمتحدة تنتظر أن يثبت استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، و روسيا تسيطر علي الوضع من خلال علاقتها بالنظام و ما تقدمه له من دعم معنوي و لوجستي، لكنهما في نفس الوقت اتفقتا ضمنياً علي أن لا يهزم أي طرف من أطراف النزاع حتي لا تحسب علي أنها هزيمة له شخصياً.... توازن صعب لو شعرت الولاياتالمتحدة بهزيمة حلفائها في سوريا فإنها ستثبت أن النظام استخدم الأسلحة الكيماوية كذريعة للتدخل، و روسيا تريد أن تبقي النظام كمفاوض رئيس و حليف علي السطح في إطار مصالحا الاستراتيجية.... في النهاية الحرب إرادة ضد إرادة، سنري ما ستكشف عنه الأيام القادمة. لكن المؤكد أن روسيا ضغطت بكوريا الشمالية و الملف النووي الإيراني، و هو ما دفع الولاياتالمتحدة أن تتخلي عن الملف السوري الذي قد يهدد بحرب شاملة في المنطقة و ألقت به إلي أحضان الدب الروسي، لكن حديث الرئيس بوتين بعد زيارة الوزير الأمريكي ينذر بشئ غير جيد لروسيا، فقد أشار الرئيس الروسي إلي الانتخابات الأفغانية و انسحاب قوات الناتو من أفغانستان العام القادم، و هو الأمر الذي سيفقد روسيا ورقة هامة من أوراق الضغط علي الولاياتالمتحدة، و توقع أن يحدث توتر شديد علي حدود روسيا الجنوبية، و أعرب عن مخاوفه من تنامي نشاط من وصفهم بالأصوليين و ما يمكن أن يسببه من مشاكل لروسيا.