تطالعنا الأخبار كل يوم بجريمة تهز الكيان الإنساني والمجتمع المصري تحديداً ،كل الجرائم تشمئز منها النفوس وينتابك نوبة بكاء أو نوبة ضيق كما في واقعة الطفلة جنا بنت المنصورة التي لم يتخطى عمرها الست سنوات والتي بترت ساقيها ثم توفت آثر التعذيب من جدتها وخالها ،كما السيدة في قرية تلبانة بمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية والتي قامت بتقييد شاب من اليدين والقدمين وكممت فاه حتى لا يصدر صوتاً عالياً ، وقامت بتعذيبه حتى فقد حياته وكأننا في غابة ، ثم تأتي جريمة تلا منوفية ذلكم الطالب محمود البنا يدفع حياته ثمناً للدفاع عن فتاه، بعدما رأى قطيع ممن يسمون أنفسهم بشر وهم يعتدون على فتاه ،فقاموا بتقطيع أوصاله أمام مرأى ومسمع من الناس . يا سادة الجريمة موجودة في كل زمان ومكان ومنذ بدء الخليقة ، لكنها ليست بهذه الصور المفجعة التي تؤلم النفس ، هذه هي النهاية الحتمية لما حذرنا منه مراراً وتكراراً ، الإعلام ثم الإعلام ثم الإعلام ، هذه نهاية أفلام العنف والتشجيع عليها في السينما المصرية ،هناك سلسلة من الأفلام والمسلسلات أفسدت الشارع المصري لا بل والعربي ،الرسالة التي قُصد منها الأفلام وصلت وأدت دورها كما ينبغي ، فأفسدت أخلاق الشباب وجعلت غالب الشاب ينتهج العنف، والسب والقذف للوصول إلى مبتغاه ، كنت في حوار مع الدكتور نظير عياد الأمين العام للبحوث الاسلامية وهو من خيرة الدعاة الذين تولوا هذا المنصب في الآونة الاخيرة كونه ممن يحرص على التواجد في كل الأماكن لتوصيل رسالة الإسلام الوسطي الخالية من التشدد والتطرف وقادر على تجديد الخطاب الديني ، سألته عن دور مجمع البحوث من هذا الخطر الداهم ؟ خطر الانفلات الأخلاقي وفقدان الاحترام في الشارع والبيوت عكس ما تربينا عليه من أبائنا وأجدادنا ، فوجئت بقوله أن دعاة الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية يغطون كل شبر في أرض مصر حتى المدارس والمعاهد لتوصيل رسالة الأزهر الشريف فلدينا مئات القوافل التي هدفها التوعية والإرشاد ، كلام الدكتور نظير مقنع ويحترم لكن في يقيني أن الأقوى رسالة وإنجازاً للمهمة هو الإعلام لأنه اللغة البسيطة والسهلة التي يفهمها كل الطبقات . الأزهر الشريف يدرس مادة تسمى الثقافة الإسلامية بالصف الثالث الإعدادي قام بكتابتها الإمام الأكبر الدكتور الطيب بنفسه ، هذه المادة أتعجب كل العجب لماذا لا تدرس في التربية والتعليم والجامعات المصرية ؟ ، المادة تقوم على غرس القيم والأخلاق وكيفية معاملة الأخر في أسلوب حواري قل نظيره ، ويقيني أن الإمام بما عرف عنه من وطنية ، وقيم رفيعة لن يمانع في نقل التجربة إلى التربية والتعليم لتعم الفائدة . ثانياً : عندما أرادت الدولة محاربة وباء البلهارسيا إبان حقبة الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي استعانت بفنانين عظام أمثال الفنان محمد رضا وعبد السلام محمد وكانت لهذه الرسائل مفعولا طيبا وسط من يتعامل مع المياه الملوثة بهذا الوباء وأتت أُكلها، لماذا لا تكون هناك رسائل تحث الشباب على التحلي بالأخلاق والاحترام والمروءة ؟ لماذا لا يتم تنقية أعمالنا الدرامية من مشاهد العنف والتطرف. الجرائم الأخيرة التي هزت كيان المجتمع المصري لم ولن تقف إلا إذا كان لدينا النية والاستعداد لمواجهتها ، والمسؤولية هنا على الجميع لوقف هذه الممارسات ، أولهم الإعلام الذي شاع فينا عادات سيئة ليست من عادتنا ولا تقاليدنا ، من شرعوا السيوف والخناجر والبلطجة فليتحملوا نتيجة ما وصلنا إليه ، حفظ الله مصر الكنانة من كل مكروه وسوء.