مجدداً راح الإخوان المسلمون يوجهون الاتهامات الكاذبة إلي الجيش المصري وقادته السابقين والحاليين. لقد نشر موقع 'الشروق' الإلكتروني فيديو لعضو مجلس شوري جماعة الإخوان علي عبدالفتاح يتهم فيه الجيش صراحة بأنه تورط في قتل الجنود المصريين في رفح، وقال حرفياً 'عملوا للرئيس الفخ بتاع رفح، بس هو استفاد منه وراح مطهر الجيش فحول المحنة لمنحة، فكان أسداً وكان لوحده ومكانش معاه لا جيش تبعه ولا حرس جمهوري تبعه ولا مخابرات تبعه وقتها، ربنا نصره'. وبمجرد نشر هذا الفيديو، الذي كان عبارة عن محاضرة ألقاها المهندس علي عبدالفتاح بمسجد الهدي والنور في كفر الدوار نهاية الشهر الماضي، قامت الدنيا ولم تقعد. وقد أكد مصدر عسكري لصحيفة 'الوطن' معلقاً علي هذا الفيديو بالقول إن هذا نوع من الجنون والتخاريف ومحاولة من بعض التيارات السياسية والدينية لتوريط الجيش مع الشعب وتحقيق مكاسب للجماعة التي ينتمي إليها، خاصة أن الجيش يحظي باحترام وتقدير الشعب في الوقت الذي تتقلص فيه شعبية الإخوان. وقال المصدر إن هذه التصريحات غير المسئولة تثير غضب أبناء الجيش، وأن صبر المؤسسة العسكرية لن يستمر طويلاً، واستنكر عدم صدور بيان رسمي من تنظيم الإخوان يدين تلك التصريحات، وأكد أن القوات المسلحة لن تكون يوماً ميليشيات تابعة لأي تيار. لقد عبر الفريق السيسي عن غضبه من هذه التصريحات وأجري اتصالات بالرئيس، أثمرت عن نفي من المهندس علي عبدالفتاح، مما اضطر موقع 'الشروق' إلي نشر الفيديو مرة أخري، وأيضاً اعتذار من الإخوان واتخاذ قرار بتجميد نشاط المهندس علي عبدالفتاح. إن كل ذلك لا يعني أن الأزمة قد هدأت، أو أن الحقيقة حول ما جري في رفح وأسبابه قد اتضحت، الأمر لا يزال غامضاً، وهناك إصرار من الرئيس علي عدم الكشف عن أسماء القتلة والإعلان عن نتائج التحقيقات!! ويبقي السؤال لماذا يخاف الرئيس من إعلان الأسماء؟ وأين الحقيقة في حادث رفح الذي كان وقوعه بداية لمسلسل عزل المشير ورئيس الأركان، ثم اختطاف السلطة التشريعية والبدء في السيطرة الكاملة علي مفاصل الدولة واستباحة القضاء وتفكيك المؤسسات وتحصين القرارات؟ 'الوطن' تنشر تفاصيل ما جري علانية وخلف الكواليس علي حلقتين متتاليتين!! قبيل الانتخابات الرئاسية بقليل، كنت ألتقي اللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة في مكتبه، استمر اللقاء لفترة طويلة، كان النقاش مركزاً حول الأوضاع الراهنة وفي القلب منها التطورات التي تشهدها منطقة سيناء. لقد قال اللواء مراد موافي، إن الأوضاع هناك تنذر بخطورة شديدة، وقال إن التقارير التي وصلت الجهات الأمنية والاستخبارية تؤكد أن هذه المنطقة أصبحت تنذر بتطورات أخطر في الفترة القادمة. كان المشير حسين طنطاوي قد اتفق مع وزير الداخلية محمد إبراهيم علي قيام اللواء أحمد جمال الدين مدير الأمن العام في هذا الوقت بمتابعة الوضع علي الطبيعة في مناطق سيناء المختلفة، وبالفعل قام اللواء أحمد جمال الدين بزيارة إلي هناك استغرقت عدة أيام، سعي خلالها إلي محاولة محاصرة هذه الجماعات الإرهابية التي انتشرت في أرجاء المنطقة، كما عقد العديد من الاجتماعات مع مشايخ وعواقل القبائل السيناوية المختلفة، لحثهم علي التعاون مع الجهات الأمنية للقضاء علي انتشار الجريمة والتطرف في هذه المناطق. بعد عودته قدم اللواء أحمد جمال الدين تقريراً إلي وزير الداخلية يحذر فيه من خطورة الصمت علي هذه الأوضاع، وطالب في تقريره بضرورة قيام حملة أمنية من القوات المسلحة والشرطة للقضاء علي هذه العناصر وإعادة الأمن والاستقرار إلي سيناء. كان اللواء مراد موافي قد عمل مديراً للمخابرات الحربية، قبل أن يعين محافظاً لشمال سيناء، كان يعرف الحقائق جيداً، ويعرف خطورة استمرار هذه الحالة الأمنية المتردية وما يمكن أن ينجم عنها. عندما سألت اللواء مراد موافي.. هل جري إبلاغ المشير طنطاوي بهذه التقارير؟ قال: طبعاً بالقطع، نحن نطلعه علي الحقائق أولاً بأول. من وراء الحادث؟ ولماذا يرفض الرئيس حتي الآن الإعلان عن هوية القتلة؟ - سألته: ولماذا لم يتخذ قراراً بإرسال الجيش لمواجهة هذه المشكلة؟ قال: لقد طلبت ذلك، وأتمني منك أن تبلغ المشير بخطورة الموقف إذا ما التقيته. - قلت: ماذا كان رده؟ قال: هناك اتفاق علي القيام بحملة كبيرة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، خاصة أن قوات الجيش منهكة في حفظ الأمن الداخلي والاستعداد لانتخابات الرئاسة في الخامس من أغسطس 2012 تحركت عدة سيارات دفع رباعي واتجهت إلي 'كمين الحرية' بمنطقة رفح وعلي بعد 2 كيلومتر من منطقة 'كرم أبوسالم' علي الحدود مع العدو الصهيوني وصل الركب في السابعة مساءً، مع انطلاقة مدفع الإفطار، كان الجنود المصريون الذين يرابطون في هذه المنطقة قد انتهوا لتوهم من إعداد وجبة الإفطار، وفجأة انقض عليهم 35 إرهابياً ملثماً يرتدون الملابس العسكرية الزيتية، واستطاعوا في دقائق محدودة قتل 16 من الجنود المصريين وجرح سبعة آخرين سالت الدماء الطاهرة، واختلطت بوجبة الإفطار التي كان الصائمون يستعدون لتناولها، ثم قامت المجموعة الإرهابية بالاستيلاء علي مركبة مدرعة واستخدمتها في اختراق الحدود مع العدو الصهيوني في منطقة 'كرم أبوسالم' جنوب قطاع غزة. كان الخبر مفاجئاً للكثيرين، لقد أحدث صدمة عنيفة في أوساط المصريين، توالت البيانات التي تشجب وتدين، غير أن أخطر ما تضمنه بيان المجلس العسكري هو التأكيد علي أن الهجوم الإرهابي تزامن معه قيام عناصر من قطاع غزة بالمعاونة من خلال أعمال قصف بنيران مدافع الهاون علي منطقة كرم أبوسالم. كان ذلك يعني أن هناك عناصر فلسطينية قد شاركت في الهجوم علي الجنود المصريين، وأن عناصر معاونة لها هي التي تولت عملية القصف علي منطقة كرم أبوسالم داخل الأراضي التي يستولي عليها العدو الصهيوني أثناء محاولة الإرهابيين اختراق الحدود إلي داخل كرم أبوسالم. في هذا الوقت أصدرت رئاسة الجمهورية بياناً علي لسان المتحدث الرسمي د.ياسر علي أكدت فيه إدانتها للحادث، وقالت إنه لن يمر مرور الكرام دون رد مناسب. وعقد الرئيس في صباح اليوم التالي اجتماعاً بحضور المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع، والفريق سامي عنان رئيس الأركان، واللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية، واللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة، واللواء عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية، حيث جري مناقشة آخر المعلومات المتعلقة بالحادث الإجرامي. في هذا الوقت أعلنت القوات المسلحة عن عقدها مؤتمراً صحفياً في ذات اليوم بإدارة الشئون المعنوية للإعلان عن تفاصيل العملية 'نسر' التي اتخذ قرار بالبدء فوراً في تنفيذها للقبض علي الجناة وتطهير المنطقة من الإرهابيين. وقد وعدت مصادر بالقوات المسلحة بالكشف عن نتائج التحقيق حول هوية المتورطين في الحادث، خاصة أن مصدراً عسكرياً مسئولاً، قال: 'إن نتائج التحقيقات تضم الكثير من المفاجآت، ومن حق الشعب أن يعرفها وسنعلنها بوضوح دون النظر لأي اعتبارات أخري'. انتظر الناس معرفة نتائج التحقيقات، خاصة أن الجانب الإسرائيلي أخطر مصر بمعلومات محددة حول الحادث، إلا أن انتظار المصريين طال كثيراً، ولم يتعرفوا علي حقائق ما جري حتي الآن. لقد استطاعت مصر في هذا الوقت الحصول علي موافقة الحكومة الإسرائيلية بإدخال العديد من المعدات والطائرات العسكرية إلي داخل منطقة سيناء، حيث شنت القوات المصرية هجوماً علي الأنفاق، وتمكنت في هذا الوقت من تدمير 60 نفقاً، كما بدأت حملة مطاردات للإرهابيين داخل مناطق عديدة في سيناء. كانت مشاعر الغضب قد عمت البلاد بأسرها، فخرجت العديد من المظاهرات، خاصة القاهرة ومدن القناة والإسكندرية تحمل المسئولية عن هذا الحادث للقوي الحاكمة في البلاد، كما راحت الاتهامات تطال بعض القوي الفلسطينية علي الساحة، وانتشرت شائعات تقول إن من بين المتورطين عناصر مقربة من حركة حماس، إلا أن الحركة نفت هذه المعلومات جملة وتفصيلاً. أما جماعة الإخوان المسلمين فراحت بدورها تتهم إسرائيل وتحملها المسئولية عن هذا الحادث، حتي وإن لم تكن قد تورطت فيه بشكل مباشر. وفي يوم السادس من أغسطس وجه الرئيس محمد مرسي كلمة إلي الشعب قال فيها: 'إن دماء الشهداء لن تضيع هدراً، وأنه أصدر أوامره للقوات المسلحة والشرطة للتحرك لمطاردة الإرهابيين والقبض عليهم'. وتوعد الرئيس مرسي بفرض السيطرة الكاملة علي المناطق التي استهدفت، وقال إن سيناء آمنة، وسيدفع المتورطون الثمن غالياً، وأن القوات المصرية قادرة علي مطاردة وملاحقة المجرمين أينما وجدوا، وأن الأمر سيتصاعد اليوم للوصول إلي نتيجة حاسمة مع هؤلاء، وسيرون كيف يكون رد الفعل علي هذا الجرم!! وفي عصر ذات اليوم قام الرئيس مرسي يرافقه المشير طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان ووزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين بزيارة إلي العريش، إلا أنه لم يتمكن من زيارة موقع الحادث في رفح، والتقي كتيبة حرس الحدود رقم '101' وتحدث للضباط والجنود المرابطين معرباً عن أسفه الشديد لسقوط الشهداء والجرحي، وقال إن المصلحة العامة هي في التوصل إلي الجناة والجهة التي تدعمهم والأخذ بالثأر لشهدائنا حماة الوطن. في هذا الوقت كان اللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة قد صرح لعدد من وسائل الإعلام بأن جهاز المخابرات كانت لديه معلومات مؤكدة عن وجود تهديدات بهجوم إرهابي يستهدف وحدات عسكرية في سيناء قبل وقوع حادث رفح، وأن هذه المعلومات لم تشر إلي مكان أو توقيت الهجوم، وقال إن المخابرات أبلغت الجهات المعنية بهذه المعلومات. كان التصريح يعني براءة جهاز المخابرات العامة من أي تقصير في تقديم المعلومة المسبقة وتحميلها لآخرين وقد أراد اللواء موافي أن يبلغ الرأي العام عبر هذا التصريح أن هناك جهات وصلتها المعلومات ولم تتحرك، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد طالب قبل هذا الحادث السياح الإسرائيليين بالعودة من سيناء فوراً لوجود معلومات استخبارية باحتمالية وقوع هجمات إرهابية بسبب وجود نشاط غير اعتيادي علي شريط الحدود بين مصر وغزة. ولقد أثار تصريح مدير المخابرات العامة حالة من الغضب الشديد لدي مؤسسة الرئاسة ولدي المشير طنطاوي الذي اعتبر أن الاتهام بالتقصير موجه إليه شخصياً، حيث جري عتاب من المشير لمدير المخابرات العامة. المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع السابق لقد أبدي الكثيرون من المواطنين تقديرهم لصدور هذا التصريح، الذي كان يعني إبراء لذمة المخابرات العامة، ولذمة مديرها شخصياً من أي اتهام بالتقصير يمكن أن يوجه، وكانت تلك هي الحقيقة، خاصة أن اللواء مراد موافي كان قد بذل جهداً كبيراً قبيل الحادث لإقناع القيادة العسكرية بالبدء في حملة المواجهة، إلا أن المشير كان يري أن تدخل الجيش يجب أن يكون هو الخطوة الأخيرة، تاركاً العنان لقوات الشرطة للقيام بتلك المهمة تحت إشراف القوات العسكرية في سيناء. وكان الرئيس غاضباً أيضاً من تصريح اللواء مراد موافي، لأن الاتهام يطاله شخصياً باعتبار أنه رئيس الجمهورية، وأنه كان يفضل ألا يدلي مدير المخابرات العامة بهذا التصريح علانية. في السابع من أغسطس أعلن عن تشييع جثامين الشهداء الستة عشر من مسجد آل رشدان بمدينة نصر في جنازة عسكرية يحضرها رئيس الجمهورية وقادة الجيش وكبار المسئولين.. وفي العاشرة والنصف من صباح هذا اليوم، كنت قد مضيت إلي مسجد آل رشدان للمشاركة في الجنازة التي ستنطلق من هناك وصولاً إلي قبر الجندي المجهول بمنطقة 'المنصة'. كان الحشد كبيراً، وكان الألم بادياً علي الوجوه، ومع دخول النعوش إلي ساحة المسجد، ارتفعت أصوات أهالي الشهداء بالهتاف الممزوج بالبكاء والدموع.. كان المشهد رهيباً، ستة عشر جثماناً جري لفهم بعلم مصر، بينما بدا الذهول والحسرة علي وجوه الجميع، بعد قليل حضر إلي ساحة المسجد الفريق سامي عنان وعدد من القادة العسكريين، ثم حضر رئيس الوزراء د.هشام قنديل. انتشر رجال الشرطة العسكرية يحيطون بالنعوش وكبار المسئولين، يساعدهم في ذلك عدد من ضباط الشرطة ورجال الأمن المركزي الذين احتشدوا في الخارج لتأمين سير الجنازة.. وبمجرد الانتهاء من أداء الصلاة علي الجثامين، انفجر الغضب في النفوس، وترددت الهتافات المدوية ضد رئيس الجمهورية وضد رئيس الوزراء، حاول رجال الحرس الخاص وضباط وجنود الشرطة العسكرية دفع رئيس الوزراء إلي خارج المسجد سريعاً، إلا أن جمهور الغاضبين راحوا يلقون بالأحذية علي د.هشام قنديل وكادوا يفتكون به وراحوا يطاردون جميع القيادات السياسية الأخري ومن بينهم د.عبدالمنعم أبوالفتوح الذي حاول البعض الاعتداء عليه، وتكرر هذا الاعتداء ضد آخرين ومن بينهم نادر بكار القيادي بحزب النور. وبمجرد أن هبطت من المسجد، فوجئت بجمهور كبير يحملني علي الأكتاف، لتنطلق الهتافات مدوية تطالب بإسقاط حكم المرشد.. تم حمل النعوش الستة عشر، علي سيارات للجيش، واتجهت جميعها ونحن خلفها للتحرك من أمام قبر الجندي المجهول، وهناك كان الضباط والجنود والقادة في انتظار وصول الرئيس، حملني المواطنون مرة أخري علي الأكتاف وراح الهتاف يشتعل من جديد، مطالبين بالثأر وإعلان نتائج التحقيقات علي الفور. كان في مقدمة الحضور هناك المشير حسين طنطاوي ورئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة ووزير الدفاع والفريق سامي عنان رئيس الأركان وأعضاء المجلس الأعلي ود. كمال الجنزوري رئيس الوزراء السابق، ود. عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق، والسيد عمرو موسي المرشح الرئاسي السابق وحمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق وعدد كبير من الوزراء الحاليين والسابقين وغيرهم.. كانت درجة الحرارة مرتفعة للغاية، ظل الحاضرون ينتظرون الرئيس الذي أعلن عن مشاركته في الجنازة، انتشرت قوات الحرس الجمهوري لتحيط بالجنازة المنتظر انطلاقها بعد قليل، كانت كل المؤشرات تقول إن الرئيس قد تحرك من القصر الرئاسي متجهاً إلي المنصة. وفجأة بعد طول انتظار تم إبلاغنا بأن الرئيس عاد مرة أخري إلي قصر الرئاسة بعد أن تم قطع الطريق عليه لمنعه من المشاركة في تشييع جثامين الشهداء. مضي موكب الجنازة، يتقدمه المشير طنطاوي، وارتفعت الهتافات، سادت حالة من الهرج والمرج، جري علي أثرها إنهاء مراسم التشييع بعد أمتار قليلة. كان المشير يشعر بالحرج، فقد كانت الهتافات تطالبه بالتدخل وإنهاء حكم الإخوان، كانت الأجواء متوترة للغاية، بينما راح بعض المشاركين في العزاء يطاردون كل من يعرفون أنه ينتمي إلي جماعة الإخوان أو القوي المساندة لها، وقد لوحظ في هذا الوقت غياب قيادات الإخوان عن المشاركة في تشييع الجثامين.. الحادث كان بداية لسيناريو أدي إلي عزل المشير ورئيس الأركان وعدد من القادة.. ماذا يعني ذلك؟! في هذا الوقت كان رئيس الحرس الجمهوري اللواء نجيب عبدالسلام قد حذر الرئيس محمد مرسي من خطورة مشاركته في مراسم الجنازة، خوفاً علي حياته، بعد أن وصلته معلومات تشير إلي التربص به من قبل المتظاهرين والمشاركين في الجنازة، بينما كان مدير شرطة الرئاسة يقف علي الجانب الآخر، حيث طالب الرئيس مرسي بضرورة المشاركة، وقال إن الحرس الجمهوري وقوات الأمن تسيطر علي الموقف تماماً، وأن خسارة عدم مشاركة الرئيس في الجنازة ستكون كبيرة وتفتح الباب أمام انتشار الشائعات. في هذا اليوم وجه الرئيس محمد مرسي الدعوة لعدد من قادة الأحزاب السياسية لعقد اجتماع طارئ بهم في قصر الاتحادية وإطلاعهم علي آخر التطورات الراهنة، وكان من بين الحضور د.سعد الكتاتني 'الحرية والعدالة' - د.عماد عبدالغفور 'حزب النور'، أبوالعلا ماضي 'حزب الوسط' د.عصام العريان 'الحرية والعدالة'، د.صفوت عبدالغني 'التنمية والبناء'، د.أيمن نور 'غد الثورة' وآخرون. بدأ الرئيس الحديث بالوضع الراهن، وتعهد بالانتقام من قتلة الشهداء، وقال إنه يتابع سير التحقيقات بنفسه، وأنه لن يهدأ له بال إلا بعد الوصول للفاعلين والمحرضين. ثم تحدث اللواء عبدالفتاح السيسي، مدير المخابرات الحربية، ومن بعده تحدث اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية، لإطلاع قادة الأحزاب علي آخر تطورات العملية العسكرية والأمنية التي تجري في سيناء لإعادة الأمن والاستقرار والقبض علي المتورطين. كانت المؤشرات جميعها في هذا الوقت تقول إن هناك عناصر سلفية تكفيرية ومن بينها عناصر تنتمي إلي جماعة 'جلجلت' هي المسئولة عن هذا الحادث، وأن بعضاً من هذه العناصر قد جاءت من قطاع غزة، لتلتقي بالعناصر المصرية ويجري تنفيذ العملية المشتركة بين الطرفين، وأن هذه العناصر تمكنت من الهرب عبر الأنفاق بعد تنفيذ العملية الإرهابية مباشرة. في هذا الوقت قيل إن هذه العناصر كانت تنسق مع بعض القوي المتشددة التي تمكنت من إغلاق الطريق ما بين خان يونس ورفح في ساعة محددة بعد العصر لتسهيل مرور المجموعة المكلفة، وأن إطلاق الصواريخ من غزة علي معبر كرم أبوسالم في نفس الوقت الذي كان من المفترض أن تصل فيه هذه المجموعة المكلفة، بالقيام بأعمال ضد الجيش الإسرائيلي قد تم بمعرفة هذه العناصر. لقد جري في هذا الوقت خلاف كبير بين الرئيس مرسي والمشير حسين طنطاوي، حول إعلان أسماء المتهمين بارتكاب هذه الجريمة، حيث توصلت سلطات التحقيق العسكرية إلي أسماء هذه العناصر، إلا أنه وفي يوم التاسع من أغسطس، أبلغ المشير طنطاوي الرئيس بنتائج التحقيقات وطلب الإذن بإذاعتها، حيث أشارت التحقيقات إلي تورط عناصر فلسطينية من قطاع غزة إلي جانب بعض العناصر المصرية المتطرفة. كان موعد إذاعة البيان هو الخميس التاسع من أغسطس، وكانت القوات المسلحة قد وعدت بإذاعة أسماء المتورطين ونتائج التحقيقات التي جرت، بهدف تهدئة المشاعر، خاصة أن هناك مليونية دعت إليها الأحزاب والقوي الثورية يوم الجمعة العاشر من أغسطس. رفض الرئيس طلب المشير، وطالبه بتأجيل الأمر لحين الانتهاء من التحقيقات بشكل نهائي ومعرفة ما إذا كان المتهمون ينتمون إلي بعض الفصائل الفلسطينية أم إلي حركات جهادية أخري في غزة. ورغم غضبة المشير وإلحاحه الشديد، فإن الرئيس مرسي كان حاسماً في هذا الأمر، وأصر علي تأجيل إعلان التحقيقات. في هذا الوقت تسربت معلومات تقول إن حركة حماس قد طلبت من كبار المسئولين المصريين تأجيل إعلان أسماء المتهمين الفلسطينيين في الوقت الحالي، حتي لا يحدث أي اضطراب في العلاقات بين أبناء الشعبين المصري والفلسطيني بسبب مشاركة بعض من العناصر الجهادية الفلسطينية في الحادث، كما أشارت التحقيقات في هذا الوقت. ووفقاً لتصريح منسوب إلي مصدر أمني مسئول إلي صحيفة 'المصري اليوم'، فقد تم اتخاذ قرار التأجيل عنوة رغم رفض المؤسسة العسكرية لثلاثة أسباب، هي: 1- حتي تهدأ الأجواء وتتضح الحقائق أمام الشعب المصري الذي لا يجب أن يخلط بين حركة حماس أو الفصائل الفلسطينية الأخري وبين الجماعات الجهادية التكفيرية. 2- حتي تكتمل التحقيقات التي تجريها النيابة العسكرية في الأحداث والتوصل إلي جميع الأطراف المتورطة، خاصة أن التحقيقات توسعت بشكل كبير، وتدخلت فيها أطراف متعددة، وهو ما يتطلب مزيداً من الوقت والجهد. 3- إعطاء الفرصة والوقت الكافيين للجهات الأمنية في حركة حماس حتي تستطيع القبض علي المتهمين وتسليمهم لجهات التحقيق المصرية، حيث إن التحقيقات أثبتت أن المتهمين الفلسطينيين فروا إلي قطاع غزة عبر الأنفاق بعد تنفيذ الجريمة. وفي هذا الوقت صرح د.ياسر علي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن الرئاسة ستعلن في تقرير كامل نتائج التحقيق والمعالجة الوقائية للأحداث، نافياً ضلوع أي من المفرج عنهم من الذين صدرت بحقهم أحكام من الجماعات المتشددة في مصر في هذه الأحداث. كانت الاتصالات تجري بين الرئيس ووزير الدفاع بشكل مستمر خلال هذه الأيام، وكان المشير قد أصدر قراراً في هذا الوقت بأن يكون اللواء عبدالفتاح السيسي، مدير المخابرات الحربية، هو حلقة الوصل بين مؤسسة الرئاسة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة، وهو ما استدعي من اللواء السيسي التردد علي قصر الرئاسة كثيراً في هذا التوقيت، وكان يساعده في ذلك اللواء محمد العصار، مساعد وزير الدفاع لشئون التسليح. في يوم الأربعاء 8 أغسطس، كان هناك اجتماع لمجلس الدفاع الوطني برئاسة الرئيس محمد مرسي، وحضور رئيس الوزراء د.هشام قنديل، ووزير الدفاع اللواء حسين طنطاوي، وبقية أعضاء المجلس من كبار المسئولين والقادة العسكريين والأمنيين. وقد أعلنت رئاسة الجمهورية في أعقاب هذا الاجتماع إقالة عدد من كبار المسئولين أبرزهم اللواء مراد موافي، مدير المخابرات العامة، الذي عين بدلاً منه اللواء رأفت شحاتة، وإقالة اللواء نجيب عبدالسلام، قائد الحرس الجمهوري، الذي عين بدلاً منه اللواء محمد زكي، واللواء حمدي بدين، قائد الشركة العسكرية، الذي عين بدلاً منه نابه اللواء إبراهيم الدماطي، وإقالة اللواء عماد الوكيل، قائد الأمن المركزي وتعيين لواء ماجد مصطفي كامل، بديلاً عنه، وإقالة اللواء محسن مراد، مساعد الوزير مدير أمن القاهرة وتعيين اللواء أسامة الصغير بدلاً منه، كما جرت إقالة اللواء عبدالوهاب مبروك، محافظ شمال سيناء في نفس الوقت. كانت المادة '53 مكرر' من الإعلان الدستوري المكمل الصادر في 17 يونيو 2012 تنص علي أن 'المجلس الأعلي للقوات المسلحة يختص بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستوري بتقرير كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة وتعيين قادتها ومد خدمتهم، ويكون لرئيسه حتي إقرار الدستور الجديد جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع'. كان هذا النص عائقاً أمام رئيس الجمهورية، لاتخاذ القرارات بشكل مباشر، ولذلك كلف الرئيس المشير طنطاوي، بصفته رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وزير الدفاع لتعيين رئيس جديد لجهاز الشرطة العسكرية خلفاً للواء حمدي بدين. كان القرار مفاجئاً للمشير، حدثت حالة ارتباك شديدة داخل الأوساط العسكرية، تساءل القادة: وهل من حق الرئيس أن يعزل واحداً من أعضاء المجلس العسكري والقادة الأساسيين للجيش رغم وجود الإعلان الدستوري المكمل؟ اعترض الكثيرون، لكن المشير سعي إلي تفادي أزمة متوقعة، فوافق واستجاب لقرار الرئيس، إلا أنه عين ودون التشاور معه اللواء حمدي بدين ملحقاً عسكرياً لدي جمهورية الصين وقام بتكريمه، وهو أمر أثار استياءً كبيراً داخل مؤسسة الرئاسة التي حملت قائد الشركة العسكرية وقائد الأمن المركزي المسئولية في الاعتداء الذي تعرض له رئيس الوزراء داخل مسجد آل رشدان من قبل جمهور الغاضبين. اللواء مراد موافي وكان السبب الرئيسي وراء إقالة اللواء مراد موافي يرجع إلي التصريحات التي أدلي بها لعدد من الصحف ووسائل الإعلام حول إبلاغه لكبار المسئولين بالمعلومات التي وصلت إليه، حول احتمال الهجوم الإرهابي في سيناء.. لقد تردد في هذا الوقت أن المشير طنطاوي عبر عن غضبه أمام الرئيس من هذه التصريحات، مما دفع الرئيس إلي استغلال الفرصة والإطاحة باللواء مراد موافي من منصبه، وبدا الأمر كأنه استجابة لمطلب المشير، خاصة أن الرئيس كان يعرف مدي العلاقة التي كانت تربط بين اللواء عمر سليمان واللواء مراد موافي، خاصة أن اللواء سليمان هو الذي رشح اللواء مراد موافي في منصب مدير المخابرات العامة، بينما كان المشير يسعي إلي تعيين اللواء محمد التهامي، مدير الرقابة الإدارية في هذا الوقت، ومدير المخابرات الحربية الأسبق لتولي هذا المنصب. كانت مؤسسة الرئاسة هي الأخري مستاءة من تصريحات اللواء مراد موافي، وهو ما أدي بالمستشار محمد فؤاد جاد الله، المستشار القانوني للرئيس، إلي الرد علي ما أثاره اللواء موافي بالقول 'إن الرئيس مرسي لم يكن يعلم بالتقرير الذي تحدث عنه اللواء مراد موافي، وحذر فيه من العملية الإرهابية'، وهو ما أدي إلي قيام جهاز المخابرات بالرد علي هذا التصريح ببيان أكد 'أن جهاز المخابرات العامة جهة جمع معلومات فقط، وليس سلطة تنفيذية، وأن المعلومات التي لديه بخصوص الحادث الإرهابي الذي وقع في سيناء أرسلها إلي صناع القرار والجهات المسئولة وبهذا ينتهي دور الجهاز'. أما بالنسبة للواء حمدي بدين، فقد أصدر المشير طنطاوي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس المجلس العسكري ووزير الدفاع قراراً في بداية الأمر، بتعيين اللواء حمدي بدين، قائد الشرطة العسكرية السابق، مساعداً لوزير الدفاع لشئون سيناء، ونقل التليفزيون المصري والعديد من وسائل الإعلام هذا الخبر. وقد أثار قرار المشير ردود أفعال عنيفة داخل مؤسسة الرئاسة، واعتبرت أن قرار المشير يمثل تحدياً لقرار رئيس الجمهورية، وأن المشير يكافئ قائد شرطته العسكرية السابق علي 'إهماله' في حماية رئيس الوزراء وكذلك الانفلات الذي حدث في أثناء تشييع الشهداء، مما حال دون مشاركة رئيس الجمهورية في مراسم التشييع، ولذلك اضطر المشير إلي التراجع عن قراره، وطلب من اللواء ممدوح شاهين، عضو المجلس الأعلي للشئون القانونية، نفي هذا الخبر، وبعدها أعلن عن تعيين اللواء بدين ملحقاً عسكرياً بالصين، وهو أمر لم تكن الرئاسة راضية عنه تماماً.. ويبدو أن السبب المعلن في هذا الوقت الذي يقف وراء إقالة اللواء نجيب عبدالسلام، قائد الحرس الجمهوري، هو طلب قائد الحرس من الرئيس بعدم المشاركة في جنازة توديع الشهداء، خوفاً علي سلامته، بينما كان السبب الحقيقي هو البدء بخطوات عملية تمهد لحدث ما، قد يحدث والرئيس يريد الاستعانة بقائد جديد للحرس.. ورغم أن اللواء محمد زكي، كان قائداً للمظلات، إلا أن المجيء به كان الهدف منه أن يكون ولاؤه للرئيس صاحب القرار وليس لأحد آخر، خصوصاً أن اللواء نجيب عبدالسلام كان هو نفسه قائد الحرس الجمهوري في فترة حكم الرئيس مبارك، كما أن علاقته بالمشير طنطاوي تمتد إلي سنوات سابقة، وهو يدين له بالولاء. أما قرار إقالة مدير شرطة الرئاسة اللواء أحمد إيهاب، الذي تم تعيينه نائباً لمدير مطار القاهرة، فقد جاء علي خلفية معلنة تقول 'إنه كان وراء الطلب من الرئيس المشاركة بالحضور في جنازة الشهداء دون مراعاة للمخاطر الأمنية'، وهكذا أبعد الرئيس قائد الحرس الجمهوري تحت زعم أنه حذره من المشاركة في مراسم الجنازة، وأبعد مدير شرطة الرئاسة لأنه طالبه بالمشاركة فيها.. كان الهدف هو تهيئة المسرح لحدث ما، قد تشهده الساعات القليلة القادمة، كان القرار قد اتخذ، لا حل أمام الرئيس سوي إلغاء الإعلان الدستوري المكمل حتي يفتح الطريق أمامه واسعاً للانفراد بالسلطة والإمساك بالسلطة التشريعية وإعداد دستور جديد يحول دون إجراء انتخابات رئاسية جديدة.