تعيش الكثير من دول أمريكا الجنوبية هذه الأيام على صفيح ساخن إذ تشهد الكثير من دولها ومنذ فترة حالة من الإضرابات والانقلابات والاحتجاجات العاصفة لشعوبها، ومن ذلك ما حدث من انقلابات ضد الرئاسة والحكومة فى الهندوراس وبارجواى، وما يحدث الآن فى فنزويلا وما حدث فى البرازيل، وما يحدث فى تشيلى وما وقع فى بوليفيا وما هو مرتقب أن يحدث من تقلبات وتغييرات فى الكثير من بلدان أمريكا الجنوبية خلال الفترة المقبلة، فمن يقف وراء إحداث تلك الانقلابات المفاجئة؟، وفقا لآراء المحللين والسياسيين فى أمريكا الجنوبية والعالم فإن تلك التحولات السياسية الغريبة والانقلابات التى تشهدها دول أمريكا اللاتينية خلال السنوات الأخيرة تحركها بعض الأحزاب والحركات اليمينية وبعض الأصوات المعارضة المدعومة من إعلام طبقة رجال الأعمال وجماعات المصالح المدعومة من الولاياتالمتحدةالأمريكية والتى تهدف عن طريق رجال مخابراتها ووسائلها غير الأخلاقية إلى إحداث تغييرات جذرية ومنها التخلص من الحكومات التقدمية والعمل على زعزعة استقرارها وهو ما نشهده الآن فى أكثر من بلد فى أمريكا الجنوبية، ومن دلائل ذلك هو أن رئيس جمهورية الإكوادور رافائيل كورريا قد سبق وحذر من وجود خطة أمريكية جديدة وهى عملية تسمى كوندر ضد أمريكا اللاتينية وحكوماتها التقدمية مثل تلك الخطة التى قامت بتصميمها وتنظيمها وتمويلها وكالة الاستخبارات المركزية فى عقد السبعينيات وهو مثال واضح لإرهاب الدولة، كما اتهم أيضا وزير الخارجية الفنزويلى خورخى أرياسا سابقا السلطات الأمريكية بالوقوف وراء الانقلاب فى البلاد، مشيرا إلى أن سيناريو المعارضة الفنزويلية جاء من واشنطن والدليل على ذلك تدخل إدارة ترامب السافرة فى الشأن الداخلى الفنزويلى ومنها محاولات أمريكا الفاشلة فى إدخال المساعدات للشعب الفنزويلى، والاعتراف الأمريكى غير الشرعى بزعيم المعارضة خوان غوايدو كرئيس لفنزويلا على حساب رئيسها الشرعى مادورو ،ومن ذلك أن دعا فى حينه وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو الجيش الفنزويلى وقوات الأمن إلى دعم الديمقراطية وحماية المدنيين، ومطالبا فى الوقت نفسه الرئيس مادورو بالتنحى لصالح الرئيس خوان غوايدو، وفى ذات السياق قال مسئول بارز فى الإدارة الأمريكية فى حينه: إن كل الخيارات مفتوحة إذا اعتدى مادورو على أعضاء الجمعية الوطنية، لافتا إلى أن العقوبات الحالية على فنزويلا هى جزء بسيط من الإجراءات التى يمكن اتخاذها. ولهذا فلا تزال الولاياتالمتحدةالأمريكية تعمل ما يحلو لها دون رادع فى أمريكا الجنوبية ومنطقة بحر الكاريبى، انطلاقا من أن الولاياتالمتحدة ما زالت تعتبر بلدان الجنوب الواقعة فى القارة الأمريكية كالحديقة الخلفية التابعة لها، ومن أجل ذلك تقوم بأعمال مختلفة سريا أو علنيا للمحاولات بالإطاحة بالحكومات التقدمية المنتخبة فى المنطقة، وهى أعمال بدأت من تشجيع العنف والتذمر ومواصلة الحملات الإعلامية الموجهة نحو الطبقات الفقيرة وهى أعمال رخيصة تقف من ورائها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بدعم من الإدارات الأمريكية المتعاقبة ،ففى فنزويلا كانت عملية التحول إلى اليسار أكثر قوة خلال فترة حكومة الرئيس الراحل هوغو تشافيز، فالنخبة هناك لم تكف عن إثارة الأوضاع بمساعدة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتوجت المؤامرة بانقلاب عام 2002، والذى رفضه الشعب وأعادت تشافيز إلى الحكم بعد يومين فقط ،والآن وبسبب التظاهرات والانقسامات غير المبررة فقد اتهم رئيس جمهورية فنزويلا نيكولاس مادورو الولاياتالمتحدة بسعيها إلى القضاء على حكومات بعض دول أمريكا اللاتينية وتعميم نموذج التطور النيوليبرالى على القارة برمتها كما أشار مادورو سابقا إلى الهجمات الدائمة التى تشنها أمريكا على الرئيس البوليفى إيفو موراليس الذى واجه حملة لتشويه نتائج الاستفتاء حول إدخال تعديلات على دستور البلاد تمكّن الرئيس ونائبه من إعادة انتخابهما لفترتين متتاليتين ومن ثم استقالة الرئيس البوليفى إيفو موراليس مؤخرًا وحول الانتقادات التى وجهها الرئيس الأرجنتينى المنتخب البرتو فرنانديز للولايات المتحدةالأمريكية هو اتهامه لها بالتدخل فى شئون بلدان أمريكا الجنوبية، ومنها تحميله المسئولية لأمريكا تجاه الاضطرابات السياسية الواقعة فى بوليفيا والتى شهدت استقالة الزعيم اليسارى ايفو موراليس تحت الضغط، وقيامه باللجوء السياسى للمكسيك، وفى تشيلى التى تشهد الآن أعنف التظاهرات غير المبررة فقد أعلن رئيس تشيلى سيباستيان بنيرا خلال السبت قبل الماضى، حالة الطوارئ فى العاصمة سانتياجو وذلك بعد أن عمت الفوضى العاصمة وسط أعمال شغب أدت إلى إشعال النار فى بناية بوسط المدينة وإغلاق شبكة مترو الأنفاق. ووفقًا للخبراء والمحللين فإن استراتيجية وسائل الإعلام السياسية التى تطبقها الأحزاب اليمينية المتطرفة والمعارضة ضد الحكومات التقدمية فى كل من البرازيلوفنزويلا والأرجنتين وبوليفيا وتشيلى والإكوادور وغيرها يقف من ورائها مخططات ودعم مالى ولوجستى كبير من قبل حكومات واشنطن التى تهدف منذ سنوات إلى تنفيذ أعمال لخلع الحكام وزعزعة الاستقرار بنشاط مكثف من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وسفارات أمريكا وإعلامها المضلل لتشويه صورة الحكومات التقدمية فى أمريكا اللاتينية وتأجيج شعوبها ضدها من أجل استعادة الليبرالية الجديدة فيها، فهل تعى شعوب أمريكا الجنوبية ما يحدث ضدها من مؤامرات ومخططات وما سبق أن تعرضت له من ويلات ونكبات ومن هيمنة أمريكا على دولها وبما يهين كرامتها وحضارتها ويمحو إرادتها ويهدد حريتها ووجودها؟