أثار فيروس كورونا الهلع، والخوف لدى دول العالم لا سيما بعد أن تحول إلى وباء، وشاع في أكثر من سبعين دولة، وبات الجميع يخشون نهاياته السيئة. هناك أوبئة أخرى ظهرت وانتشرت مثل الإيدز، والطاعون، والكوليرا، والأنفلونزا التي أدت إلى وفاة الملايين، لتظل شركات الأدوية هي المستفيد الوحيد من هذه الأوبئة التي ساهمت فيما حققته هذه الشركات من ثروات هائلة. لقد تساءل البعض عن أسباب ظهور هذا الفيروس فجأة، وراح البعض يتحدث عن أنه مؤامرة تم نسجها ضد دول معينة. بينما رأى آخرون أنه ابتلاء من الله، فهو عقاب إلهي حل ببني البشر عندما عاثوا فسادًا في الأرض، وحادوا عن الحق، وأن النموذج تجسّد في الصين وهى الدولة الأولى التي اخترقها هذا الوباء منذ الثانى عشر من ديسمبر 2019، فكان أن قتل وأصاب المئات من الصينيين. وجاء هذا كانتقام ربانى من الصين بعد أن قامت حكومتها بمحاصرة مليون مسلم من شعب «الإيغور» فجاء فيروس كورونا كعقاب رباني، وبالتالي فإن انتشاره في ربوع الصين لا علاقة له بالنظام الطبيعى. بيد أن هناك من يرى أن تفسير الظاهرة المرضية بأنها عقاب إلهي يعد تفسيرًا جزافيًّا، وهو ضد العلم والعدالة ولا يصح نسبته إلى الله العظيم جلّ وعلا. تفشى فيروس كورونا في الصين وانتقل بعد ذلك لمناطق متفرقة في العالم. ولكن وإذا كان عن حق كارثة صحية إلا أنه ليس منفردًا بذلك، فالأوبئة كثيرة وقد لوحظ ظهورها كل مائة سنة. وهى الأوبئة التي حصدت على مدى أربعة قرون أرواحًا تفوق ما حصدته الحربان العالميتان، وحروب أخرى؛ ليصبح رقم عشرين يمثل عاملَ شؤمٍ، ففي عام 1720 ظهر وباء الطاعون الذى أطلق عليه طاعون مرسيليا العظيم وجاء بعد أن انتشرت البكتيريا عبر الذباب المصاب بها، وأودى الوباء بحياة مائة ألف شخص خلال أيام. وفى القرن الذي تلاه، وتحديدًا في 1820 حصدت الكوليرا أكثر من مائة ألف شخص. وبعد قرن آخر، وتحديدًا في عام 1920 ظهر وباء الأنفلونزا الإسبانية القاتل وكان أكثر خطورةً من الفيروس العادي إذ أصاب عشرات الملايين من الأشخاص، وراح ضحيته أكثر من مائة مليون بينهم 16 مليونًا في الهند، وعشرات الآلاف في المدن الساحلية الواقعة على خطوط الملاحة بين آسيا وأوروبا، وتسبب في تعطيل معظم خطوط الملاحة في وقت كانت فيه السفن وسيلةً وحيدةً للتواصل بين قارات العالم. وكان هذا الوباء الأكثر دمويةً في التاريخ العلمي. واليوم ظهر فيروس كورونا ليحل في البداية بالصين وليصبح نحو 11 مليون مصاب في الحجر الصحي، وتصبح الصين معزولةً عن باقي دول العالم. ويكفى أنه تسبب حتى الآن في وفاة 2990 شخصًا ليتمكن الفيروس بعد ذلك من الانتشار خارج حدود الصين، وينتشر في أكثر من 125 دولة ويصل عدد الوفيات في العالم إلى 4590. واليوم يعيش العالم مع الوباء القاتل الذى كان ظهوره في الصين كبداية صادمًا للجميع لا سيما بعد أن امتد وانتشر في الكثير من دول العالم وانتقل إلى مرحلة فقدان السيطرة عليه دوليًّا مما يستوجب من الجميع عدم الاستهانة به، وضرورة أخذه مأخذ الجد، واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة للحد من انتشاره، والتقليل ما أمكن من مخاطره بين الناس، وذلك انطلاقًا من الأديان السماوية التي حثت رعاياها على التضامن والتعاون فيما بينهم لما فيه الخير للإنسانية جمعاء. وهذا ما فعلته المملكة العربية السعودية مؤخرًا عندما اتخذت إجراءً وقائيًّا للحيلولة دون انتشار الفيروس، فكان أن منعت- على سبيل التأقيت- تأشيرات العمرة، وزيارة الحرم النبوي الشريف في محاولة منها لمواجهة هذا الفيروس القاتل. ولقد كان هذا القرار من صميم مقتضى مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء حفاظًا على النفس البشرية. وهو ما اتخذته حكومة عاهل السعودية الملك سلمان انطلاقًا من مسؤوليتها الدينية، والوطنية، والشرعية في رعاية المواطنين، والمعتمرين، والزوّار والمقيمين.. فالقرار السعودي نابع من حرص المملكة على صحة المعتمرين وسلامتهم جريًا على سنتها الحميدة في بذل الغالي، والنفيس في خدمة ضيوف الرحمن.