التزمت الجامعة العربية بوصايا المندوب السامي الأمريكي وأطروحاته في معالجة قضايا الأمة، فرأيناها وقد تبنت موقفًا شائهًا بالنسبة لسوريا عندما علقت عضويتها في الجامعة، ورأيناها عندما كانت المظلة التي منحت الغرب وكل العالم شرعية فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية عليها، وأعطت الضوء الأخضر لتسليح المجموعات الإرهابية المسلحة في سوريا ودعمها تمويلا وتسليحًا وتدريبًا، ورأيناها عندما أقرت بمنح الشرعية لفصيل من المعارضة كي يحتل مقعد سوريا في الجامعة وهي سابقة لم تحدث من قبل. ولن ينسي أحد لها أنها كانت المظلة التي منحت تفويضًا للناتو لقصف ليبيا للإطاحة بالقذافي وهو القصف الذي أودي بحياة الآلاف من المدنيين الأبرياء. مواقف كثيرة تبنتها الجامعة أكدت بواسطتها أنها أبعد ما تكون عن العروبة وأن دورها قد تقزم وبات رهنا بإرادة أمريكا. أما آخر ما تورطت فيه فكان قبولها بمبدأ تبادل الأراضي بين إسرائيل والفلسطينيين وهو ما اتخذته خلال اجتماع وفد لجنة مبادرة السلام العربية التي ترأسها قطر بوزير الخارجية الأمريكي 'جون كيري' في واشنطن نهاية الشهر الماضي، فلقد منحت قطر لنفسها تفويضًا بتقديم هذا التنازل غير المسبوق لإسرائيل وهو البند الذي سبق للدول العربية أن رفضته علي أساس أن القبول به سيعني احتفاظ إسرائيل بالبؤر الاستيطانية علي الأراضي الفلسطينية وهو أمر يتعارض مع القوانين الدولية. القبول بهذا البند كان بمثابة تقديم هدية مجانية لإسرائيل وهي التي طالما حلمت بتحقيقه ولهذا رأينا 'تسيبي ليفني' وزيرة العدل ومسئولة ملف المفاوضات عن الجانب الإسرائيلي ترحب به، كما أن وزير الخارجية الأمريكي 'جون كيري' رأي فيه خطوة كبيرة جدًا نحو الأمام. الجدير بالذكر أن بند تبادل الأراضي هذا كان قد وعد به 'بوش' الصغير إسرائيل في خطاب الضمانات الذي بعث به لشارون في إبريل 2004. واليوم جاء 'حمد بن جاسم' ليحقق بالتنازل الذي قدمه عن طواعية حلم إسرائيل التي لم تبد أي تغير في مواقفها إزاء الحدود والمياه والقدس واللاجئين. ولا شك أن هذا التنازل يمثل تعديلا لمبادرة السلام التي كانت قمة بيروت العربية قد أقرتها في 2002 ورفضتها إسرائيل في حينه. التنازل المذكور يعني إبقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة تحت السيطرة الإسرائيلية وتحت سيادة الدولة اليهودية ويعني تنازل الفلسطينيين عن جزء كبير من الضفة الغربية. التنازل المذكور يعني قبول العرب بالاستيطان والتهويد وبجدار الفصل العنصري وبجرائم إسرائيل في تهويد القدس. ويعني مخالفة كل المعاهدات والمواثيق الدولية والقرارات الصادرة عن الأممالمتحدة القائلة إن الاستيطان ضد القانون. موافقة العرب علي تعديل مبادرة السلام من خلال تبادل الأراضي هو بداية لبيع القضية والتخلي عن كل الثوابت التي تضمن استعادة الأرض والمقدسات وحق العودة وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. والغريب أن يأتي هذا التنازل تحت لافتة السلام رغم أنه جريمة جديدة في حق الفلسطينيين تضاف إلي سجل المؤامرات التي حيكت ضد المنطقة. لقد كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين علي حق عندما عقبت علي هذا التنازل بقولها: إنه إيغال في دبلوماسية التسول والتوسل لوزراء الخارجية العرب وأنه خطوة خطيرة تذكر بوعد بلفور' المشئوم. للأسف تمادي الوفد العربي في لقاء واشنطن عندما أذعن لشروط إسرائيل وكان الأجدي به أن يطالب أمريكا بدعم قرارات الشرعية الدولية بما فيها رفض الاستيطان وإدانته. ولن يكون مستبعدا بعد ذلك أن يسارع بمطالبة كل الدول العربية بتطبيع العلاقات الكاملة مع الكيان الصهيوني وتبني منطق 'نيتانياهو' القائل إن انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية لن يؤدي إلي السلام، ولكن ما يؤدي إلي السلام هو الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.