كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولفترة قريبة يتباهى بانجازاته الداخلية التي تتبلور في نجاحه النسبي على مستوى الاقتصاد الأمريكي ، وهذه النقطة كان يعتمد عليها ويلاعب بها الناخبين للفوز بولاية رئاسية ثانية ، كما توجد دعائم أخرى كانت ستمكنه من الفوز بالرئاسة بسهولة ومنها استحواذه على الحزب الجمهوري وإدارة الدفة الانتخابية الرئاسية لصالحه ناهيك عن شعبيته مع أعضاء الكونجرس وإضافة إلى حفاظه على شعبيته الانتخابية داخل الولاياتالأمريكية ،وأيضا بسبب سياسته الخارجية المتخبطة ومنها صراعه التجاري مع الصين ودول الاتحاد الأوروبي التي تلقى الرضا من شريحة كبرى من الأمريكيين القوميين ، وسياسته الخاطئة في تعاملاته مع أزمات الشرق الأوسط وعلى رأسها ظلمه للقضية الفلسطينية لصالح إسرائيل ، وهي سياسات يراها الكثير من الأمريكيين وحلفائهم سياسات ناجحة وتعمل لمصالحهم ، لكل تلك الأسباب وأكثر ظن الرئيس ترامب بأنه وبرغم التحديات الكبيرة التي تواجهه ومنها تحديات الحزب الديمقراطي بأنه سيفوز بولاية رئاسية ثانية خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يرجح إقامتها في موعدها أوائل نوفمبر القادم وفقا لتطورات وتداعيات فيروس كورونا وانعكاساته السلبية الخطيرة على الولاياتالمتحدة وبأكثر من غيرها من البلدان . وفوق كل ذلك فإن الرئيس ترامب خلال فترته الرئاسية الماضية نجا ولأكثر من مرة من محاولات الحزب الديمقراطي الأمريكي وغيرهم من المنتقدين لسياساته من العزل الرئاسي ، وآخرها خلال إجراء محاكمته أمام مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون في السادس من شهر فبراير الماضي ، ومن ثم تبرئته من التهم التي وجهها له مجلس النواب الأمريكي برئاسة نانسي بيلوسي والمتعلقة باستغلاله للسلطة من خلال مكالمته بخصوص إدانة جو بايدن مع الرئيس الأوكراني خلال نوفمبر الماضي 2019، وعرقلته الدائمة لعمل الكونجرس ، ولهذا كان الطريق مفتوحا أمام فرص الرئيس ترامب للحفاظ على رئاسته لأمريكا غير عابئ بالانتقادات الداخلية الموجهة له بخصوص سياساته ، أو بالمرشحين الديمقراطيين ومن سيمثلهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة وأخرهم بيرني ساندرز الذي خرج من السباق لصالح منافسه العنيد جو بايدن ، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن وذلك بعد أن حل وباء كورونا على العالم بعد تفشيه من مدينة ووهان بالصين وانتقاله لكل بلدان العالم قاطبة ، ليجد ترامب نفسه عاجزا ومتخبطا أمام هذا الوباء ، وبخاصة أن تلك الكارثة قد أرخت بظلالها السوداء بسبب إجراءات الحظر الصحي الأمريكي على توقف غالبية الأنشطة الاقتصادية في أمريكا ، بل وأرخت ظلالها أيضا على إجراءات العملية الانتخابية الرئاسية وعطلت تحركات الناخبين ودعاياهم الانتخابية في البلاد ، والأهم من ذلك أنها قد وضعت قدرات ترامب الحقيقية كرئيس أكبر دولة بالعالم أمام إدارته لتلك الأزمة ، والتي ينتقد فيها غالبية الشعب الأمريكي الرئيس ترامب لسوء إدارته لتلك الكارثة منذ انتشارها ، وعدم اتخاذه الإجراءات السريعة واللازمة لمواجهتها ، وقد وجهت له وما تزال الكثير من الانتقادات من جانب الديمقراطيين والكثير من أبناء الشعب الأمريكي لإعطائه فترة طويلة لاتهام الصين بالمسئولية عن تفشي العدوى ، وتفاخره بإمكانات بلاده كأكبر قوة بالعالم لمواجهة الوباء ليكتشف في النهاية وبشكل مأسوي تحول الولاياتالمتحدةالأمريكية وبأكثر من غيرها من البلدان إلى بؤرة للوباء العالمي من حيث عدد الوفيات وعدد المصابين الذي يفوق الحد ، ناهيك عن توجيه الاتهامات له بالمسئولية عن إصابة أكثر من 150 جندي من قوات البحرية الأمريكية في عرض المحيط الهندي وهم على أكبر حاملة طائرات وجنود والمسماة بأس أس روزفلت دون سبب واضح ، إضافة إلى تدهور الاقتصاد تباعا وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الأمريكيين بشكل غير مسبوق ، وتقدم أعداد كبيرة من الأمريكيين للحصول على الإعانة في ظل تلك الظروف الاقتصادية المتدهور ، إضافة إلى عدم تعاطفه في بداية أزمة انتشار الوباء خلال أوائل شهر يناير الماضي مع الضحايا والمصابين لصالح اهتمامه بالبورصة والاقتصاد ، وإهماله للنظام الصحي وبالانجازات السابقة لصالح التأمينات الصحية ، وظهور أمريكا عاجزة عن إدارة الأزمة وعن توفير المستلزمات الطبية الضرورية لمواجهة الأزمة ، وانتقاده لمنظمة الصحة العالمية طريقة إدارتها للأزمة وتحيزها كما يرى للصين ومن ثم قطع معونات بلاده لتلك المنظمة ، ولكل تلك الأسباب يجد الرئيس ترامب نفسه أمام اختبار صعب وعن مدى قدرته خلال الأشهر القليلة المقبلة على الصمود وتخطي الأزمة وكسب ثقة ورضا الناخب الأمريكي ما إن تمكن من التغلب على فيروس كورونا وهذا أول محك أمامه . أما المحك والتحدي الأخر الذي يواجه ترامب المتطلع للفوز بولاية ثانية فهو مواجهته خلال الانتخابات الرئاسية لخصم قوي وعنيد وهو المرشح الديمقراطي جو بايدن الذي يكاد يكون المرشح الأوفر حظا الذي يمتلك حظوظا كبيرة هو الأخر للفوز بالرئاسة بسبب انجازاته وشعبيته العريضة في الولاياتالمتحدة وتمكنه مؤخرا بالفوز بأكثر من 15 ولاية على كل منافسيه ، ناهيك عن صراعاته وسيجالاته وتحدياته وانتقاداته مع الديمقراطيين للرئيس ترامب وأخرها كان انتقاده له مع المرشح بيرني ساندرز أثنا مناظرة تلفزيونيه سابقة انتقدا فيها معا سوء إدارة ترامب لأزمة كورونا واتهامه بالتسبب في وفاة الكثير من الأرواح ، والأكثر من ذلك أن حملوه عدم اتخاذه قرار لإشراك الجيش الأمريكي في مواجهة كورونا ، وعن استخفافه بالأزمة منذ بدايتها ، بل تساءل جو بايدن أيضا عن خطة ترامب لإعادة فتح الولاياتالمتحدةالأمريكية بأمان على مستوى الاقتصاد والصحة مرة أخرى ، الأمر الذي جعل الحزب الديمقراطي يتوحد من جديد حول هدف واحد وهو استغلال أزمة كورونا لتوجيه الانتقادات الكبيرة تجاه الرئيس ترامب واتهامه بالمسئولية عن فداحة الخسائر من أجل إزاحته عن المشهد السياسي . لذا يرى الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين بأن جائحة كورونا وتداعياتها الخطيرة على الشعب الأمريكي قد فرضت منطقا جديدا على المشهد السياسي الأمريكي وعلى الاقتصاد والصحة وعلى النواحي الاجتماعية وعلى المؤسسات كافة بل وعلى طبيعة المشهد الانتخابي الرئاسي القادم وطريقة تعاطي الأمريكيين معه ، وجعل الرهان الأكبر على مسألة إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في موعدها المحدد لها في الثالث من شهر نوفمبر القادم ، وعن خطط ترامب المرتقبة للخروج من تلك الأزمة ، وعن مواعيده التي سيقررها لتقليل إجراءات الحظر وعودة الحياة الاقتصادية الأمريكية تدريجيا إلى سابق عهدها ، وعن التأثيرات السلبية والمساءلات التي سيخضع لها الرئيس الأمريكي فور انتهاء الأزمة ، ليجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه بين تحديين كبيرين يمكن أن يقضيا على مستقبله السياسي والرئاسي القادم وهما مطرقة جو بايدن وسندان وباء كورونا القاتل ، فهل ينجح ترامب الجامح من الإفلات منهما والنجاة بسلام ؟