عزيزى القارئ، هل تأملت فى يوم ما عربة الفول الخشبية، التى أصبحت طقسًا صباحيًا، ومشهدًا معتادًا فى شوارع مصر، وبماذا فكرت حينئذ؟! حينما أرى عربة الفول، والتفاف الناس حولها، أشعر بأنها تجمع غرباء لتصنع منهم عائلة واحدة لدقائق معدودة، قبل أن يفترق الجميع، ليأتى غيرهم وتتكون عائلة جديدة، وهكذا تباعًا!! قد يبدو تواجد عمال، موظفين، طلاب، حرفيين، وغيرهم من الفئات الكادحة أمرًا عاديًا، لكن ما الذى يدفع الأثرياء للخروج من بيوتهم، وتجاهل المطاعم اللامعة الفاخرة، وترك سياراتهم مصطفة على جانبى الطريق، من أجل الظفر بتناول الطعام على عربة فول بسيطة؟!! إن السبب ببساطة يرجع للطاقة المحيطة بعربة الفول، والتى أسميها طاقة السعادة، فكل هؤلاء الملتفين حولها سواء جاءوا فرادى أو جماعات، ورغم الملامح الحزينة التى نقشها الزمان على وجوه البعض، والروح المثقلة بالهموم، وانشغال العقل بكيفية مواجهة صعوبات الحياة، يتناسون للحظات كل المتاعب، فيتعاونون ويتبادلون الدعابات والابتسامات وربما الضحكات فى ظل حالة من الود والهدوء والسلام الاجتماعي، حتى من جاء وحيدًا حزينًا بائسًا وربما باكيًا سيجد من يجذبه لتبادل الحديث وتجاهل ما يكدر صفوه. ومهما كانت التحفظات بشأن الأوضاع القانونية والتراخيص والقواعد الصحية والبيئية.. إلخ فلا يمكن إنكار أن تلك العربة الخشبية الصغيرة تمنح جرعة صباحية هائلة من الطاقة الإيجابية مجانًا مع طبق الفول والطعمية (الفلافل) والمخللات وغيرها من الإضافات والمشهيات، وتضفى نكهة السعادة على زبائنها، كما تشير بوضوح لمدى إحساس المواطن بالأمن والأمان. إن الشعب الذى يستمتع بتناول الطعام فى الطرقات هو شعب فى وطن آمن، يؤمن أن أرضه مؤمَّنة برًا وبحرًا وجوًا، فيعيش حياته العادية فى طمأنينة، ويستمتع بوقته بلا خوف من أى خطر. إن عربات الفول تعكس ببساطة الشعور بالأمان مثلها فى ذلك مثل مشاهد ذهاب التلاميذ للمدارس، وتنزُّه الأسر فى الحدائق، والجلوس على الشواطئ، والتسوق، والذهاب للأوبرا والسينما والمسرح، وغيرها من الممارسات اليومية للمواطن الذى لا يخشى تهديدًا لحياته وعرضه وماله. إن عربة الفول صورة من صور الحياة الآمنة فى مصر، وندعو الله أن يديم علينا نعمة الأمان.