عرفت الصحافة منذ بدايتها بأنها مهنة البحث عن المتاعب، وكل من يدخل بلاطها يدرك أن تلك المقولة ليست من فراغ، فبلاط صاحبة الجلالة يختلف تماما عن حلم المكتب الفاخر والنفوذ والدعوة لكافة المحافل، والوصول لمكانة جيدة –لا أقول للقمة– يستلزم عبور طريق محفوف بالأشواك. لا شك أن لكل مهنة متاعبها، لكن الصراع للحصول على خبر أو موضوع ما، أو صورة حصرية - خاصة فى ظل التطور التكنولوجى الهائل والسوشيال ميديا وما يعرف باسم صحافة المواطن - يجعل الصحافة هى المهنة الأكثر مشقة. وبالرغم من كل ما سبق، إلا أنه لا يبرر مطلقا التخلى عن قواعد الذوق والإنسانية سعيا لتحقيق سبق صحفي. مازلت أذكر جنازة فاتن حمامة، نور الشريف وغيرهما من المشاهير، وما حدث خلالها من مهازل لا إنسانية، ومشاهد التزاحم والتدافع لالتقاط صورة أو الحصول على كلمة من الحضور!! وللأسف، يتكرر ذلك مع كل جنازة، وكل عزاء، بلا مراعاة لأدنى معايير الإنسانية. لا أدرى ما الإجابة التى يتوقعها المندوب الذى يخترق حزن الناس، موجها الميكروفون صوبهم، ليدلى بسؤاله العجيب الذى يظنه فريدًا من نوعه (ماذا تقول ونحن فى جنازة فلان؟!). وما السبق فى تصوير فلانة أثناء بكائها أو صراخها أو انهيارها مغشيا عليها؟؟ والأسوأ، أن الأمر لم يعد مقتصرا على مندوبى الأخبار والمصورين، بل امتد للجمهور العادى!! فلو التمست العذر لمن يؤدى عمله دون الاهتمام بأية اعتبارات أخرى، فما الذى يدفع الجمهور لذلك المسلك؟! إن سلوكيات الجمهور دليل صارخ على انهيار منظومة الأخلاق والقيم أمام جنون السيلفى!! فبدلا من الوقوف صمتا أمام هيبة الموت، والعظة مما سيئول إليه الجميع، وقراءة القرآن أو الدعاء للمتوفى، يتدافع الناس للفوز بصورة أو فيديو للفنان فلان أثناء حضور العزاء، ويا للسعادة لو حصل على سيلفى معه!! أين ذهبت أخلاق المصريين (الجدعان) الذين يقدمون المساندة والدعم لغيرهم فى الحزن والشدائد، ويتكالبون لدفع كل ما يزعج أهل المتوفى فى تلك الأوقات العصيبة؟! كيف ومتى أصبح السيلفى أهم من الاعتبارات الإنسانية؟!