ثم مضى الإعصار الكاذب لحال سبيله ومرت النوة العاتية ولكنها خلفت وراءها دروسًا كثيرة لمن يعى.. عفوًا.. لم تكن أبدًا مجرد أمطار..!! ساعات من القلق والترقب وبيانات تتداول هنا وهناك من مصادر رسمية تؤكد أن طقس الجمعة سيكون غير معتاد على الإطلاق ترقبًا لسقوط البلاد فى منخفض جوى شديد القسوة بعد يومين من هطول المطر بشكل استثنائي وغير مسبوق ربما على العاصمة القاهرة الكبرى وغرقها تماما.. محافظات تستعد ومدارس تغلق ومواقع تواصل تتفرغ لرصد الحدث وفى النهاية انتهى اليوم ولكن بعد أن خلف وراءه تساؤلات عديدة..!! لماذا يموت الأطفال صعقًا بالكهرباء بسبب الأعمدة الغير معزولة جيدا ؟ ولماذا لم يتم صيانتها بالشكل الكامل!! وعلى من تقع مسئولية تلك الأعمدة؟ هل هى شركة الكهرباء ووزارتها أم أنها الأحياء والمحافظات؟ وهل كنا ننتظر حقًا أن يخرج علينا بعض الشباب العبقري بفكرة فى غاية البساطة لعزل تلك الأعمدة وتغطيتها بالأقمشة أو المواد البلاستيكية العازلة للكهرباء ؟ هل كنا حقا ننتظر هذا الاختراع الفذ حتى لا تموت تلك الطفلة التي أدمعت عيون وقلوب الملايين وهم ينتشلون جثتها من المياه التي غرقت بها صعقًا بالكهرباء ؟؟ لماذا تموت عجوز مسنة فى الإسكندرية تحت أنقاض منزلها المتهالك بفعل السنين وبسبب الأمطار الشديدة التي أكملت القصة لتُنهي حياة هذه المرأة بشكل قاس؟ هل كنا ننتظر المطر حتى نعلم أن لدينا مئات وآلاف المساكن القديمة الآيلة للسقوط؟ ولماذا تأخرنا فى توفير مساكن بديلة لمثل تلك المرأة المسنة لتقضي ما تبقى لها من أيام أو سنين فى أمان وإستقرار؟ لماذا يموت الشاب محمود شاهين فى الدقهلية قبل أن تفرح أمه بزفافه المرتقب ويتركها تعاني ويلات ومصاعب الحياة وحدها بسبب تلك الأسلاك الكهربائية غير المعزولة التي أنهت حياته فى ثوان معدودة بعد أن غمرت المياه كل الطرقات والبيوت . نشهد أن التعامل مع الأزمة كان جيدًا فى أغلب المحافظات خاصة الإسكندرية ولكنها جهود جاءت بمثابة الطبيب الذي يصف لمريضه بعض المسكنات ليتغلب على الألم لبعض الوقت ثم يعاود الألم فعلته مجددا. فمتى ستكون لدينا رؤية شاملة للتعامل مع الأزمات قبل حدوثها مثلما يحدث فى كل بلدان العالم ولماذا يجب على البعض من رجال الصرف الصحي والتنفيذيين أن يعملوا ليل نهار خلال الأزمة بجهد مضاعف ثم لا يحققون النتائج المرجوة خاصة فى الأماكن النائية وضواحى المدن والقري البعيدة.. لماذا لا يتم الاستعداد مبكرًا بالتطوير الدائم لشبكات الصرف وصيانة أعمدة الكهرباء وزيادة عدد عربات الشفط فى كل حي وقرية حتى لا يموت الناس بهذا الشكل ونحن في القرن الحادي والعشرين !! مازلنا فى انتظار فصل الشتاء الذي لم يبدأ رسميًا بعد وما زالت أمامنا نوات ونوات أشد ضراوة مما سبقت فهل سنظل نتعامل بالقطعة أو سنبتكر منظومة كاملة ترفع شعار أن حياة إنسان واحد أهم كثيرًا من كل البيانات والإشادات بنجاح الأجهزة المعنية فى مواجهة الأزمة. مازال الإنسان يا سادة أغلى من كل جهد بُذل أو عطاء تم تقديمه بشكل استثنائى فكل هذا لن يُعيد من ماتوا أبدًا.. فى انتظار فكر وجهد وأموال كثيرة لتطوير شبكات الصرف والكهرباء فى كل شبر من أرض مصر فهذه الأرواح الطاهرة أغلى من أى شىء.. حفظ الله شعب مصر وأرشد من بيدهم الأمر فى أجهزتنا المحلية لما فيه خير البلاد والعباد .